أهم أقسام المدونة

الصفحات

السبت، 21 يوليو 2018

اثنان في واحد: 16- الحجز محجوز مسبقا


اثنان في واحد (ليس برت بلاس)
(16)

انفردت بمحمد حمدي القادم من المستقبل في حديقة المدينة الجامعية وقلت له بلهفة:
-      أريدك أن تخبرني بأسئلة امتحان أعمال السنة الخاص بالفزياء والوصفية.
نظر لي محمد حمدي مندهشا، وقال:
-      ولكن هذا غش.
قلت بذكاء:
-      الغش يتم بين شخصين غريبين.. لا يمكن أن يغشش المرء نفسه.
قال مماريا:
-      من الغش أيضا كتابة المعلومات في أوراق صغيرة (برشام).. هذه من طرق الغش الفردي.
-      أخ.. نسيت أنني أستاذ في الجدال، ويبدو أنني تفوقت على نفسي!
-      لا تنسَ أنني أكبر منك بأسبوع أي أنني عمليا أعرف أكثر منك بسبع سنوات تبعا للقاعدة الشعبية!
-      إذا أفِضْ علينا من علمك يا مولانا.
-      قلت لك إنني لن أخالف ضميري.
-      لا تخالفه.. يمكنك أن تحذرني من شيء معين، أو تنصحني بشيء معين يجعل فرصتي أفضل، بدون أن تخبرني بأسئلة الامتحان.
فكر قليلا وبدا عليه الاقتناع، ووضع يده على كتفي قائلا بعمق:
-      لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد.. مدرستك نظيفة متطورة فحافظ عليها.. هذا الكتاب مطبوع في المطابع الأميرية.
قلت في غيظ:
-      الآن فهمت لماذا يراني البعض سمجا.. معهم حق قاتلهم الله :)
ضحك في مرح، فسألته في لهفة:
-      على الأقل أخبرني بمطلع قصيدة جديدة.. ربما تختلف قصائدنا في الخط الزمني البديل.
-      اممم.. احتمال ممكن.
وفكر لحظة، ثم نظر لي بشك:
-      ولكن من يضمن لي حماية حقوقي الفكرية؟.. أنت تعرف أنني أخاف من السرقات الأدبية.
-      يا لك من مستفز.. أليس اسمي هو اسمك؟
-      نعم.. لكننا كيانان مستقلان أشبه بتوأمين.. هل تظن أننا مثلا يمكن أن نتزوج فتاة واحدة؟.. أرجوك ابتعد عن عرائس شعري فأنا شديد الغيرة.
لفتت كلماته انتباهي إلى نقطة هامة، فسألته:
-      هل هناك أي تطورات عاطفية في حياتك لا أعلمها؟
-      يا ابني أنا قادم من المستقبل من أسبوع واحد.. ما الذي يمكن أن يحدث في أسبوع؟
-      الكثير!
-      هل كنت تنوي فعل شيء لتتوقع أن أخبرك بنتيجته؟
-      للأسف لا.. هناك فتاة واحدة تذكرني بحب المراهقة، لكني لست مقتنعا باستنساخ التجارب العاطفية لمجرد التشابه في الملامح.. النسخة دائما لا ترقى إلى الأصل.
-      عين العقل.. لكن نصيحة من شخص أكبر منك بأسبوع.
نظرت له بلهفة، فقال:
-      لا تؤجل عمل الغد إلى بعد الغد.. طلّعت عيني يا أخي!
***
في اجتماع فريق المهمة المستحيلة، قال أحمد الغطاطي في ذكاء:
-      نصعد للدور العلوي، ونقتحم الحجرة التي تقع فوق حجرة النماس، ونثقب الأرضية ونستخرج محمد ولي الخاص بزمننا.
انفجر أحمد عزيز في الضحك والسعال وهي يغني:
-      بلدي طنطا وأنا أحب أعيش أونطة.. لع.. تفرق.
***
 إلى أن يجد فريق المهمة المستحيلة حلا، دعوني أحكِ لكم موقفا تذكرته سيحدث بعد هذه الأحداث بعام، وهذا أمر طبيعي جدا في السرد تبعا لقواعد فن الرعاشة التي أرسيها على مزاجي:
وأنا في السنة الأولى في قسم الاتصالات، حضرت مرة إلى الكلية متأخرا عن المحاصرة الأولى، وكانت المحاضرة الثانية في المدرج الصغير الموجود في مبنى المطبعة الذي يقع مدخله في مواجهة بوابة جامعة القاهرة.. فقررت انتهاز الفرصة وكسر احتكار المهندسات لأول صفين في كل مدرج، وذهبت لأحجز لنفسي موضعا في الصف الأول.. كان المدرج فارغا تماما فجلست في منتصف الصف الأول منتفخ الودجين في فخر، مبتسما ابتسامة نصر كبيرة، حتى بدأ الزملاء يأتون للمدرج.
وكالعادة امتلأ الصف الأول عن يمني ويساري بالمهندسات لأنهن يأتين باكرا عن المهندسين الأوغاد، واكتشفت فجأة أنني صرت نشازا في هذا الصف، لكن قررت أن أقاوم حتى النهاية.
كان بيني وبين المهندسة التي على يساري 5 سم لزوم الحياء، لكنها رأت زميلتها تدخل المدرج، فأشارت لها بحماس:
-      تعالي، أنا حاجزة لك :D.
وأفسحت لها 5 سم إضافية بيننا!!!
وفي الثانية التالية، فوجئت بالمهندسة القادمة تقفز من فوق النضد وتستقر في السنتيمترات القليلة بيني وبين زميلتها، وأنا عاجز عن التقاط أنفاسي!!
شعرت بالذهول لعدة ثوان محاولا استيعاب ما حدث.. يبدو أنني كنت ألبس طاقية الإخفاء أو ما شابه، لأن من الواضح أنهن يتصرفن باعتباري غير موجود، أو باعتباري دخيلا يجب إزاحته، أو أن عدد الصف من المهندسات يجب أن يكتمل تحت أي ظرف!!
شعرت بإحراج شديد في هذا الوضع غير اللائق.. وفكرت أن أتجاهله وأصمد، لكني خشيت على سمعتي أمام زملائي ناهيكم عن تأنيب الضمير!
وطبعا لو دخل الدكتور وشاهدني في هذا الوضع فلا يؤمن رد فعله، فإن لم يطردني، فيكفي تعليق صغير لإحراجي أمام الدفعة كلها!!
وشعرت بالغضب، وفكرت في أن أحارب لطرد المهندسة الأخيرة الدخيلة وانتزاع حقي الشرعي في الصف الأول، لكن مخي عاد للعمل فجأة بكامل طاقته، وقدرت سوء موقفي، فأنا محاصر بقوات العدو من الجانبين بدون خطوط إمداد، ومع أول جملة غاضبة مني، سيبدأن جميعا بالصراخ في وجهي باعتباري غير مهذب، وسأبدو أمام الجميع كأنني حشرت نفسي وسط المهندسات وسأحمل لقب "مندس" بدلا من "مهندس"، ولن يصدق أحد أنني أول من جلس في هذا الصف كله، فهذه سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ الدفعة وربما تاريخ كلية الهندسة كله، وللأسف لم يكن المحمول أبو كاميرا منتشرا حينها لأوثق تلك اللحظات التاريخية!
لكل هذا حملت كشكولي في صمت وقفزت خارج البنش غاضبا، وذهبت لأجلس في آخر المدرج بعد أن كنت منذ لحظات اجلس في أوله.. هيه دنيا.. دوام الحال من المحال!!
وهكذا انتهت هذه التجربة بالفشل الذريع، وتعلمت منها عدة دروس مستفادة:
1- إن كيدهن عظيم.. لديهن دائما أساليب مفاجئة لهزيمتك مهما ظننت نفسك قويا وعبقريا!
2- مهما كان علو صوتك، فلن يكون أعلى من صراخ امرأة.. لا يغرك أن أحبالك الصوتية غليظة، فهذا للأسف يجعلها تهتز أبطأ من اهتزاز الأحبال الصوتية للمرأة، ما يجعل صراخ المرأة أكفأ من سارينة الإسعاف والمطافئ.. هذا الدرس كنت أتذكره جيدا من مادة الفيزياء في إعدادي هندسة، والحمد لله أفادني في حينه :D.. وتذكر جيدا أن الاحتفاظ بثباتك الانفعالي أمام صراخ المرأة صعب، وأنك إن تهورت واستخدمت قوتك فستدخل إلى المستوى الثاني وهو مواجهة بكاء المرأة، وهذا سيستعدي عليك كل الذكور في دائرة نصف قطرها 5 كم (مدى وصول صوتها)!.. باختصار: لا يغرك حجمك، فلو كانت القوة بالحجم، لم يكن جيري ليغلب توم دائما!
3- أهمية العمل الجماعي، فلا فرصة لفرد للفوز أمام فريق عمل يمتلك الخبرة والمهارة والتنظيم.. حجز الصف الأول يحتاج إلى تنسيق بين عشرين مهندسا على الأقل، تدربوا على هذا لمدة شهرين في أقسى الظروف الجوية والنفسية.
لكل هذا لم أكرر هذه التجربة بعدها قط!!.. الصف الثالث ممتاااااز يا جماعة.. نعمة والحمد لله.
:D :D :D

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.