أهم أقسام المدونة

الصفحات

الجمعة، 30 مارس 2012

المنافقون وأباطرة الفساد والدستور

المنافقون وأباطرة الفساد والدستور

قال تعالى:
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ {10} وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ{11}) سورة العنكبوت.
ما أشدّ ما تنطبق هذه الآيات الكريمة على من نافقوا مبارك وعصابته سعيا وراء الحظوة والثروة، ثم نصّبوا أنفسهم زعماء ثوريين بعد الثورة، وسخّروا أقلامهم وفضائياتهم لتشويه الإسلاميين الذين ضحوا بمناصبهم وأموالهم وحرياتهم بل وحيواتهم وهم يصدعون بكلمة الحق في وجه الظالم وأبالسته.
لعل هذا يوضح لكم لماذا هم مرعوبون من أن يكتب الإسلاميون الدستور الذي يحكّم شرع الله، فهذا سيقطع عليهم سبيل الارتزاق من الفواحش والرذائل التي تدر عليهم المليارات، من شواطئ العراة والمراقص والخمارات وصالات القمار وأفلام الفحش والابتذال والتفاهة، وربما أيضا تجارة المخدرات والسلاح، إضافة إلى المتاجرة بأرواح الناس بالسرقة والرشوة، وبيع الفاسد من الطعام والشراب والدواء، واحتكار التوكيلات والسلع والمغالاة في أثمانها، ونهب المال العام والاستيلاء على السلع المدعومة وحرمان الفقراء منها، والغش في مواصفات المباني والطرق والسفن وغيرها.. إلى آخر قائمة سوداء طويلة من الجرائم التي جعلتهم أباطرة المال ومحتكري الإعلام والنفوذ وإدارة الدولة (ولا داعي للحديث عمن يتلقون التمويل من الخارج مقابل تدميرهم لهذا المجتمع ودينه وأخلاقه!).. فهل يسمحون للإسلاميين بهدم امبراطورية الفساد والنهب بهذه البساطة؟
في الحقيقة لست ألومهم على تصرفاتهم ولا أتعجب.. ولكن العجب كلّ العجب من الغافلين المخدوعين فيهم من الشعب المصري الذي يساندونهم في هذا مجانا، فكأنهم ممن يبيع أخراه بدنيا غيره.. بل كمن يبيع دنياه وأخراه بدنيا غيره!
فهل من مفيق؟

الأربعاء، 28 مارس 2012

أين أنتِ؟

أين أنتِ؟

قد سألتُ البدرَ عنكِ، فقالَ لي اذهبْ للنجومْ
والنجومُ تقولُ: واهًا، ها هنا كانتْ تحومْ
والسرابَ سألتُ، أفضى: إنها خلفَ التُّخومْ
لستِ بدرًا لستِ نجمًا أو سرابْ
أنتِ مني كالنسائمِ من ترانيمِ العُبابْ
أنتِ حولي في نَسيمي
في إدامي في أَديمي
في هنائي في نعيمي
في شقائي في العذابْ
لستِ بدرًا رغم أن الليلَ دونكِ مثلُ تَنعابِ الغرابْ!
أنتِ أقربُ من حياتي
أنتِ أجملُ أمنياتي
أنتِ حُلمي في سُباتي
مُشرقًا غَضَّ الإهابْ
أنتِ في طياتِ قلبي كالحروفِ من الكتابْ
أنتِ مني في غيابكِ كالدموعِ من العتاب!

محمد حمدي
1995

الاثنين، 26 مارس 2012

الشعب يريد دستور مصر إسلاميا

الشعب يريد دستور مصر إسلاميا

يدعي العلمانيون أن الشعب انتخب أعضاء مجلسي الشعب والشورى لمجرد القيام بالرقابة والتشريع، لا ليكونوا أعضاء في لجنة صياغة الدستور.
وهذا ادعاء عجيب جدا، فقد قلنا نعم في الاستفتاء ورفضنا دعوة العلمانيين لوضع دستور جديد حينها، لكي نضمن أن النواب الذين سنختارهم هم من سيكتبون الدستور الإسلامي الذي طال انتظارنا له أكثر من قرن من الزمان.. ولقد أكدنا هذه النية مرة أخرى في انتخابات مجلس الشعب حينما سلمنا أغلبية المقاعد للإسلاميين، ومرة ثالثة في انتخابات مجلس الشورى.
وألم يخرج  الشعب في مليونيتين حاشدتين في جمعة تطبيق الشريعة، وجمعة إسقاط وثيقة السلمي؟
السؤال هو: أين كان العلمانيون من كل ذلك طوال العام الماضي؟
ألم يكونوا يديرون طواحين الجدل في كل الفضائيات في كل تلك المناسبات، ويصرخون مذعورين من تسليم المجلسين والدستور للإسلاميين، ويقترحون الوثائق تلو الوثائق، ويخترعون المبادئ فوق الدستورية والحاكمة والهاكمة، لكي يهربوا من هذه النتيجة التي لا مهرب منها؟
فكيف وقد حان وقتها، يدّعون الآن أن الشعب لم يختر نوابه لكي يكتبوا الدستور؟
بل كذبوا، فما لغيرها اخترناهم، ولو أنهم خذلونا فيها لخسروا ثقتنا وخانوا أمانتنا.
لقد دار الزمان دورته، وهذه هي الفرصة التاريخية سانحة لتصحيح مسار مصر وإعادتها إلى شرع الله، لتطهيرها من كل جراثيم العلمانية والطغاة والفجرة والمجرمين واللصوص.. ولا أتوقع أن يمر هذا بدون فتن واضطرابات وفوضى، وأدعو الله أن ينجينا منها ويكتب لمصر الخير، وينصرها على أعداء والخارج وخونة الداخل.

الأحد، 25 مارس 2012

أشياء لا يبددها الزمن (5/5)

(5/5)

ألقتْ عليه السلامَ فأجابَه والتفت.
التقتْ عيناه بعينيْ (رباب)، التي تمتمت:
-     أستاذ (إيهاب)؟
-     هل تعرفينني؟
-     رأيتُكَ بالأمسِ في نفسِ هذا المكان.
-     [التفتَ إلى القبرِ في حزن]: أحضرُ أنّى استطعت.
والتقطَ الزهرةَ التي وضعَها على القبرِ بالأمسِ، وقد نالَ الذبولُ من نضارتِها، فمسَّ وريقاتِها برقّة، وهمس:
-     زهرةٌ تذبلُ تلوَ أخرى.
-     [التقطت بدورِها الزهرةَ التي وضعتْها بالأمسِ]: هناكَ دومًا المزيدُ من الأزهار.
-     والمزيدُ من الحزن.
-     هل تحزنُكَ زهرةٌ تذبُل؟
-     حينما لا يقبلُها من أهوى.
-     و من أدراكَ أنّه لم يقبلْها؟
-     لقد ذبلَت.
-     حتّى لو قبِلها فستذبُل.
-     لقد رفضَ واحدةً لا تذبلُ أبدًا.
-     هل قالَ لا؟
-     أبى أساسًا أن يسمعَني.
-     و من أدراكَ أنّه أبى؟
-     إنّه لا يجيب.
-     لا ينفي هذا أنّه استمع.
-     ولا ينفي أنّه أعرضْ.
-     أوَ فعل؟
-     ألا ترينَ حزني؟
-     أوكّدُ لكَ أنّكَ واهم.
-     لا أحدَ يتوهّمُ الحزن!
-     يتوهّمُ ما يجلبُه.
-     لا بدَّ أنَّ هناكِ ما دعَّه إلى ذلكِ دعّا.
-     أو هناكَ ما لم يرَه.
-     لم يرَ أفقَه في ضبابِ عينيها.
-     الضبابُ سببتْه الدموع.
-     و ما سَبَّبَ الدموع؟
-     أنت؟
-     أنا؟
-     نعم.
-     كانت تكرهُني إلى هذه الدرجة؟
-     كانت يبرّحُها حبُّكَ إلى هذه الدرجة.
-     و من أدراكِ؟
أخرجتْ من حقيبتِها مجموعةً من الخطاباتِ، قلّبتْ فيها لحظةً، قبلَ أن تنتزعَ ثلاثةً منها وتقدّمَها إليه في صمت.
نظرَ لها بتساؤلٍ، فدفعتِ الخطاباتِ إلى يدِه تستحثُّه ليأخذَها.
أخذَ الخطاباتِ وشرعَ يَجري فوقَ سطورِها بعينيه.
وراقبتْ (رباب) وجهَه بينما يقرأ.
بدا لها وجهُه مرآةً، قرأتْ عليها انعكاسَ الكلماتِ التي يقرؤها.
وببطءٍ نبتتْ في عينيه دمعاتٌ.. وببطءٍ أخذتْ في النموّ.
وما إن انتهى، حتّى رفعَ إليها عينيه يسألُها بصوتٍ مختنق:
-     من أينَ حصلتِ على هذه الخطابات؟
-     هي أرسلتْها إليّ.
-     كنتما صديقتين؟
-     لأكثرَ من خمسِ سنوات.
-     [بمرارة]: إذا كانت قد شعرَتْ تجاهي بمثلِ هذه المشاعرِ، فلماذا أبدتْ لي نقيضَها؟
-     [بإشفاق]: خافتْ أن يُعذّبَكَ فِراقُها؟
-     [بتهكّم حزين]: أو لم يفعل؟
-     هكذا كانت تحبُّك.
-     فليسامحْها الله.. لقد آلمتني ألمينِ أيّهما أبلغُ من آخَـرِه: ألمَ الصـدِّ وألمَ الفِراق.
هاجَ عذابُه حزنَها، فسالَ المزيدُ من دموعِها، دونَ أن تجدَ ما تقول.
وابتسمَ (إيهاب) ابتسامةً باهتةً وتمتم:

السبت، 24 مارس 2012

أشياء لا يبددها الزمن (4/5)

(4/5)

بعينينِ أرهقتهما كثرةُ الدموعِ وطولُ السهر، وقفتْ تبحثُ عنه.
ثمَّ توقفتْ عيناها عندَ وجهِه وهو يقترب.
الآنَ تدركُ جيّدًا لم بدا لها مألوفًا.. إنَّ ملامحَها العزيزةَ ذائبةٌ في ملامحِه.
غرقـتْ عيناها في دمعتينِ تترقـرقانِ في عينيه، فعادتْ دموعُها لتسيل، حتى عجبتْ من أينَ تنبعُ، وقد ذرَفتْ منها بالأمس أنهارا!
توقف (شريف) أمامَها، وهمـهمَ بتحيّةٍ لم تُميّـزْها، قبـلَ أن يمـدَّ إليها يدَه بمظروفٍ مغلقٍ، يبدو مكتظًّا.
أخذتْه منه في صمت.
ثمَّ فجأةً انخرطتْ في البكاء، فجذبَها من يدِها برفقٍ، ليجلسا على مقعدٍ حجـريٍّ قريب.
لبِثتْ تبكي بُرهةً، قبلَ أن تكفكفَ دمعَها، وتتمتم:
-     لقد راجعتُ خطاباتِها بالأمس.. كنـتُ حريصةً على أن أحمـلَ معي نسخةً منها، حتى نسترجعَ أجملَ ذكرياتِنا.
لم يَجِدْ ما يقولُه، فتابعت:
-     لقد عرَفتُ الخطابَ الذي بدأتَ فيه تكتبُ باسمِها.
ورمقته فوجدته شاخصًا، وعيناه نافذتا حزنٍ ينزف.
صمتت، فلم ينبس بكلمة.. سألته:
-     هل ستظلُّ صامتًا هكذا؟
قال بخفوت:
-     بجوارِ أنّه لا كلماتِ لديَّ، أخافُ أن أقولَ شيئًا يُضايقُكِ فتنصرفي.
-     لماذا؟
-     بسببِ غضبِكِ بالأمسِ للخطاباتِ الـ....
-     بل لماذا لا تريدُني أن أنصرف؟
-     [متنهّدًا]: لأنَّ روحَها تغشاني في وجودِك.. لكم كنتِ عزيزةً عليها!.. لم يكنْ لها من حديثٍ غيرُك.
-     أنا أيضًا أحسُّ بروحِها فيك.. إنَّ بينَكما تشابهًا كبيرا.
نظرَ في عينيها لحظةً في صمت.
في هذه اللحظةِ وجدتْ نفسَها تهوي مع شلالاتِ الحزنِ إلى أغوارِه السحيقة.
سألته:
-     لماذا فعلتَ هذا؟
-     تعنينَ الخطابات؟
-     نعم.
[تنهدَ تنهيدةً حارة]: لستُ أدري.. كانتِ الصدمةُ هائلة.. لسنواتٍ كنتُ أتوقّعُ أن أفقدَها في أيّةِ لحظة.. ربما أظهرتُ التجلدَ أمامَها حتّى أمنحَها أملا كنتُ أنا في أمسِّ الحاجةِ إليه.. ربما أقنعَتْ هي آلامَها أن تنزوىَ تحتَ قناعِ بسمتِها الشفافة.. ربما ضحكـنا معًا وقلبانا يُضرعُهما البكاء.. ولكنَّ هذا قَطّ لم يُقلّلْ من فداحةِ المفاجأة.. [وسالت دموعُه] هل تعرفين؟.. المرّةُ الوحيدةُ التي رأيتُ فيها بسمةً صافيةً مطمئنّةً تُلقي أنوارَها على ملامحِـها، كانتْ في لحظةِ الفِـراق.. فجـأةً بدا أنَّ أعباءَ السنينَ قد تفتّتتَ، وذرتها نسماتٌ مسّتْ روحَها وهي تُجـيبُ بارئَها.. لياليَ طـوالا لم تفـارقْ هذه الصورةُ مُخيّلتي، وأنا معتكفٌ وحدي، تنداحُ حجرتُها في داخلي بلادًا من الذكرياتِ التي حلوُها شجنٌ ومرُّها ألم.. أبكي أو أجمدُ أو أتبعُ أطيافَها، تتقمّصُ رُوحَها وتتحرّكُ من حولي، تنسِلُ من ذهني تسكبُ الدمعَ في عيني، وترتدُّ إلى قلبي تَسكنُ فيه، وتُسكنُ الأشجانَ إلى الأبد.
وصمتَ ريثَ أن تحورَ غصّةٌ مرّرتْ حلقَه، وأردفَ:
-  طيفًا وراءَ طيفٍ، كانتْ روحُها تغشاني.. آلافٌ من الأفكـارِ والمشاعـرِ والذكرياتِ راحتْ ترقى بي إليها، حتّى أحسستُها أنا وأحسستُني هي.. لم يكُنْ أنا الذي يكتب.. كانَ كلُّ شيءٍ حيٍّ منها بداخلي هو الذي يكتب.. هي التي حرّكتْ يدي.. هي التي بثّـتكِ كلماتِها.. هي التي أمرتني أن أرسـلَ خطاباتِها إليك.. كانت هي.. هل تصدقينَ هذا؟
ونظرَ لها بعينينِ مفعمتينِ بالرجاءِ والدمع، فتمتمتْ من بينِ دموعِها:
-     أصدّقُه.
-  للهِ كيفَ هانتْ آلامي ووحشتي!.. حينَئذٍ كانت تكتبُ لكِ كلَّ يوم.. حينَئذٍ لم تعُدْ تتركُني لوحدتي في جوفِ الليلِ اللزجِ المقيت.. حينئذٍ كنتُ أحيا لتحيا بي.. وحينما كنتِ ترسلينَ خطاباتِك، كانت روحُها تضوعُ بينَ ضلوعي، وتَشيعُ في جسدِ الذكرياتِ السجينِ حركةً نابضة، وتتراقصُ على الجدرانِ الخامدةِ أطيافًا من الأحـلامِ، رغمَ انطفاءِ الشمـوع.. [ودفنَ وجهَه بينَ كفيه] سامحيني.. لطالما وددتُ أن أصارحَـك، ولكنّي خِفتُ على روحِـها التي أحيا بها، يبدّدُها التياثُ عقلي في وحشةِ الصمتِ وكآبةِ الوَحْدة.
أحسّتْ بأنّها على وشكِ الاختناقِ من فرطِ الحزن، وتفجّرتْ في عينيها دموعٌ، حاولتْ باستماتةٍ أن تكبتَها.
لم تدرِ لماذا.. فقط أحسّتْ أنَّ (عزةَ) لو كانتْ مكانَها ما كانتْ لتستسلمَ للدموع.
ثمَّ إنها سألتْه، وكانت أكثرَ تماسكًا:
-     هل.. هل حزنتَ لخبرِ قدومي؟
رفعَ وجهَه ينظرُ لها بعينينِ مندهشتين، فاستطردتْ موضّحةً:
-     يعني.. كنتُ سأكتشفُ كلَّ شيءٍ لا محالة.
قالَ وشبحُ بسمةٍ يتراءى في غيومِ شجونِه:
-  لم يَرِدْ هذا إلى ذهني.. كلُّ ما راودني هو أنَّ شيئًا حلُمَتْ به كثيرًا قد آنَ له أن يتحقّق.. حتّمًا سعِدَتْ.. وحتمًا مسّتْني سعادتُها.. هل تعلمينَ؟.. إنّني أقرأُ لها كلَّ خطاباتِك.. ودومًا كانت نسمةٌ معبّقةٌ بالشذى، تُداعبَ خطابَكِ كلّما وردَ به ما يُسعدُها بك.. ودومًا كانَ عصفورٌ وحيدٌ يشدو بشجنٍ كلّما وردَ به ما يقلقُها لك.. [وضحك فجأةً رغمَ دموعِه].. أتعرفين: كلُّ من رآني أقرأُ خطاباتِكِ على قبرِها ظنّني مجنونًا!
-     [بدهشة]: هل كنتَ تحملُ خطاباتي لتقرأها لها؟
أومأَ برأسِه في صمتٍ، فقالتْ بتأثّر:
-  سامحني لغضـبي منكَ بالأمس.. ولكنَّكَ تعـرفُ هولَ الفاجعةِ تحتَ وطأةِ المفاجأة.. آسفة.. إنَّ ما فعلتَه حقًّا لهو شيءٌ نبيل.
سألها (شريف):
-     هل تودّينَ رؤيتَها؟
-     [بلهفة]: يا ليت.
-     [ناهضًا]: إذن هيّا بنا.. لكم تتوقُ إلى رؤيتِكِ هي أيضا.
وذهبا.
***
 لولا خشيةٌ دينيّة، أن تقـعَ في شركٍ أو وثنيّة، لاحتضنتْ قبـرَها حتى تَرهَكَ جدرانَه أو يرهكَ ضلوعَها.

الجمعة، 23 مارس 2012

أشياء لا يبددها الزمن (3/5)

(3/5)

طوتْ (ربابُ) تلك الرسـائلَ، وتراجعتْ في مقعدِها في الطائرةِ التي تُقلُّها إلى (القاهرة) وهي تبتسم في سعادة.
أخيرًا ها هي ذي في طريقِها لتقابلَ صديقتَها العزيزةَ (عزة)، التي عاشتْ معها أفراحَها وأحزانَها عبرَ الورقِ لسنواتٍ عديدة.
انتهزت فرصةَ قدومِ والدِها إلى (القاهرةِ) لقضاءِ بعـضِ أعمـالِه التجـاريّةِ، وأصرّتْ أن ترافقَه.
بالتأكـيدِ سيكونُ أسبوعًا مميّزًا، ترافقُها فيه (عزّة) ليشاهدا معـالمَ (القاهرةِ) الشهيرة.
لكم عانتْ (عزة)!.. ولكم آلمتها معاناتُها!
فليكنْ أسبوعًا بهيجًا إذن، تُنسيها فيه الآلام.
***
أدهشها أكثرَ ممّا أحبطَها أنَّ (عزةَ) لم تكُنْ في استقبالِها في المطار.
وعندَما وصلتْ وأباها الفندقَ، وجدتْ في انتظارِها رسالةَ اعتذارٍ منها، تطلبُ فيها أن تقابلَها في اليومِ التالي أمامَ برجِ الجزيرة.
***
أزاحتْ عيناها الوجوهَ في لهفةٍ وهي تبحثُ عنها.
خافتْ أن يكونَ الزمـنُ قد غيّرَ ملامحَها كثيرًا، خاصّةً أنَّ أحدثَ صورةٍ تمتلكُها لـ (عزّةَ) مضى على التقاطِها أربعُ سنوات!
ثمَّ توقفتْ عيناها عندَ شابٍّ يقتربُ منها، لم تدرِ لمَ بدتْ لها ملامحُه مألوفة.
توقّفَ الشابُّ أمامَها، وصمتَ لحظةً، قبلَ أن يمدَّ إليها صورةً كانت في يدِه.
التقطتِ الصورةَ في تهيّبٍ، وألقتْ عليها نظراتِها.. ولدهشتِها كانت صورتَها هي!
رفعتْ إليه عينين متسائلتينِ، فتمتم:
-     (شريف).
خفقَ قلبُها بقلقٍ وهمهمت:
-     أينَ (عزة)؟
غمرَ الحزنُ عينيه لحظةً، قبل أن يقول:
-     لنجلسْ أولا في مكانٍ مناسب.
***
لم تدرِ حتّى أينَ هما.. فقط بمجرّدِ أن جلسا ابتدرتْه:
-  أين (عزة)؟.. لماذا لم تأتِ معك؟.. هل أصابها مكروه؟
لم يُحُرْ جوابًا.. ولكن قرونًا من الحزنِ عربدَتْ في عينيه، لدرجةِ أنَّ قلبَها قد انقبضَ، وهي تسألَه بتهيّب:
-     لماذا لا تجيب؟.. ماذا حدث؟
أخرجَ ورقةً مطويّةً من جيبِه، قدّمها إليها بأصابعَ مرتجفةٍ، وهو يقولُ بصوتٍ مخنوق:
-     هذه رسالةٌ منها إليك.
فضّتِ الورقةَ بتوتّر، وقرأت:
-     عزيزتي رباب.. لكم تمنّيتُ أن نتلاقى على أرضِ الواقع، ولكن يبدو أن الأجلَ لن يسعفَني.
كانتِ الدموعُ تتراقصُ في عينيها، حتّى لم تعدْ تستطيعُ تمييزَ الكلماتِ المكتوبة.
ولثوانٍ رانَ صمتٌ ثقيلٌ، وخيطانِ من الدمعِ يسيلانِ من عينيها، قبلَ أن تسألَه:
-  متى حدثَ هذا؟
-  [تردّد لحظة]: منذُ عامٍ تقريبًا.
-  [توقّفتِ الدمـوعُ في عينيها، ونظـرتْ إليه غيرَ مصـدّقة]: هذا.. هذا مستحيل.. إنّ آخرَ رسالةٍ وصلتْني منها لم يمضِ عليها.....
أنا الذي كتبَ هذه الرسائل.
-  [نظرتْ إليه بدهشةٍ لم تلبثْ أن تحوّلتْ إلى غضب]: أنت؟
-  [بخفوتٍ متهيّب]: أجل.
انفجرتْ تهتفُ من بينِ دموعِها:
ومن الذي منحكَ الحقَّ لتخدعني بمثلِ هذه الطريقة؟.. لماذا لم تخبرني في حينِها؟.. لماذا حرمتني من أن أحضرَ لوداعِها.. من أن أراها ولو لمرّة؟.. لماذا؟.. لماذا؟
ودفنت وجهَها بينَ كفّيها، وانخرطتْ في البكاءِ بحـرقة، بينما سالَ الدمعُ من عينيْ (شريف) في صمت.
ولم يَدْرِ أحدُهما كم مرَّ على ذلك، قبلَ أن ترفعَ (رباب) وجهَها إليه، وتقولَ بحزم:
-     سأقابلُكَ غدًا في مثلِ هذا الموعد.. أحضرْ معكَ كلَّ خطاباتي، فليس من حقّكِ الاحتفاظُ بأسراري وخصوصيّاتي.
ودونَ أن تنتظرَ إجابتَه، نهضتْ في حدّة، وغادرتِ المكانَ بخطواتٍ سريعة.

الخميس، 22 مارس 2012

وطـن بعينيك اكتحـل

وطـن بعينيك اكتحـل
(في ذكرى اغتيال الشهيد بإذن الله الشيخ أحمد ياسين رحمه الله(


وطنٌ بعينيكَ اكتحلْ
ترنيمةٌ: نبضاتُ قلبِكَ يا بَطَلْ
عُرسٌ تُزّفُ له شهيدا حينَ واتاكَ الأَجَلْ
تهفو لأحضانِ الحبيبةِ في مُحيّاها الخَجَلْ
هي أرضُكَ العذراءُ عشتَ لأجلِها تشدو بأبياتِ الغزلْ
هي عشقُكَ المحمومُ شوقا، في جوانحِكَ اشتعلْ
هي بسمةُ الأطفالِ
طهرُ ثيابِكَ البيضاءِ
نَبْضُكَ بالأمَلْ
هي دمعُ يُتمٍ
قلبُ أمٍّ حينَ مزّقه الثّكَلْ
هي غضبةُ الأحرارِ
إيمانُ المناضلِ حين خَفَّ إلى الكفاحِ بلا كَلَلْ
هي كلُّ ما أفنيتَ عمرَكَ كي يعيشَ لنا عزيزا لا يُذَلّْ
***
وأراكَ تضحكُ لَمْ تَزَلْ
تسعى لِخُلْدِكَ من أزَلْ!
وأراكَ تعلو لَا تَكَلّ ْ
تُعطي لمن يأتي المَثَلْ
ترنو لأحلامِ الصغارِ وتبتهلْ
وأراكَ تشمخُ كالجبلْ
تمشي على ليلِ الطغاةِ وتشتعلْ
تتزلزلُ الأرضُ التي تحويكَ كي يهوي هُبَل!
تتفجّرُ الأبطالُ منك وترتحلْ
تسعى إليكَ مواكبُ الشهداءِ حتّى تَنتهلْ
***
غالوكَ؟!
أنتَ اغتلتَهم بأجيجِ عزمِكَ يا بَطَلْ
تحيا ـ كما أمّلتَ ـ حُرا،
بينما يَهوِي إلى النسيانِ جُرذانُ الخيانةِ والخَبَلْ
تبقى على الأزمانِ رمزا للأملْ
تبقى وَيَطَّرِدُ العَمَلْ
فجرا وأغنيةً وحُلما يكتملْ
يبقى حماسُك يَنهَمِلْ
تتدفقُ الأنهارُ أجيالا تناضلُ، للرسالةِ تحتملْ
تتدافعُ الأكتافُ تحتَ لوائكَ الخفّاقِ أنّى ينسدِلْ؟
غالوكَ؟!
أنتَ اغتلتَهم بأجيجِ عزمِكَ يا بَطَلْ
فانعَمْ بخُلدِكَ واحتفِلْ

محمد حمدي غانم
22 مارس 2004
(نشرت بديوان انتهاك حدود اللحظة)


الثلاثاء، 20 مارس 2012

أشياء لا يبددها الزمن (2/5)




أشياء لا يبددها الزمن
(2/5)

عزيزتي (رباب):
كنتُ قد ظننتُ أنَّي قد ذقتُ من الآلامِ ما حصّنني ضدَّ أيِّ ألم.
ولكنّي كنتُ واهمة.. كان هناكِ المزيد!
لقد صارحني (إيهاب) بإعجابِه بي.
كانَ من المفروضِ أن يُسعدَني هذا.
كان من المفروضِ أن تمتزجَ سعادتي بالخجلِ، ويتلوّنَ وجهي بأزهـارِ الربيعِ، وأنا أهربُ منه بعينيّ.
و لكنَّ العكسَ هو ما حدث:
ملأتِ المرارةُ قلبي، وفردَ خفاشُ الحزنِ جناحيه على روحي، وسالتِ الدموعُ من عينيّ.
ولكنّه لم يندهش.
كانَ يعرفُ حقيقةَ مرضي.
(هبةُ) سامحها اللهُ أخبرتْه بكلِّ شيء.
قالَ كلامًا كثيرًا عن تمسّكِه بي أكثر، وأنَّ الأعمـارَ بيدِ اللهِ، وأن كثيـرًا من العرائسِ يقضينَ في ليلةِ العُرسِ وهنَّ في أتمِّ العافية، وأنَّ اقتناصَ لحظةِ سعادةٍ واحدةٍ في حياةٍ تمورُ بالآلامِ، لهو هدفٌ كافٍ في حدِّ ذاتِه يستحقُّ المغامرةَ، و.. و.. و....
إنّه لا يعرفُ شيئًا اسمُه اليأسُ حقًا!
وهذا هو أكبرُ عيوبِه!
كلُّ ما سيجلبُه لنفسِه هو المزيدُ من الأمل.. والألم.
سيراهنُ على الحصانِ الخاسر.
وماذا ستكونُ النتيجة؟
سيجعلنُي أتعلّقُ بالحياةِ من جديدٍ لأنّه فيها، وسيضاعفُ آلامي ـ إن لم يكُن قد فعل ـ أضعافًا مهولة.
وأقصى ما سيحصلُ عليه ـ إن حصلَ عليه ـ بعدَ سنواتٍ من الدراسةِ وعراكِ الحياةِ، هو زوجةٌ مريضةٌ، تتركُ له طفلا هزيلا، وتركةً من الذكرياتِ المؤلمةِ التي لا تنتهي.
إنّ هذا ظلمٌ بيّن، إن ارتضاه هو لنفسِه، لم أكنْ أنا لأرتضيَه له.
لهذا طلبتُُ منه أن يبتعدَ عنّي وهربتُ منه وأنا أتعثّرُ في دموعي.
ومن يومِها لم أذهبْ إلى الجامعة، ولن أذهبَ إليها إلا في فترةِ الامتحان.
هذا الموضوعُ منتهٍ بالنسبةِ لي.
خيرٌ له أن يتألّمَ لفقدي الآنَ وما زلتُ طيفًا يداعبُ خيالَه، عن أن يقتطعَني الموتُ وقد صرتُ جزءًا منه.
وهذا هو قراري الأخير، فأرجوكِ لا تراجعيني فيه.
صديقتُكِ المعذّبة (عزّة)
***
عزيزتي (رباب):
شارفَ عامٌ على الانقضاءِ وما زلتِ تُلحفينَ في السؤالِ عن (إيهاب).
لماذا لا تصدقينَ أنَّ هذا الأمرَ قد حُسمَ منذُ زمن؟
وأنتِ في غنىً عن أن أذكرَ لكِ كم هو مؤلمٌ، أن أراه ما زالَ يُطاردُني بنظراتِه الحزينةِ حتّى الآن، ولا كم هو مُجَهدٌ قلبي الذي يهفو إليه بلا أمل.
أشعـرُ كأنّني ظمأى على ضفّةِ غديرٍ صافٍ، جائعةٌ على مائدةٍ حافـلةٍ بأطايبِ الطعام، خائفةٌ في ليلِ الذئابِ، لا أستطيعُ الاستنجادَ وفـارسي عن كثب.. مفردةٌ ضدَّ الحزنِ، وحيدةٌ وسْطَ من أهوى، عاشقةٌ بلا أمل.
أرجوكِ نحّي عنا هذا الأمرَ فهو مثارُ شجونٍ، وهي لا تنقصُني.
لعلّكِ تعرفينَ أنَّ (شريفَ) الآنَ في الثانويّةِ العامّة، وأنّي أحاولُ جاهدةً أن أوفّرَ له الجوَّ المثاليَّ الذي يُساعدُه على التركيزِ والاستذكار.
فدعيني أرجوكِ أؤدّي هذه المهّمةَ بنفسٍ مستقرّة.
اعتني بنفسِكِ جيدًا.
(عزة)
***
عزيزتي (رباب):
تحرّرتُ أخيرًا من الألم.
إنَّ سكينةً عميقةً تسكنُني، وراحةً لذيذةً تغمرُ روحي، كأنَّ أجنحةَ الملائكةِ تحفُّها.
كلُّ الأطبّاءِ حمقى.. كانَ العلاجُ أمامي منذُ البدايةِ وتغافـلتُ عنه.
توجّهتُ إلى اللهِ بقلبٍ صافٍ وأخلصتُ له العبادة.
وكلّما سجدتُ اقتربت.
ماذا يفعلُ الألمُ إذن أمامَ مثلِ هذه الروعة؟
ما انفككتِ تسألينني عن (إيهاب).
الآنَ أنا أحبُّ اللهَ فقط، ولا أفكّرُ في (إيهابَ) أو في سواه.
بل لا أفكّرُ في الزواجِ كلّيّةً.
فبخلافِ أنّي لا أصلحُ له، أفكّرُ أن أعيشَ ما تبقّى من حياتي كالراهبات، أنتظرُ اللحظةَ التي ألتقي فيها باللهِ سبحانَه.
دعكِ منّي الآنَ وأخبريني كيفَ حالُ مذاكرتِك؟
انتبهي جيّدًا، فمقدارُ الجهدِ الذي ستبذلينه هذا العامَ، سيُحدّدُ الكلّيّةَ التي ستلتحقينَ بها.
مع تمنياتي بالتوفيق.
(عزّة)
***
عزيزتي (رباب):
تساءلتِ بسعادةٍ بالغةٍ، عن سببِ ازديادِ معدّلِ خطاباتي لكِ في الشهورِ الماضية، وعن نبرةِ الأملِ التي تفوحُ من ثناياها.
لا أكتمُكِ سرًّا أنّي أكتبُ لكِ يوميًّا تقريبًا، وإن لم أكن أرسلُ إليكِ كلَّ الذي أكتبُه!
أمّا عن نبرةِ الأملِ التي تتحدّثينَ عنها، فقد علّلتُها لك من قبل:
لقد عرفتُ طريقي أيتها العزيزة.. منذُ فترةٍ وأنا أعيـشُ في معيّةِ الله، وكلما أوغلتُ في العبادةِ تمكّنَتِ الراحةُ من قلبي.
هكذا أردُّ على فقراتِ خطابِكِ تباعًا، ووددتُ لو ابتدرتُكِ بالتهنئة، إلا أنّكِ أخّرتِ نبأَ نجاحِكِ بذلكِ المجموعِ الرائعِ، فآثرتُ أن أعاقبَكِ بالمثل!
تتساءلينَ أيضًا لماذا لم أعدْ أذكرُ لكِ من أخبارِ أخي (شريف) كما هي عادتي، بل وتدّعينَ أنّي لم أذكرْ لكِ حتّى بأيِّ كلّيّةٍ التحق!
لا أدري!.. ظننتُ أنّني قد أخبرتُك!
إنَّ (شريف) لا يغـيبُ عن بالي قط، وأنتِ نعمَ من يعرفُ، أنّي وهو كِيانٌ واحد، لا يفرّقُنا حتّى الموتُ ذاتُه!
عمومًا، إنّه يدرسُ الآنَ في كليّةِ (دارِ العلوم).
ثمَّ يبدو أنَّ النسيانَ ليسَ من شيمي وحدي، فأنتِ إلى الآنِ لم تذكري لي على أيِّ كلّيّةٍ انتويت!
وختامًا أرجو أن تقبلي منّى هذه الهديّةَ المتواضعة.
(عزة)
***
عزيزتي (رباب):
أشعـرُ بتهيّبٍ غيرِ يسير، ربّما تلمَسـينه في رعشةِ خطّي وأنا أكتبُ لكِ هذه الكلمات.
هل ستزورينَ (مصرَ) بصحبةِ والدِكِ حقًّا، أم أنّها دعابةٌ من دعاباتِكِ الظريفة؟
لكم تمنينا أن نتلاقى، وقد ربطتنا صداقةُ الورقِ لأكثرَ من خمسِ سنوات.
يا إلهي!.. أشعرُ بالكثيرِ من الإثارة!
لكم أتوقُ إلى هذا اللقاء!
في انتظارِكِ على أحرِّ من الجمر.
(عزة)
***