أهم أقسام المدونة

الصفحات

الأربعاء، 24 أغسطس 2011

هل انتهت حرب أكتوبر بانتصارنا حقا؟!

هل انتهت حرب أكتوبر بانتصارنا حقا؟!

لو كنا انتصرنا في حرب أكتوبر انتصارا حقيقيا كما أوهمنا السادات ومبارك، فلماذا ركعا أمام إسرائيل بمثل هذا التخاذل ووافقا على كل ما دمر مصر، وأدى إلى اغتيال الأول وإسقاط الثاني في النهاية؟
لقد بدأت حرب أكتوبر بداية مبهرة، وحققت إنجازات عسكرية تدرس إلى الآن في أرجاء العالم، لكنها للأسف انتهت نهاية مخزية، بمحاصرة إسرائيل لـ 45 ألف جندي مصري من الجيش الثالث الميداني، واضطر السادات بسبب هذا إلى وقف إطلاق النار وفتح مضيق باب المندب وخليج العقبة أمام السفن الإسرائيلية، بل سلم جواسيس إسرائيل لها بدون قيد أو شرط، وقبل بكل الشروط المخزية في محادثات السلام، والتي ضيعت مصر والدول العربية في العقود الماضية.
للتعرف على تفاصيل هذا، أنصح بقراءة مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي عن حرب أكتوبر.. هذا هو الرجل الذي خطط للحرب وأدارها فعليا إلى أن أطاح به السادات وسجنه مبارك:
لقد انتهت حرب 73 بوجود إسرائيل على الضفة الغربية لقناة السويس، وسميت مفاوضات الكيلو 101 بهذا لأن الخيمة التي تمت فيها لم يكن بينها وبين القاهرة إلا 101 كيلو مترا، وهذا معناه أن القاهرة كانت تحت مرمى نيران اليهود، ولم يكن يحميها سوى لواء مدرع واحد، بينما كانت لإسرائيل 5 لواءات مدرعة على الضفة الغربية لقناة السويس!!
كل هذا يجعلنا نفهم لماذا انكسرت إرادة السادات ومبارك وباقي قيادات مصر، فقد كانت هذه النهاية المخزية بعد تخطيط ست سنوات وتضامن عربي شامل بالمال والسلاح والجنود، ومساندة الاتحاد السوفييتي ـ كانت هذه الهزيمة درسا قاسيا، أقنع الكل أنه لا أمل في هزيمة إسرائيل بدون هزيمة أمريكا أولا، وهذا مستحيل من وجهة نظرهم.
لقد عرف مبارك مبكرا أنه كان من السهل على إسرائيل وأمريكا قصفه وقتله حيث كان أو القبض عليه وإعدامه ـ وهو ما رآه يحدث لصدام لاحقا ـ وأنه لا طاقة له بمحاربة إسرائيل، وأن عليه أن يركع لأن هذا هو حجمه الحقيقي، وأن حماس عبد الناصر وصراخه الأجوف ضيعه وضيع مصر وفلسطين والعرب، والأفضل له أن يمشي في ركاب أمريكا ويتجنب المشاكل.
نصف ما فهمه مبارك صحيح، لكن نظرا لأنه غبي فإنه لم يستغل فرصة السلام لبناء دولة قوية، وتربية جيل مسلح بالعلم والثقافة والعمل لتغيير المعادلة كما فعلت دول أخرى كثيرة كنا نسخر منها، ولن أقول الهند والصين واليابان، بل إيران وكوريا الشمالية، أو على الأقل كان يمكنه أن يفعل كماليزيا وسنغافورة فيطور مصر علميا واقتصاديا وصناعيا.
لهذا كنت أقول دائما قبل قيام ثورة 25 يناير: إننا نحتاج إلى جيل جديد من القادة لم يهزم نفسيا، فمن تنبع هزيمته من داخله، لا يمكن أن يفعل أي شيء من أجل استرداد كرامته، ولا أن يفكر حتى في استعادة قوته.. والحمد لله أن الثورة تفرز لنا الآن جيلا جديدا خصبا لم يشهد هزائم الماضي ولم تنكسر أحلامه بعد.. جيلا خرج من بين حطام عصر مبارك، كما تخرج الزهور من بين رماد البركان.
إن هناك درسوا كثيرة نتعلمها مما حدث في نهاية حرب أكتوبر، منها أن انفراد السادات بالرأي ضد كل قيادات جيشه، مع أنه لم يكن مؤهلا عسكريا لهذا فقد غادر الجيش وهو ضابط صغير، كان سببا جوهريا في تضييع النصر، وإزهاق أرواح آلاف الجنود المصريين، وتضييع مستقبل أجيال عاشت في ظل معاهدة الاستسلام والهزيمة النفسية لقادة الدولة.
ومنها أيضا أن من لا يصنع سلاحه لا يكسب حربه، لأننا بعد البداية المبهرة للحرب، واجهتنا مشكلة في إمدادات الأسلحة الروسية، بينما أمريكا لم تدخر وسعا في إمداد إسرائيل بالأسلحة لتعويض خسائرها.
لا يمكن أن تنتصر في حربك وأنت تنتظر سلاحك من دولة بعيدة بآلاف الكيلومترات مختلفة عنك في العقيدة والمصالح، وكانت تضع وجود إسرائيل كخط أحمر، وكانت ثاني دولة تعترف بقيامها أصلا.. لو أردت أن تنتصر في حربك، فلا بد أن تكون مصانع السلاح على أرضك، ليمكنك الاستعواض السريع لكل خسائرك، ناهيك عن تقليل العبء الاقتصادي على موازنة الدولة.. إضافة إلى أن الصناعات العسكرية تنشط الكثير من الصناعات الفرعية التي تزودها بالخامات والأدوات، وهو ما يصب في النهاية في خانة تشغيل البطالة، وتحفيز البحث العلمي من أجل تطوير الأسلحة.. وطبعا كل هذا حرمنا منه بسبب معاهدة السلام، فضيع مبارك ثلاثين عاما بدون أن تتقدم مصر في الصناعات التقنية والعسكرية، بل على العكس، ترهلت كل مؤسسات الدولة وانهارت مع الزمن، وعلى رأسها نظام التعليم!
والآن، لكي نصحح كل هذا، لا بد لنا من إعادة تخطيط مصر بالكامل، بدءا من التعليم والإعلام والثقافة والاقتصاد والصناعة والبحث العلمي والتصنيع الحربي، وهي مهمة تحتاج إلى 20 عاما على أقل تقدير، بفرض أننا تحولنا جميعا إلى كوريين نعمل ليل نهار لصالح الدولة بدون أن نطالب بشيء لأنفسنا سوى ما يقيم الأود.. إضافة إلى ضرورة تماسك الجبهة الداخلية لكي لا تستطيع أمريكا وإسرائيل اختراقها.
وأقول أخيرا للشباب المتحمس: إن على كل من يهمه أمر مصر وفلسطين والعروبة والإسلام والمسلمين، ألا يستعجل النصر بالزج بنفسه في مواجهات عسكرية ليس معدا لها، وعليه أن يعمل الآن على أن تنهض مصر اقتصاديا وعلميا وصناعيا لتكون الثمرة النهائية لهذا هي القوة العسكرية، وهذا بإذن الله سيغير السياسة تلقائيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.