أهم أقسام المدونة

الصفحات

الاثنين، 29 نوفمبر 2010

جـنــون الـعـــشـــق

جـنــون الـعـــشـــق

يسألُني قلبي أن أنسى أمنيةً كانت تَحويني
لما أَلْفَيْتُ دَمِي نَهرًا ووجدتُ شُعورَكِ سِكّيني
يا امرأةً تَسكنُني دَهرا أعطيني كأسا تُنسيني
كأسًا من حُسنِكِ تُحرقُني شَوقًا وتُبعثرُ مَكنوني
أنساكِ، أحبُّكِ، أمقتُني، أكرهُكِ أميتُكِ أُحييني
يا بَلسمَ دائي، يا دائي، يا كَربي، هيا ناجيني
عقلي سيُجنُّ بلا وَصْـلٍ، قُربُكِ في الدنيا يكفيني
يا زهرَ ربيعٍ أعشقُه، يا عصفَ رياحِ خَماسيني
يا أنثى ذُقْتُ مَخالِبَها، وُشِمَتْ في قلبي بحنيني
يا قبرَ جليدٍ، يا ناري، أشتاقُ أضمُّـكِ ضُمِّيني
لو كنتُ أحبُّـكِ يا حبي!.. لو كنتُ نذرتُ قرابيني
ويلٌ لعناديَ ضيّعني وأضاعَـكِ صمتي وظُنوني
ورحلتِ لأكشِفَني وهمًا منقوشا فوقَ دواويني
ووجدتُ فؤاديَ منفيا في سجنٍ من نارِ فُتوني
عانيتُ، ذَرَفْتُ دَمِي شِعرا، ناديتُ، صرختُ أعيديني
إني تمثالٌ من ألمٍ، مَسّاتُ عَصاكِ ستُحييني
إني أتفانى في حُزني، والروحُ تَعافُ شَراييني
هيا لا وقتَ نضيّعُه، عُمري يمقتُني بجنونِ
عُودي لي توا، لا أقوى أنساكِِ، أريدكِ، كُونيني

محمد حمدي غانم، 1997

الجمعة، 26 نوفمبر 2010

تحت الطبع: المدخل العملي السريع إلى دوت نت 2010

(نسخة سي شارب)

(نسخة فيجيوال بيزيك)

الغلاف تصميم الصديق الفنان: أ. زاهـر فـودة

في السنوات الماضية، كنت أركز على كتابة مراجع شاملة وافية عن دوت نت، لسد فجوة كبيرة في المكتبة العربية، التي تمتلئ بالملخصات والمختصرات والمتشابهات.
لكني دائما كنت أشعر أن هناك فجوة ما زلت عاجزا عن سدها، فالقارئ في بلادنا مشهور ببحثه عن الكتب صغيرة الحجم رخيصة السعر، معتقدا أن هناك وسيلة سحرية سريعة لتعليمه كل شيء في أقصر وقت وبأقل مجهود، بل وبأقل قدر ممكن من المعلومات، وهو خيال لا يحدث في عالمنا بالتأكيد!.. على الأقل لأن لغات البرمجة تتطور بسرعة مذهلة، وكل عامين تقريبا هناك إصدار جديد من فيجيوال بيزيك يضيف إليها الكثير من التحسينات، بل وأحيانا العديد من الفروع الجديدة، التي تحتاج إلى تعلمها من الصفر!

وقد أعياني التفكير في حل لهذا الصراع بين لغة برمجة تتضخم بسرعة كبيرة، وقارئ متعجل يبحث عن السهل المختصر، إلى أن ألهمني الله سبحانه بفكرة هذا الكتاب، فقررت كتابة مدخل عملي سريع إلى فيجيوال بيزيك دوت نت، من خلال تطوير مشروع عملي وشرحه بالكامل للقارئ خطوة بخطوة، بحيث أقدم له كتابا معقول الحجم، يمنحه الدفعة السريعة التي يبحث عنها، التي تدخله إلى عالم البرمجة بقوة وسلاسة.



لمن هذا الكتاب:
هذا الكتاب موجه إلى القارئ الشغوف، الذي لا يعرف ما هي فيجيوال بيزيك دوت نت، أو ما هي البرمجة عموما، ويريد أن يأخذ جولة سريعة مختصرة، ولكن في نفس الوقت وافية وكافية لكي يقرر إن كانت البرمجة هي المجال الذي يناسبه أم لا.

وهو موجه أيضا إلى الطالب أو الدارس الذي يريد أن يلمّ في أسرع وقت بمهارات فيجيوال بيزيك الأساسية التي تؤهله لدراسة أحد المناهج، أو تساعده في إنجاز مشروع التخرج أو برنامج مساند لرسالته البحثية.

وهو موجه كذلك إلى الموظف أو المحاسب الذي سمع عن قدرة فيجيوال بيزيك على تطوير تطبيقات تجارية قوية، فانتابه الفضول للتعرف على هذه اللغة، وشعر بالرغبة في تجربتها بنفسه لإنشاء برنامج سريع ينظم به عمله ويطبق فيه كل الأفكار التي لم تستطع البرامج الجاهزة تقديمها له.. هذا الكتاب يعطيه مثالا جيدا لمشروع يعمله كيفيه إنشاء قواعد البيانات واستخدامها في حفظ البيانات والبحث فيها وعرضها بأشكال مختلفة.

وهو موجه بوجه عام للمبتدئين في البرمجة، الذين يريدون مشاريع كبيرة مشروحة بالكامل يستطيعون الاستفادة بأجزاء منها أثناء برمجتهم للمشاريع المطلوبة منهم.

باختصار: هذا الكتاب مفيد لكل الذين ملوا من قراءة الأساسيات والتعليمات والأمثلة الصغيرة، ويريدون أن يتعلموا كيف يطورون مشروعا عمليا، يربط الأجزاء التي تعلموها بعضها ببعض، ويمنحهم الكثير من الخبرات العملية.

منهج الكتاب:
لكي يحقق هذا الكتاب كل هذه الأهداف، تم تصميمه ليقفز بقارئه مباشرة إلى منتصف ورشة العمل أثناء تطوير مشروع متكامل اسمه المذكرة الذكية، بدون أي مقدمات أو شروح نظرية لأساسيات البرمجة أو لغة فيجيوال بيزيك، فبدلا من هذا، يريك الكتاب خطوات العمل على الهواء مباشرة، وكلما تطلب الأمر شرح جزء من لغة فيجيوال بيزيك يتم شرحه باختصار واف، وعلى قدر الحاجة.
ويقدم الكتاب تصميمين مختلفين للمذكرة الذكية، أحدهما برنامج شخصي لمستخدم واحد يحفظ البيانات في ملف على الجهاز، والآخر برنامج متعدد المستخدمين، يتيح لأكثر من مستخدم التعامل معه في نفس الوقت من خلال قواعد بيانات SQL Server.
وهكذا وبنهاية هذا الكتاب يكون القارئ قد أخذ نظرة واسعة على فيجوال بيزيك، وتعلم ما يلي:
-  أساسيات لغة البرمجة كتعريف المتغيرات وحلقات التكرار Loops وجمل الشرط واستخدام المجموعات Collections وتعريف الدوال Functions والسجلات Structures والفئات Classes.
- برمجة نماذج الويندوز وتصميم النماذج وواجهة الوثائق المتعددة واستخدام الأدوات الأساسية كالأزرار ومربعات النصوص ومربعات القوائم ListBoxes وأزرار التحويل RadioButtons ومربعات الاختيار CheckBoxes، واللوحة Panel ومربع التجميع GroupBox، وأداة مزود الخطأ ErrorProvider وأداة تلميحات الشاشة ToolTip، والقوائم الرئيسية Menus.
- إنشاء أداة خاصة بنا Custom Control لعرض المواعيد بصورة مرئية واضحة وسهلة، واستخدامها في تصميم المذكرة الذكية.
- إجادة الكثير من المواضيع المتقدمة كالنقل المتسلسل للبيانات Serialization وكتابة استعلامات LinQ، وبرمجة قواعد بيانات SQL Server من خلال النموذج التصوري Conceptual Model الذي تقدمه لنا تقنيةLinQ To SQL، وربط البيانات Data Binding وعرضها في الأدوات المتقدمة مثل جدول العرض DataGridView وإنشاء أعمدة من أنواع خاصة Custom DataGridView Columns لعرض البيانات في جدول العرض بالشكل الذي يناسبنا.
وغير ذلك الكثير!


انتهيت من الكتاب والحمد لله، وحجمه متوسط (حوالي 350 صفحة)، وسيكون معه قرص ضوئي عليه المشاريع، وأتوقع صدوره في معرض الكتاب القادم إن شاء الله.

17- التصميم الذكي

أبدع حاسب وأبدع نظام تشغيل
17- التصميم الذكي

هناك سؤال مهم، قد يسأله الكثيرون لأنفسهم:
إذا كان كل ما ذكرناه في هذا الموضوع صحيحا، عن وجود تصميم مبهر في تركيب الكائنات الحية، سواء على المستوى الجسدي، أو المستوى المعلوماتي، فلماذا ما زالت نظرية داروين تدرس في المدارس والجامعات إلى يومنا هذا، وتسوق على أنها نظرية علمية صحيحة؟
للإجابة عن هذا السؤال، عليكم مشاهدة فيلم وثائقي صدر عام 2008، وهو بعنوان:
وأنا أؤكد لكم، أنه سيمنحكم الإجابة الشافية عن هذا السؤال، وأنكم ستجدونه ذا مصداقية عالية، لأنه يجري لقاءات بين أنصار نظرية التصميم الذكي، ومن يحاربونها من أنصار نظرية التطور، وهذا عكس ما يحدث في الأفلام التي تنتجها الجهات المؤيدة للداروينية، التي لا تقدم إلا الداروينيين وتحاول أن توهم المتفرج بقوة أدلتهم، استنادا إلى عدم تخصصه وقلة ثقافته العلمية!.. لكن ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل إن كل من يعارض نظرية داروين في الأوساط العلمية أو الإعلامية، يتم رفته من وظيفته والتشهير به.. وسنلتقي بالعديد ممن حدث لهم هذا في فيلم "مطرودون Expelled".. أنتم الآن تفهمون سبب تسمية الفيلم بهذا الاسم!
ولكن هل نظرية التصميم الذكي نظرية علمية، أم علم زائف كما يدعي الداروينيون؟
يظن البعض أنه من المستحيل أن نجلس في المختبر لنرى الإله.. لكن العلم لا يتعلق فقط بما نراه في المختبر، بل يتعلق أيضا بالبحث في الفرضيات ومدى صمودها أمام المعايير العلمية والقواعد الرياضية.. وعند البحث في ادعاء الداروينيين بأن الأنماط والنظم الموجودة في الكائنات الحية تولدت تدريجيا بالصدفة من خلال طفرات عشوائية عمياء، أثبتت الرياضيات وحسابات الاحتمال بما لا يدع مجالا للشك أن هذا مستحيل!.. فإذا استبعدنا فكرة الصدفة، فإن الاحتمال العلمي الوحيد المتبقي هو: وجود مصمم واع ذكي له قصد أنشأ هذه النظم.. هذا كلام علمي بحت، تقوله نظرية التصميم الذكي، التي تحاول باستماتة شق طريقها في الأوساط العلمية، رغم استخدام الداروينيين لكل الوسائل لقمعها، بما في ذلك إبعاد كل من يبحث في هذه النظرية، أو يتكلم عنها في وسائل الإعلام الشهيرة!
كما يتهم الداروينيون هذه النظرية، بأنها مجرد ثوب جديد لنظرية الخلق المسيحية.. لكن الحقيقة أن هذه النظرية لا تتطرق من قريب أو بعيد إلى ماهية المصمم الذكي أو أين هو أو ماذا يريد منا، ولو تم تدريسها في المدارس، فلن تحتوي مناهجها على أي مقاطع من أي كتاب مقدس، بل ستحتوي على الرياضيات والاحتمالات التي تبحث في أدلة علم الأحياء!!
ومن الغريب أن ريتشارد داوكينز ـ أحد أكبر دعاة الإلحاد والتطور في العالم ـ يعترف في المقطع الأخير من الفيلم الوثائقي Expelled بأن التصميم الذكي قد يكون الإجابة عن أصل الحياة الذي لا يعرفه العلم المادي حتى اليوم، وأن علم الكيمياء الحيوية وعلم الأحياء الجزيئية قد يجدان توقيع ذلك المصمم في الخلايا الحية.. هذا اعتراف خطير من ملحد تطوري لم يعد يجد مخرجا من مأزق الداروينية، إلا أن يفترض أن هذا المصمم هو كائن من كوكب آخر!.. ورغم غرابة هذا الزعم، إلا أنني مستعد لتقبله كفرض علمي، أو حتى كخيال علمي.. ففي كل الأحوال، هو أذكى وأكثر منطقية وعقلانية من ادعاء أن الصدفة صنعت شفرة برمجية تتكون من 10 آلاف مرجع مكدسة على شريط DNA الذي لا يرى بالعين المجردة، لتصنع هذه الشفرة نظما متكاملة وأنماطا متكررة في الكائنات الحية، وعلاقات تبادلية في النظم البيئية تدخل في نطاق التعقيد غير القابل للاختزال.. إن افتراض أن الصدفة فعلت كل هذا، هو ضد كل ما نعرفه من قواعد العلم في جميع المجالات!
لكن يظل السؤال يلحّ: لماذا يحارب الغرب نظرية التصميم الذكي بمثل هذه الشراسة؟
لكي نفهم خلفيات الصراع المستميت بين الداروينيين وأنصار التصميم الذكي، يجب أن نعود بالتاريخ إلى الوراء، إلى أيام محاكم التفتيش في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، والتي لم تكن موجهة ضد المسلمين واليهود في الأندلس وَقَط، بل كانت موجهة أيضا ضد أتباع مارتن لوثر من البروتستانت في ألمانيا وباقي دول أوروبا، وكذلك ضد الموحدين المسيحيين.. والأسوأ من هذا أن حتى العلماء لم يسلموا منها، فكل من جاء بفكرة جديدة اتهمته الكنيسة بالهرطقة وحاكمته، مثل جاليليو وكوبرنيكوس.. وقد أدى هذا إلى ظهور العلمانية في أوروبا، واشتعلت الحرب بين الفريقين، واستخدمت فيها الطباعة التي ظهرت حينها، وكانت الكنيسة تعدم من تجد عنده ولو ورقة مطبوعة واحدة! (يمكنكم عيش هذه الأجواء الكابوسية في فيلم أحدب نوتردام لفيكتور هوجو).
وكان من نتائج هذا العنف الدموي، استخدام الثوار العلمانيين للعنف المضاد بعد نجاحهم في الوصول إلى الحكم في فرنسا، حيث سالت الدماء أنهارا على المقاصل، وكان شعار الثورة الفرنسية: اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس!
هذا التاريخ لا يمكن نسيانه بسهولة.. وبسببه هناك فوبيا (خوف مَرَضيّ) في الأوساط العلمية الغربية من أن الاعتراف بانهيار نظرية داروين، والتصديق على نظرية التصميم الذكي، سيعني بالضرورة عودة الكنيسة للسيطرة على الوسط العلمي والسياسي والاجتماعي في الغرب، لتعود العصور الوسطى ومحاكم التفتيش من جديد!
هذا يحيلنا مرة أخرى إلى اتهام نظرية التصميم الذكي بأنها نظرية دينية وليست علمية.. فرغم أن نظرية التصميم الذكي لا تتطرق إلى أي تفاصيل دينية، إلا أن هذا لم يرحمها من الاتهام بأنها نظرية دينية، وأن الكنيسة هي من يقف وراءها.. لكني أرى أن هذا من قبيل الحرب الدعائية والتشويه المتعمد.. فالحقيقة أن داروين نفسه بعد أن فشل في دراسة الطب (!!) درس اللاهوت، وهو مدفون حاليا في إحدى الكنائس!!
ومندل الذي وضع علم الوراثة كان راهبا!
وكثير من العلماء الذين أضافوا إلى الفيزياء والرياضيات كانوا متدينين مسيحيين أو يهودا، ومن قبلهم المسلمون الذين وضعوا كل أسس العلوم العصرية الحديثة!
لهذا، فمحاولة نسبة أي نظرية علمية إلى اعتقاد صاحبها أمر غير علمي أصلا.. كما أن الوصول إلى ماهية المصمم من خلال الفيزياء والرياضيات أمر غير وارد، فهذه مهمة الوحي والأديان.. فما هو الدين الذي يجب أن تتبناه النظرية؟.. هذا سيدخلها في جدل ديني ليس من اختصاص العلماء، لذا فهي تنأى عنه.. وهذا يترك لكل منا حرية الإيمان بالمصمم الذكي كما تخبره عقيدته.. بالنسبة لنا ـ نحن المسلمين ـ فنحن نؤمن بأن الله سبحانه هو بديع السماوات والأرض وخالق كل شيء، وهو المهندس الأعظم الذي أبدع كل هذه التصميمات الرائعة في الجماد والأحياء.. سبحانه وتعالى عما يشركون.. وهذا يعني أن اقتناعنا بمقدمات نظرية التصميم الذكي، لا يعني بالضرورة أننا نؤمن بنظرية الخلق المسيحية، فشتان بين هذا وذاك.

الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

الغـــافـــلة!

الغـــافـــلة!

في لهفةِ الشوقِ بينَ جفونيَ حينَ أراكِ.. ألم تلمحيها؟
وفي رعشةِ النبضِ بين ضلوعيَ إن كنتِ قربي.. ألم تشعريها؟
وفي كلِّ همسةِ عشقٍ، تناهتْ إلى الصمتِ في شفتيَّ مَهابةَ عينيكِ.. لم تسمعيها؟
وفي نشوةٍ الحُلمِ حينَ يُخدّرني دفءُ صوتِكِ.. لم تعرفيها؟
وفي كلِّ تنهيدةٍ في الليالي، تسامت للقياكِ والروحُ فيها؟
وفي كلِّ شعرٍ جميلٍ نَدِيٍّ، رسمتُكِ فيه وغنيتُ باسمِكِ.. لمّا تعيها؟
وفي غيرةِ الغيظِ تُحرقُ قلبي، إذا مسَّ شِعرُكِ آذانَ غيري.. ألم تصطليها؟
فإن كنتِ أغفلتِ أن تدركيها
فأرجوكِ لا تسألي وَدعيها
وإن كنتِ خائفة فلتخافي، أنا عازمٌ نَيلَ مَنْ أشتهيها!
وإن كنتِ عاشقةً فلتبوحي، وإن كنتِ حائرةً فاحضِنيها:
  فتاتي أحــبُّـــكِ..
                                    لا تَنهريها
فقولي: "أحبُّكَ"، لا تكتميها
رجوتُكِ قولي ولا تُنكريها

محمد حمدي غانم
24/11/2010



ويفوز باللذات كل مغامر.. إن عاش!

ويفوز باللذات كل مغامر.. إن عاش!

عندما كنت طفلا صغيرا، كنت أفعل أشياء، مجرد تذكرها الآن يكاد يخلع قلبي من الهلع!
على سبيل المثال، كنت في المرحلة الابتدائية أسير فوق الأسوار الحجرية المرتفعة، وكنت أعدو فوق ماسورة متوسطة السُمك تمتد فوق الترعة وهي ممتلئة بالمياه.. وفي مراهقتي كنت أقطع بالدراجة أحيانا أكثر من 25 كيلومترا لأصل إلى مدينة رأس البر نهارا أو ليلا، على طرق أسفلتية خطرة تضج بالسيارات!
حينما أتذكر مثل تلك التصرفات أحمد الله أنه سلّم، وأعرف يقينا أنني لا يمكن أن أكرر أي شيء منها بعدها أبدا.
لكن هذا يجعلني أتساءل: هل يزداد المرء عقلا كلما تقدم في العمر، أم أن هذا هو التعبير المهذب للجبن؟
وهل كنت سأصير إنسانا أفضل بدون هذه التجارب؟
أعرف أن مثل هذه المخاطرات غير الضرورية قد تهلك الإنسان أو تصيبه بعاهة، لكنها أيضا تربي فيه نوعا من الجرأة والخبرة المكتسبة بالتجربة.. ولو حذفنا هذا الجزء من شخصية كل طفل ومراهق، فلن نحصل إلا على إمعة متبلد جبان غير قادر على اتخاذ أي قرار!
لكن.. هل تستطيع فعلا أن تسمح لابنك بفعل هذه الأشياء؟.. طبعا لم أكن أخبر أبي وأمي بكل هذه المغامرات المجنونة، لأنهما لم يكونا ليسمحا بها قط.. والآن صرت أقدّر تماما الرعب الدائم الذي يعيش فيه الأهل كلما غادر ابنهم المنزل، فلا ريب أن لديهم فكرة عما يمكن أن يفعله بعيدا عن نواظرهم!
***
في الحقيقة، ورغم كل (الحكمة) التي اكتسبتها مع تقدم العمر، ما زالت بقايا ذلك الجزء المغامر مترسبة في شخصيتي.
ربما لم تعد المغامرة تتعلق بالمخاطرة بالنفس، لكن غريزة المخاطرة ما زالت موجودة.. ولعل أكبر مغامرة خضتها وأخوضها الآن، هي القرار الذي اتخذته منذ ثلاث سنوات بالتفرغ للكتابة في مجال البرمجة، وترك مهنة البرمجة نفسها.. فحينما فعلت هذا، لم أكن أعرف إلام ستفضي التجربة.. وإلى الآن، ما زال واضحا أن العمل في البرمجة يحقق دخلا أعلى، ونسبة المخاطرة فيه أقل، لكني مصرّ على مواصلة التجربة بإذن الله.. ولو فشلت هذه المغامرة في النهاية واضطررت إلى التوقف والعودة إلى المسار التقليدي، فعلى الأقل سأكون قد فعلت شيئا كنت أريده، وتركت للناس علما ينتفع به.. هذا أفضل من أن أظل أسأل نفسي إلى أن أموت: ماذا كان سيحدث لو كنت خاطرت وتفرغت للكتابة؟
***
ولعله صدق من قال: "ويفوز باللذات كل مغامر".
فعلى المستوى الفردي، بدون المغامرة، سيظل في داخل كل إنسان شيء عاش يتمنى تجربته، ولم يجرؤ على هذا.
بالنسبة لي، تشعرني تلك المخاطرات الطفولية بأنني عشت طفولتي كاملة واستمتعت بكل تفاصيلها.. لعل هذا ما جعل من السهل علي بعد ذلك أن أعتكف في صومعة القراءة والكتابة في أخصب فترات شبابي، لأن حاجتي إلى المعرفة والإبداع، كانت أكثر من حاجتي إلى انطلاق الشباب وجموحه ومغامراته، فكان جموحي أدبا وفكرا لا تصرفات طائشة!
وعلى المستوى الإنساني، بدون المخاطرة لم تكن الدنيا لتتغير، ولم تكن الحضارات لتتطور، ولم تكن الاختراعات والاكتشافات لتظهر، ولا خرائط البحار والمحيطات والأنهار لترسم، ولم يكن الإنسان ليهبط على القمر!
لكنه سيكون من الأذكى أن تكون مغامراتنا محسوبة، وأن نخطط كيف سنتصرف إن أدت إلى أسوأ النتائج، ولا داعي بالطبع للمخاطرة الطفولية والمراهقة بالنفس بلا هدف، فمن الأفضل دائما أن تمنح نفسك فرصة أخرى لمغامرة تالية.
***
ذكروني أن أحدثكم يوما عن المغامرة الوحيدة التي لم أجرؤ بعد على خوضها: الزواج J .. فأحيانا أشعر أن الذين يتزوجون هم فرسان من عالم الأساطير يستحق كل منهم وضع تمثال له في ميدان عام.. أو أن إقدامهم على الزواج كان من نفس عينة المخاطرات غير المحسوبة التي تحدثنا عنها في بداية هذا المقال، والتي لا يعرفون الآن كيف ولماذا تورطوا فيها J .
ربما لهذا أنا من أشد أنصار الزواج المبكر للجنسين.. فكلما تقدم المرء في السن، اكتسب (الحكمة) التي تجعل الزواج بالنسبة له مخاطرة تحتاج إلى حسابات معقدة للغاية، خاصة مع كل المشاكل التي يرصدها في حياة المتزوجين أو المطلقين من حوله!
ما أدركه الآن يقينا، أن التفكير في أي أمر أكثر من اللازم يعقده، وأن من الجميل حقا فعل كل شيء في حينه، مصحوبا بحماسه وبهجته، بدلا من تأجيله ليصير مجرد معادلة تزداد تعقيدا كل يوم، إلى أن تصل إلى درجة يستحيل معها حلها!
ألم لكم إنه قد صدق من قال:
ويفوز باللذات كل مغامر؟!
المهم ألا يندم كل مغامر على نتيجة مغامرته أيا كانت.. فمن يملك شجاعة القرار، يجب ألا يندم على نتائج الاختيار.
***
محمد حمدي غانم
24/11/2010

الاثنين، 22 نوفمبر 2010

16- التدخل البشري في برمجة أول صبغ وراثي صناعي

أبدع حاسب وأبدع نظام تشغيل
16- التدخل البشري في برمجة أول صبغ وراثي صناعي

أعلن علماء أمريكيون يوم 20 مايو 2010 أنهم أنتجوا أول صبغ صناعي، وأنهم نجحوا بالفعل في جعله يتكاثر لإنتاج خلية حية جديدة!
ما حدث، هو أن هؤلاء العلماء أخذوا نظام التشغيل الإلهي DNA من إحدى أنواع البكتريا الصغيرة، ووضعوه على الحاسوب، وصنفوا الجينات الموجودة عليه، ثم تلاعبوا بترتيب بعضها لإنتاج شفرة وراثة مختلفة بعض الشيء، ونقلوا هذه الشفرة إلى بكتريا حية بعد تفريغ نواتها من الحمض النووي الأصلي الخاص بها.. وبعد تجارب ومحاولات مضنية بدأت هذه البكتريا في التكاثر لإنتاج هذا الكائن الذي غيروا جزءا من تركيبه الوراثي.
هذه العملية تؤكد عدة أمور:
1- لا دور لأي صدفة أو عشوائية هنا.. لقد بدأت التجربة بحمض نووي معروف، قام بدراسته وتحليله علماء أفنوا عمرهم في قراءة خريطة الجينوم تحت قيادة رائد الخرائط الجينية البشرية كريغ فنتر، واستخدموا الحاسوب في عملهم، للوصول إلى ترتيب منطقي للجينات في نطاق فهمهم.. هذا يؤكد أن أي تغيير في الحمض النووي يجب أن يكون وراءه عقل واعٍ وتقنية متقدمة وسنوات من البحث، وتجريب طويل مدروس للتعلم من الأخطاء وتلافيها.. كل هذا لا يمكن أن يتوافر لأي صدفة عمياء!
2- لم ينتج الإنسان خلية حية، لكنه نجح في إنتاج أول صبغ (كروموزوم) شبه صناعي، واستخدم الخلايا الحية في ترجمة شفرته للحصول على نوع شبه جديد.. هذا يؤكد لنا من جديد أن الحياة لا تنشأ إلا من الحياة، فالإنسان ما زال عاجزا حتى اليوم عن صناعة بروتين واحد ميت بدون الاستعانة بالخلية الحية.
3- يصف فنتر ما حدث، بأننا حصلنا على كائن حي جديد والده الكمبيوتر.. في الحقيقة هناك تساؤلات كثيرة عن السمات المميزة لهذا الكائن الذي حصلوا عليه، والتي تجعله يختلف عن 9 مليون نوع من المخلوقات التي يقدر وجودها على ظهر الأرض.. هل الاختلاف محدود عن النوع الأصلي الذي تم التلاعب به، مما يجعل النوع الناتج مجرد فرع منه كما يحدث في التغيرات الوراثية؟.. هل النوع الجديد يشبه أيا من الأنواع المعروفة الموجودة؟.. أم أن هذا النوع جديد فعلا ومميز؟.. وما هي قدراته الجديدة؟. هل هو ضار بالنبات أو الحيوان أو الإنسان؟.. هل سيلتهم اللحم أو البلاستيك أو الحديد؟.. هذه مخاوف مرعبة تركها لنا كتاب الخيال العلمي كتحذير في رواياتهم عبر نصف القرن الماضي، وللأسف يبدو أن أحدا لا يستمع إلى هذه التحذيرات.. إن محاولات فنتر ومن معه لإنتاج الأمصال أو الوقود الحيوي بهذه الطريقة قد تنتج الفيروس الذي يقضي على البشرية أو يدمر الحضارة، لأن فهمنا لخريطة الجينوم ما زال ناقصا ومحدودا حتى اليوم!
4- كما أكدنا في أول هذا الموضوع: الإنسان يتعلم من خطة الخلق التي أبدعها الله سبحانه وتعالى في مخلوقاته وبرمجها على أنظمة تشغيلها الوراثية.. إن أول مهندس وراثي موجود على ظهر الأرض منذ مليارات السنين، هو الفيروس، الذي يحقن مادته الوراثية في الخلايا التي يصيبها ليجعلها تعيد إنتاجه، فهذه هي الوسيلة الوحيدة التي يتكاثر بها.. ولقد اقتبس الإنسان هذه التقنية في عملية الاستنساخ، واقتبسها اليوم مرة أخرى لهندسة صبغيات وراثية وحقنها في البكتريا لجعلها تنتج كائنات أخرى.. يمكننا أن نقول اليوم بفخر: إن علم الإنسان تطور أخيرا إلى أن نجح في تقليد الفيروسات J.. وكما قلت سابقا: إن كل علماء الأرض أعجز من أن يكتبوا الشفرة الوراثية التي تحرك جناح بعوضة، وكل ما يعملون في نطاقه إلى الآن، هو التلاعب بشفرات موجودة فعلا ولمخلوقات حية مجهرية.. بالمناسبة: لا أحب تسمية البكتريا بالمخلوقات البدائية، فهي لا تقل إبداعا عن المخلوقات الأخرى.. بل إن الإنسان في مسرته التقنية يبدأ بالأضخم (كالحواسيب العملاقة) ثم يطوره إلى أن يصير أصغر (كالحواسيب الكفية المحمولة، وإرهاصات تقنية النانو).. في الحقيقة، وجود خلية واحدة تقوم بكل العمليات الحيوية التي تقوم بها باقي المخلوقات التي تتركب من تريليونات الخلايا، وتستطيع أن تحافظ على بقاء سلالتها إلى اليوم، هو إبداع يثير الذهول.. لكن أدعياء نظرية التطور يجب أن يحقروا من شأن هذه المخلوقات البديعة، لكي يوهمونا بخرافتهم  عن التطور المزعوم!

الأحد، 21 نوفمبر 2010

آبدة 8: البخيلة!

أخيرا، والثلوج تحاصرني في غابات ليلك، وحيدا خارج أسوار قلبك، التي عجزت أجمل كلماتي عن اختراق قسوة حجارتها، أدركت أني هزمت وخارت قواي، واستسلمت لوحشة الحزن وخواء الصمت.
فيا أميرة أحلى أحلامي، المتدثرة بغرورها في دفء جمالها، المستكبرة أن تتوّج على مملكتي، لم أكن أطمع منك سوى بكلمة واحدة تشعل اللهيب في قلبي من جديد، لتحررني من أسر هذا الجليد، وتريني الطريق إلى بوابة قلبك العنيد.. فلماذا بَخِلْتِ عليّ بها؟
محمد حمدي غانم
21/11/2010

السبت، 20 نوفمبر 2010

أمنيـــات

أمنيـــات

لو أشطرُ عمري شطرينْ .. لمنحتُكِ شطر الأفراحْ
لو أشطرُ فرحي شطرينْ.. لمنحتكِ زهرا بصباحْ
لو أشطرُ زهري شطرينْ.. لمنحتكِ عطرا فواحْ
لو أني طيرٌ مشتاقٌ في ليل النجوى سواحْ
لمنحتكِ شدوي وشرودي ومنحتكِ ريشا وجَناحْ
لو أني أُفق وبحارٌ لجعلتكِ نَجما ورياحْ
لو أني ضوء رحّالٌ لأتيتُ لعينِكِ أرتاحْ
لو أني شوكٌ ونِصالٌ لَحميتُكِ من كلِّ جِراحْ
وحميتُكِ من عنفِ فتوني فالحبُّ بقلبي مُجتاحْ
محمد حمدي غانم، 1995





الخميس، 18 نوفمبر 2010

15- من نحن؟

أبدع حاسب وأبدع نظام تشغيل
15- من نحن؟

ما دمنا وصلنا بتأملاتنا إلى هذا المستوى، فعلينا أن نفكّر في سؤال لا بدّ أنّه جال بأذهان الكثيرين:
كيف سيحاسبنا الله سبحانه يوم القيامة، بعد أن تكون أجسادنا قد دخلت في تكوين أعداد لا حصر لها من النباتات والحيوانات والبشر والكائنات الدقيقة؟.. ومن نحن أساسا إذا كانت أجسامنا مكونة من بقايا أجسام مخلوقات أخرى؟
هنا دعنا ننظر للإنسان على نطاقين: نطاق الجسد، ونطاق الروح.
طبعا نحن لا نعلم كُنه الروح، ولكننا نعلم أنّها الشيء الوحيد الذي يفرّق بين جسد حيّ وميت.. هذه الروح متفرّدة ولا تُستخدم في هذه الحياة إلا مرّة واحدة من قبل مخلوق واحد، حيث لن تعود إليه مرّة أخرى إلا يوم البعث.. وهذا يجعلنا لا نقلق بخصوص أي التباس، فما يجعل كلا منا مميزا هو روحه.. لا جسده.
لكن.. هذه الإجابة لن ترضي الماديين، فهم أصلا لا يؤمنون بوجود الروح.. لهذا لن نخيّب رجاءهم، وسنخاطبهم بمفاهيمهم المادية.. لقد تكلّمنا عن الروح، وسنتكلّم الآن عن الجسد، الشيء الوحيد الذي يؤمنون به وهو فاني!
وعند حديثنا عن الجسد، يجب أن نميّز بين شيئين جوهريين: البنية المادّية للجسد، والبنية المعلوماتية له.
ولو نظرنا للبنية المادية، فسنجد هذه الحقيقة المدهشة: يقدر العلماء عدد الخلايا التي تموت في جسم الإنسان في كلّ ثانية بمليون خلية.. طبعا هذا عدد ضئيل بالنسبة لعدد خلايا جسم الإنسان، الذي يقع ما بين 60 تريليون إلى 100 تريليون خلية، علما بأنّ التريليون هو مليون مليون.. وهذا يعني أنّك تتبدّل كلّية تقريبا كلّ ثلاث سنوات.. ولا يبقى ثابتا فيك غير الخلايا العصبية، فهي لا تتبدّل، وما يموت منها لا يُعوّض (هناك بحوث حديثة تقول إن هناك آلية صيانة في المخّ، لكن يبدو أن موت وتجدد الخلايا العصبية وإعادة تلاحمها ليست بنفس سرعة موت وتجدد وتلاحم الخلايا العادية، لهذا تبدو بالنسبة للخلايا الأخرى كأنها لا تموت).
يذكرنا هذا بمقولة: "إنّك لا تنزل النهر نفسه مرتين".. ليس فقط لأنّ قطرات النهر تتبدّل وتتجدّد باستمرار مع جريان النهر الدائب من المنبع إلى المصبّ، ولكن أيضا لأنّ خلاياك أنت نفسك تموت وتُستبدّل في كلّ ثانية بالملايين!
إذن فأجسادنا أساسا غير ثابتة ونحن أحياء، ورغم هذا نظلّ نحتفظ بشخصياتنا وكينونتنا.. حاول أن تقارن صورك القديمة بملامحك الحالية.. ستكتشف أنك تبدلت عبر سنوات عمرك عشرات المرات!
وهذا يعيدنا إلى الحديث عن الخلايا العصبية التي لا تتبدّل (تقريبا)، مما يصلح مدخلا للحديث عن البنية المعلوماتية لأجسادنا.
إنّ مما يميزنا كبشر، ذاكرتنا التي تحوي أفعالنا وخبراتنا وسجلات مشاعرنا وأحلامنا.. ومن الثابت علميا أنّ كلّ شعور وفكرة وصورة وصوت ورائحة وطعم يدركها الإنسان، تختزن في ذاكرته حتى لو عجز عن تذكرها إراديا.. وكثيرا ما يحدث أن نتذكّر مواقفَ مضى عليها سنوات، بسبب رائحة شممناها أو صوت سمعناه أو شخص قابلناه.
لكنّ البنية المعلوماتية للإنسان، لا تتوقّف عند المعلومات التي تحويها ذاكرته.. فعقله وجسمه وكلّ التفاعلات التي تجري به، مكتوبة جميعا على الشفرة الوراثية للإنسان.. وتوجد من هذه الشفرة نسخة كاملة مكرّرة في كلّ خلية من خلايا جسم الإنسان.. وطبعا هذا التكرار الهائل يضمن أنّه مهما مات من خلاياه ـ بل ومهما بُتر من أعضائه ـ فإنّ جسده ما زال يحوي أرشيفا كاملا لتركيبه.. مكررا لملايين الملايين من المرات.
لهذا، فما الغريب في قدرة الله سبحانه على إعادة بناء أجسادنا من مواد الأرض، تبعا للشفرة الوراثية المميزة لكلّ منا، مع إعادة شحن ذاكرتنا بكلّ ما عشناه، وردّ أرواحنا إلينا لنعود إلى الحياة؟.. هل سنختلف في شيء حينها عما نحن الآن، حتى لو لم تكن الذرات التي تكوّن أجسادنا هي نفس الذرات التي تكونها الآن؟
بصيغة أخرى: هل ما يجعلنا نحن هو طين الأرض، أم الروح التي نفخت في هذا الطين، والشخصية المميزة التي تتحكم في هذا الطين؟
وهل الذي سيحاسب هو الطين، أم أنت؟
يقول سبحانه:
(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ {79}) سورة يس.
ويقول سبحانه:
(بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ {2} أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ {3} قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ {4}) سورة ق.

الاثنين، 15 نوفمبر 2010

دلالُ الـوَرد

دلالُ الـوَرد

مساءُ الوَردِ.. هلْ للوردِ إمساءُ ... وأنتِ الشمسُ والأنسامُ والماءُ؟
وأنتِ العطرُ والأحلامُ والنجوى، وأيكةُ واحةٍ في القَفْرِ فيحاءُ
قدمتُ إليكِ والأزهارَ أحملُها، وجناتٌ على خدّيكِ زَهراءُ
فغارَ الزهرُ من زهرٍ يعذّبني، كأنَّ الزهرَ في كفّيَّ أشلاءُ!
وأنَّ القلبُ من نيرانِ لهفتِه، وليتَ العطرَ للملهوفِ إطفاءُ
فما للزهرِ لا يبغي يُكلمني، وهذا النبقُ في شفتيكِ غنّاءُ؟
وعِقدُ الفلِّ فوقَ الصدرِ مُختالٌ، لديه من اختلاجِ القلبِ أنباءُ؟
ولستُ بقاطفٍ زهرًا فأقتلُه.. حياءُ الزهرِ في نجواه إحياءُ



مساءُ الوردِ، ما لِلشوكِ يُدميني؟.. وأنتِ رقيقةٌ خَجلَى؟.. أغيثيني
إذا أخفَى حَيَا شفتيكِ بسمتَها وغاضَ العطرُ في ثَغرِ الرياحينِ
وهذا السوسنُ الوَسْنانُ في تَرَفٍ على الأجفانِ أغضى لا يناجيني
وجُوريُّ الأناملِ أطبقَ الأوراقَ عن كفِّي وأقسمَ ليسَ يُشذيني
فهل لي من نَدى عينينكِ لؤلؤةٌ تُعلّلُني، وفي همّي تُواسيني؟
إذا ما كنتِ عازمةً على قتلي فقولي الآنَ إنكِ لن تُحبيني
فَيَا حُورِيّةً حسناءَ قاتلةً: أكانَ الوردُ مِصيدةً لِتُرديني؟
وبعضُ الوردِ قناصٌ فرائسَه، وبعضُ الناسِ مخدوعٌ إلى حينِ!


مساءُ الوردِ، أنَّى يظمأُ الوَردُ؟.. وأنتِ الغيثُ واليَنبوعُ والوِردُ؟
عَتَبتُ عليكِ ـ آهٍ يا مُعذّبتي ـ عتابَ الصَّبِّ أَصْـلَى قلبَه الوَجْدُ
إذا أغفى الوَرَى أضنى الجَوَى جَفني.. يُمنّيني اللِّقا وتَبَاعدَ الردُّ
وفي أنفي عطورُ الوردِ تَفتـنُني، فلا أدنو ولا أَسْطِيعُ أرتدُّ
ونورُ الياسَمِينِ على جبينكِ لم يُبيّنْ لي طريقَ الوَصْلِ أو يَحْدُ
وأشكو للنسيمِ هواكِ أغنيةً، كما الكروانِ هاجَ حنينُه يشـدو
تُصبّرني على اللَأْواءِ في عشقي جسورٌ من نسيجِ الوهمِ تمتدُّ
مساءُ الوردِ، هل للوردِ من ردًّ يُغيثُ القلبَ، فالأشواقُ تَشتدُّ؟


 
محمد حمدي غانم
21/7/2010

الأحد، 14 نوفمبر 2010

14- نحن نأكل البشر

أبدع حاسب وأبدع نظام تشغيل
14- نحن نأكل البشر

هناك تأمل آخر في هذا السياق، حول دورة المادة والطاقة في الكون.
هل فكّرت مرّة من قبل، في أنّ الطعام الذي تأكله قد أكله من قبلك آلاف البشر؟.. هذا إن لم يكن ما تأكله هو هؤلاء البشر أنفسهم!!
حسنا.. دعنا نوضّح الأمر:
أنت تعرف أنّ المعدة تقوم بهضم الغذاء، الذي يتوّجه بعد ذلك إلى الأمعاء الدقيقة.. هناك يتمّ امتصاص الغذاء ليحمله الدم إلى خلايا الجسم، وما يتبقى من فضلات صُلبة يتجه إلى المستقيم، ليتمّ التخلّص منه خارج الجسم.
لكن ماذا يحدث لباقي الغذاء بعد أن يحمله الدم؟
يُسلّم الدم الغذاء للخلايا، ومعه الأكسجين الذي أخذه من الرئتين.. وتقوم الخلايا ببعض التفاعلات الكيميائيّة لحرق الغذاء عن طريق الأكسجين.. وينتج من هذه العملية الطاقة اللازمة لتحريك عضلات الجسم وأداء وظائفه المختلفة.. لاحظ أن هذه الحرارة هي التي تجعل درجة حرارة جسم الإنسان في الأحوال العادية 37 درجة مئوية.
وينتج عن حرق الغذاء أيضا ثاني أكسيد الكربون، الذي يحمله الدم في عودته مرّة أخرى إلى الرئتين ليخرج عبر عملية الزفير.
والمواد الضارّة الأخرى الناتجة عن عمليات الخلايا، ترشّحها الكليتان من الدم وتخرج مع البول.. وتخرج بعض المواد الأخرى كالأملاح مع العرق.
وطبعا لا تحرق الخلايا كلّ الغذاء، فهي تستخدم البروتينات والأحماض الأمينية المختلفة لبناء خلايا الجسم، وما زاد عن حاجة الجسم يتم تخزينه في صورة دهون.
والآن، دعنا نلخص الأمر.. هذا ما يحدث لمكونات الطعام الذي أكلناه:
-   تخرج الفضلات في صورة براز وبول وعرق وزفير.
-   تنتقل حرارة الجسم إلى الهواء المحيط، ويُسهم العرق في تسريع هذه العملية.. وقد تساهم هذه الحرارة الناتجة من جسمك ـ مع مصادر حرارية أخرى ـ في تبخير المياه وتشكيل الرياح وهطول المطر، وربما تكون قطرات عرقك التي بخّرتها حرارة جسمك بعض قطرات هذا المطر!.. وتمتص التربة هذا المطر، لتذوب فيه أملاحها.
-   تدخل المواد الباقية من الطعام في بناء الجسم البشري.. وهي تعود إلى التربة مرّة أخرى مع موت الإنسان وتَحلّله.
إذن، فكلّ الطعام الذي أكلناه، سيعود إلى الطبيعة مرّة أخرى، طال الأمد أم قصر.
وهكذا تستردّ الطبيعة طعامها مرّة أخرى، حيث تقوم الكائنات الدقيقة بتحليل الفضلات وأجساد الموتى، لتعود إلى التربة من جديد في صورة أملاح وعناصر أولية، حيث يقوم النبات بامتصاصها من جديد، ويمتص ثاني أكسيد الكربون من الهواء ـ ربما تكون أنت قد زفرته للتوّ ـ ليدخل كلّ هذا مع ضوء الشمس واليخضور (الكلوروفيل) في بناء الكربوهيدرات، التي ستدخل في تكوين ساق النبات وأوراقه وثماره، التي سيأكلها حيوان أو إنسان.. ولو أكلها حيوان فقد يأكله إنسان، أو حيوان آخر، حيث سيموتون جميعا في النهاية وتستمرّ الدورة!
نعم.. أجسادنا التي يبنيها طعامنا، هي خليط من كلّ الفضلات وجثث الحيوانات والبشر، تمّ إعادة تدويرها في نظام بديع، لتستمرّ دورة الطاقة والمادة في الحياة.
تفهم الآن معنى قانون بقاء المادّة، فهي لا تفنى ولا تستحدث من عدم، ولكنّها تتحوّل من صورة إلى أخرى.
وهذا ينطبق أيضا على الطاقة، فهي لا تفنى ولا تستحدث من عدم، ولكنّها تتحوّل من صورة إلى أخرى، كتحوّل الحرارة إلى حركة عندما تبخّر الماء نتيجة تسارع حركة جزيئاته، وتحوّل الحركة إلى كهرباء حينما يدير البخار الدينامو، وتحوّل الكهرباء إلى ضوء وحرارة في المصباح الكهربي وهكذا....
ويمكن للمادّة أن تتحوّل إلى طاقة، عند حرق الخشب والفحم مثلا.. وتصل هذه الطاقة إلى ذروتها في التفاعلات النووية، حيث إنّ الطاقة الحرارية الناتجة عن تحول جرام واحد من المادة المشعة تعادل الطاقة الحرارية الناتجة عن احتراق 20 مليون طن من الفحم!
وأيضا يمكن أن تتحوّل الطاقة إلى مادّة.. وتتكلّم نظرية الكمّ عن تحوّل فوتونات الضوء إلى جسيمات ذرية، لكنّها سرعان ما تتصادم وتتحوّل إلى ضوء مجددا.. دعنا لا ندخل في هذا التعقيد هنا، ودعنا نعتبر ما يحدث في أوراق النبات مثالا بسيطا مقبولا، ففيها تتحوّل طاقة الشمس إلى روابط كيميائيّة مختزنة في المواد الغذائية التي يصنعها النبات، ولهذا فإنّ النبات هو مصدر كلّ الخشب والفحم والبترول على الأرض، ومصدر الطاقة التي تعمل بها خلايا الحيوان والإنسان.

الجمعة، 12 نوفمبر 2010

آخــر لحظــات أمنيـة

آخــرُ لحظــاتِ أمنيـة

شَحَبَ المَدَى، لَهِثَ الطريقُ، تقطّعتْ أنفاسُ هذي الأغْنِيَةْ
فاستأصلي يدَكِ الدفيئةَ من يدي، فُكّي وثاقَ الأمنيةْ
لا تصمتي.. غّني، اصرخي، ضجّي، اضحكي.. فاليومَ آخرُ أمسيةْ
لا.. لم تُصِبْني جِنّةٌ.. وأنا أنا.. والنفسُ تلك رُفاتِيَه
ماذا دهاني؟.. ما دهاني الآنَ شيءٌ.. قد نزعتُ إهابيَه
كلُّ الذي يبدو عليَّ حقيقتي.. لكنَّ عينَك واهيةْ
هيّا أزيحي وجهِكِ المبتلَّ عن صدري، فإني طاغيةْ
لا تُحرقي عينيكِ في عينيَّ.. لا تدني.. طُيوفُكِ نائيةْ
دربٌ يشقُّ الروحَ يفصلُ بينَنا، وأنا أضعتُ رحاليَه
لا.. لن أقولَ حبيبتي.. كِذْبٌ.. هراءٌ.. وانتهى في عمقيَه
إني زهدتُكِ واسترحتُ، الآنَ بِتُّ أرى النساءَ سواسيةْ
هيا ابعُدي عني.. كرهتُ قيودَكِ الملساءَ، أمقتُ حُبِّيَه
لا لم أقل حبي.. مضى حبي.. دعي الأوهامَ إنّكِ فانيةْ
صُبّي عليَّ جَفاكِ، إني خائنٌ، لم ترفقينَ بظلميَه؟
ماذا دهاني؟.. تسألينَ وتسألينَ، وتحلمينَ بناهيةْ
إذن انتهتْ أحلامُنا، وتغادرُ الفئرانُ بردَ حُطاميَه
رأسي اصمتي.. إني أجنُّ.. ألا تَرَيْنَ النارَ في أعماقيَه؟
حسنا.. أحبُّكِ.. إنّما ما آخرُ الترحالِ في أحلاميَه؟
نبعُ الصفا؟.. كأسُ الغرامِ؟.. بيوتُ شعرٍ لاهيةْ؟
نشدو معا؟.. ماذا ترى في عُشِّ عُصفورينِ ريحٌ عاتيةْ؟
هيّا أفيقي، وانبذي الأحلامَ، عيشي، إنّ عمرَكِ ثانيةْ
قومي اخلعي أسمالِ شِعري، واحرقي كلَّ السنينَ الماضيةْ
لا تطلبي أفيونَ حبّي من جديدٍ، فالنهايةُ مُزريةْ
وَلْتَبحثي بينَ الثَرَى عن خَاتمينِ و(فيلّتينِ) وضاحيةْ
سيارةٍ تطوي مدىَ الفقرِ الكئيبِ لأمنياتٍ زاهيةْ
آهٍ.. نسيتُكِ: تشترينَ سَنا النجومِ بأن تسيري حافيةْ!
لن تَسكني بيتا من الشِّعرِ الجميلِ ولن تُقيتَكِ أمنيةْ
لن تغنمي من فارسِ الأحلامِ إلا أن تصيري أُضحيةْ
ذا فارسُ الأوهامِ: لا فَرَسٌ لديه ولا سيوفٌ ماضيةْ
كهلَ الأماني، ساعلَ العينينِ، مرتعدَ النُّهى، مُتردِّيَهْ
هيّا ابعدي عن جثتي.. إن انهياراتِ المعاني مُعديةْ
لا تذرِفي دمعا يُحرّقُ مهجتي.. يكفي الفِراقُ وما بيَه
لا تجلبُ الدمعاتُ غيرَ مرارتي من ذكرياتٍ ماضيةْ
إنّي ـ إذا أشفقتُ أن تتحطمي بعدي ـ رضيتُك تسليةْ
فتحطمي حينا.. تجفُّ دموعُنا يوما وتنبتُ أمنيةْ
أوَتحسبينَ؟.. بلى.. يضيرُ غيابُنا في كوكباتٍ نائيةْ
نصحو كأهلِ الكهفِ لا دنيا لنا.. نُضحي شموعا خابيةْ
فالحبُّ كالإدمانِ، لا يُشفى إذا طالت (ليااااالي) الأغنيةْ
فتحطمي توّا، ليُنبِتَ حلمُكِ المكسورُ رُوحا ثانيةْ
صعبٌ غروبُ عيونِنا.. أدري، وأنتظرُ الليالي القاسيةْ
صعبٌ ولكنّي سأحيا، مثلما تحيا الثواني الباقيةْ
فاحْيَيْ معي.. لا.. لا (معي).. فاحْيَيْ فقط.. فِرّي بنفسِكِ ناجيةْ
شَحَبَ المَدَى، لَهِثَ الطريقُ، تقطعتْ أنفاسُ تلكِ الأغنيةْ
فاستأصلي يدَكِ الدفيئةَ من يدي، واري رفاتَ الأمنيةْ
هيا اذهبي.. لا تذكريني مطلقا.. قد ماتَ وقتُ الأمسيةْ
محمد حمدي غانم، 1997

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

13- البحث عن الضلال

أبدع حاسب وأبدع نظام تشغيل
13- البحث عن الضلال

تعرفون كيف يبدو هؤلاء المستكبرون عن الاعتراف بإعجاز الله الظاهر في خلقه؟.. إنّهم كمن ربطوا أعينهم كي لا يرَوا الضوء، ثمّ راحوا يُقسمون بأغلظ الأيمان إنّ العالم مظلم ولا ضوء فيه!
انظروا كيف يطلب عالم التطور الشهير (ريتشارد داوكينز)، من الناس "ألا يتسرعوا بالاستنتاج بأنهم قد شاهدوا معجزة، حتى لو شاهدوا تمثالاً يلوِّح لهم بيده.. ربما تصادف أن كل الذرات في ذراع التمثال قد تحركت في نفس الاتجاه في آن واحد.. إنه احتمال ضعيف بالطبع، ولكنه ممكن"!
طبعا هذا ليس فلتة.. وانظروا معي لبعض نماذجهم.. أنقلها من كتاب (هارون يحيى) الرائع "خديعة التطوّر"[1]:
-  يقول أستاذ علم الوراثة الشهير في جامعة هارفارد (ريتشارد ليونتن)، وهو من المجاهرين بآرائهم لصالح نظرية التطور:
"ليس الأمر أن الوسائل أو القوانين العلمية تجبرنا بشكل ما على قبول التفسير المادي للعالَم المدرَك بالحواس، ولكن على العكس، فنحن مدفوعون ـ بتمسكنا البديهي بالأسباب المادية ـ إلى خلق أداة للبحث ومجموعة من المفاهيم تُنتِج تفسيرات مادية، مهما كانت مخالفة للبديهة وغامضة لغير المطَّلع.. وفوق ذلك فإن المادية مطلقة، ولهذا فلا يمكننا السماح لتفسير إلهي بأن يأخذ مكانه على الساحة".
-  ويشرح روبرت شابيرو ـ أستاذ الكيمياء في جامعة نيويورك، الخبير في خبايا الحمض النووي DNA ـ اعتقادات أنصار نظرية التطور وإيمانهم بالماديات الكامن خلف هذه الاعتقادات بقوله:
"يجب التوصل إلى مبدأ تطوريّ يستطيع أن يوصلنا من مرحلة خليط المواد الكيميائية البسيطة التي نتكون منها، إلى أول جهاز أو عضو له خاصية وصفة القدرة على الإعادة والتكرار Replicator ( مثل DNA أو RNA).. ويمكن إطلاق اسم التطور الكيميائي أو تنظيم المادة لنفسها ذاتيا على هذا المبدأ.. ولكن لم يتم حتى الآن تعريف هذا المبدأ بشكل دقيق وتفصيلي، بل لم تتم البرهنة على وجوده أصلا حتى الآن.. ويتم الإيمان بوجود هذا المبدأ كنتيجة للإيمان بالمادية الديالكتيكية"
-  ويُعد عالم الأحياء الألماني (هومر فون ديثفورت) ـ وهو أحد دعاة التطور المشهورين ـ مثالاً جيداً لهذا الفكر المادي المتعصب.. فبعد أن قدّم (ديثفورت) مثالاً على التركيب المعقد للغاية في الكائنات الحية، يواصل الحديث فيقول:
"هل من الممكن فعلاً أن يكون مثل هذا التناغم والتوافق وليد الصدفة وحدها؟.. هذا هو السؤال الرئيسي في قضية تطور الأحياء.. إن الإجابة عن هذا السؤال بـنعم هي بمثابة تأكيد للإيمان بالعلوم الطبيعية الحديثة.. فمن الوجهة النقدية، يمكننا القول إن مَن يقبل العلوم الطبيعية الحديثة ليس لديه خيار آخر سوى أن يقول نعم، لأنه يهدف إلى تفسير الظواهر الطبيعية بطرق مفهومة ويحاول استنتاجها من قوانين الطبيعة، دون الاعتماد على تدخل أمور ميتافيزيقية.. ومع هذا، وعند هذه النقطة، فإن تفسير كل شيء بواسطة قوانين الطبيعة (أي بواسطة المصادفات) هو علامة عجزه عن اللجوء إلى شيء آخر، فماذا عساه يفعل سوى الإيمان بالمصادفات؟"
-       ويقول العالم التركي (علي دميرصوي):
"الحقيقة أن احتمال تكوُّن سلسلة Cytochrome-c بالصدفة هو احتمال ضعيف جداً يكاد يكون صفراً، أي أنه إذا تطلبت الحياة سلسلة معينة فيمكن القول إن احتمال تكوّن هذه السلسلة هو مرة واحدة في حياة الكون، وإلا فلا بد أن تكون قُوى ميتافيزيقية تفوق إدراكنا قد تدخلت في الأمر.. وقَبول هذا الفرض الأخير لا يناسب الأهداف العلمية.. إذن لا بد لنا من النظر إلى الفرص الأول!"
-       ويقول (دميرصوي) أيضا:
"إن لب المشكلة هو كيفية حصول الميتوكوندريا على هذه الخاصية، لأن الحصول عليها بالصدفة، حتى بواسطة فرد واحد، يحتاج إلى اجتماع احتمالات لا يستطيع العقل تصورها.. فالإنزيمات التي تتيح التنفس وتعمل كعوامل مساعدة للتفاعلات في كل خطوة وبأشكال مختلفة تمثل لب الآلية، فلا بد أن تشتمل الخلية على هذه السلسلة من الإنزيمات بالكامل، وإلا أصبح الأمر بلا معنى.. وهنا، فإننا لكي نتفادى اللجوء إلى تفسير أكثر تعنتاً أو إلى التكهن، فنحن مضطرون إلى أن نقبل ـ وإن كان ذلك على مضض ـ فكرة الوجود المسبق لكل إنزيمات التنفس في الخلية قبل تعرضها للمرة الأولى للأكسجين، بالرغم من كون ذلك مخالفاً للتفكير العلمي البيولوجي"
-       باختصار، يقول (غراسيه):
"الصدفة جعلت من نفسها إلهاً يُعبَد خفية تحت غطاء الإلحاد!!"
-  وهو ما يؤكده لنا عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي، الدكتور (مايكل بيهي) ـ وهو أحد الأسماء المشهورة التي تؤيد نظرية التصميم الذكي (Intelligent Design) التي لاقت مؤخراً قبولاً كبيراً في الأوساط العلمية ـ واصفا العلماء الذين يقاومون الإيمان بالتصميم أو الخلق في الكائنات الحية بقوله:
"على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشف علم الكيمياء الحيوية الحديث أسرار الخلية، وقد استلزم ذلك من عشرات الآلاف من الأشخاص تكريس أفضل سنوات حياتهم في العمل الممل داخل المختبرات.. وقد تجسدت نتيجة كل هذه الجهود المتراكمة لدراسة الخلية ودراسة الحياة عند المستوى الجزيئي في صرخة عالية واضحة حادة تقول: التصميم المبدع!.. وكانت هذه النتيجة من الوضوح والأهمية بمكان، بحيث كان من المفترض أن تصنَّف ضمن أعظم الإنجازات في تاريخ العلم.. ولكن ـ بدلاً من ذلك ـ أحاط صمت غريب ينمّ عن الارتباك بالتعقيد الصارخ للخلية!!.. ولكن لماذا لا يتوق المجتمع العلمي إلى قبول هذا الاكتشاف المذهِل؟.. لماذا يتم تكميم مفهوم التصميم المبدع بقفازات فكرية؟.. تكمن الورطة هنا في أن قبول فكرة التصميم الذكي المبدع، يؤدي حتماً إلى التسليم بوجود الله.





[1] أنصحك بزيارة موقع الكاتب هارون يحيى، فهو يقدّم عشرات المقالات والكتب والخطب الصوتية وأفلام الفيديو العلمية التي تشرح الإعجاز في خلق الحيوانات والنبات والإنسان والكون، وتنفي بمئات الأدلّة العلمية كلّ الخرافات التي ادعتها نظرية التطوّر لداروين: