عضو مجلس الشعب يجب أن يكون من الصفوة الخبيرة
عضو مجلس الشعب ليس مديرا مسئولا عن عدة موظفين، أو مجرد شخصية ذات تأثير في أهل دائرته، أو شخص يؤدي بعض الخدمات والمصالح للناس، فدوره يتخطى هذا إلى محاسبة الحكومة ومساءلة الوزراء، ومناقشة مشاريع القوانين في جميع التخصصات.. يعني مثلا لو دخل مهندس إلى مجلس الشعب، فإنه لن ينظر فقط في القوانين الهندسية، بل ستعرض عليه قوانين تخص الزراعة والفلاحين، والقضاة والمحامين، والمدرسين وأساتذة الجامعات، والمصارف والاقتصاد، والتجارة والسياحة، والسياسة الخارجية والحروب وميزانية الجيش، والأحوال الشخصية والشريعة الإسلامية.
ومن أخطر الأمور أيضا، أن أعضاء مجلس الشعب هم من يشرعون القوانين التي يحكم بها القضاة، وهذا أحد أسباب فساد القضاء عندنا، فالقاضي مهما كان جيدا، يحكم في النهاية بالنصوص المفروضة عليه حتى إن خالفت قناعاته وضميره.. وهذا الأمر يحتاج إلى تصحيح، وإعطاء المجلس الأعلى للقضاء سلطة الطعن بعدم شرعية بعض القوانين القادمة من مجلس الشعب، وكذلك إعطاء الأزهر ولجنة الإفتاء حق الطعن في القوانين التي تخالف الشريعة الإسلامية، وإعطاء كل نقابة حق نقض أي قانون يضر مصالح الفئة التي تمثلها.
ولكي نفهم هذه المشكلة بمثال عملي، أذكركم أن مجلس الشعب في التسعينيات شرع قانونا ينص على تعيين العمداء ورؤساء الجامعات بقرار جمهوري.. اليوم نحن نرى ثورة في الجامعات لنقض هذا القرار وفرض الانتخاب بدلا منه.. فيا ترى لو جاء مجلس الشعب القادم ألن يكون من حقه فرض قانون التعيين مجددا؟.. وما الذي يعطى السلطة لمجموعة من العمال والفلاحين والنساء والشباب لفرض وجهة نظرهم على الجامعات؟
***
إذن فالمجلس القادم سيحدد مصير 80 مليون إنسان في جميع المجالات، وهذا معناه أن كل واحد منهم يجب أن يكون مثقفا فيلسوفا سياسيا زعيما قائدا خبيرا محنكا، احتك بعشرات الآلاف من البشر، ولديه طاقم ضخم من المستشارين في جميع التخصصات المذكورة سابقا (وهذا بالمناسبة موجود في أمريكا، فكل سيناتور له مستشارون متخصصون تدفع الدولة رواتبهم، ويرجع إليهم قبل كل قرار).
إذن فعضو مجلس الشعب يجب أن يكون شخصا من الصفوة، عالي الخبرة واسع الثقافة بجميع المجالات، يحتك في حياته بجميع الفئات، وهذا يفرض بالضرورة مستوى تعليميا وعلميا وثقافيا وعمريا معينا.. لهذا لا يصلح هذا المنصب لشاب ولا فلاح ولا عامل ولا امرأة!
والسؤال هو: ما الذي يمتلكه شخص تحت الأربعين من كل ما ذكرته أعلاه؟
ما علاقة العمال والفلاحين بمثل هذه المسئولية الجسيمة؟
وهل تستطيع المرأة بتكوينها الجسدي والنفسي والعاطفي، والإطار الأخلاقي الذي حدده لها الإسلام والمجتمع، ومسئوليتها عن بيتها وأطفالها، هل تستطيع في ظل كل هذا أن تكتسب الخبرات الحياتية اللازمة، وتتواصل مع كل أنواع البشر، وتحل مشاكل الناس في دائرتها؟
مجلس الشعب ليس مسرحية للمهرجين، وليس كعكة تقسّم بالمحاصصة، جزءا لكل طائفة دينية وعمرية ونوعية، وإلا لكان لزاما علينا أن نضع فيه ممثلين عن الأطفال والشيوخ والمعاقين والمجانين والمرضى النفسيين والمطلقين والمطلقات والعاطلين والعوانس والموظفين والمحاسبين وعمال النظافة والبقالين والجزارين والسائقين و... و......
لكن في الحقيقة كل هؤلاء وغيرهم يمثلون سياسيا من خلال برامج الأحزاب، التي يعبر عنها سياسيون بارعون محنكون خبراء في مجالاتهم.
***
هناك أخطاء كثيرة في آليات الديمقراطية الحالية تحتاج إلى تصحيح عاجل، وإلا فستدخل كل أجزاء الدولة في صراعات كارثية في المرحلة المقبلة.
لمثل هذا، سبق أن طرحت فكرة نزع التشريع من مجلس الشعب، وإسناده إلى مجلس شورى تخصصي مكوّن من قادة المجتمع (رؤساء النقابات والجامعات والأحزاب وما شابه).. يمكن الاطلاع على هذه الفكرة هنا:
ونظرا لأنه ليس من المتوقع أن يتم تطبيق هذه الفكرة قريبا (خاصة أننا أمة تابعة مقلدة، لا تجرؤ على ابتكار أي حلول خاصة بها قبل أن يسبقها إليها الغرب)، فستظل المسئولية تقع على عاتق كل فرد فينا، وهو يصوت في الانتخابات لاختيار أعضاء مجلسي الشعب والشورى.. فتأكدوا أن من تختارونه قادر على حمل هذه المسئولية الجسيمة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.