سيد قطب العلمانيين:
آكشن ثاني مرة!!
الإرهاب العلماني
والجمهورية الإسلامية
ما تعانيه مصر الآن ليس جديدا ولا مستغربا، فهو
عَرَض من أعراض كثيرة أصابت دولنا العربية والإسلامية بعد أن غزاها المرض العلماني
مع موجة الاستعمار الغربي، وانهيار الخلافة الإسلامية وسقوط نظم الحكم التاريخية
التي عاشت معها شعوبنا لأكثر من ألف عام.
وكان من هذه الأعراض، رفض القوى الدينية
للجمهورية العلمانية التي أقامها عبد الناصر، وهدم في سبيلها كل أركان المجتمع..
وستلاحظون أن تعبير القوى الدينية لم يتوقف فقط على الإسلاميين، بل امتد إلى النصارى
أيضا.. ففي نفس الوقت الذي كان فيه سيد قطب يصارع "الجاهلية" بمفهومها
الحديث من أجل أمة إسلامية، كان نظير جيد (الأنبا شنودة لاحقا) يصارع من أجل أمة
قبطية!.. بينما عبد الناصر مصر على أننا عرب وأن السعوديين (أصل العرب) مجرد رجعيين
عملاء للاستعمار لأنهم رفضوا دعوته للوحدة العربية!!
ولعل هذه نقطة محورية تفهمنا كيف بدأ الاضطراب
في العلاقة بين المسلمين والنصارى في مصر في العقود الأخيرة، رغم أنها استمرت
قبلها في منتهى السلاسة لقرون طويلة.. فبسبب الفيروس العلماني الذي غزا مصر،
ومحاولة فرض الدولة الحديثة لقوانينها على الجميع بالقوة، وجد المتدينون من
الجانبين أنفسهم غرباء في دولة تحاربهم، وبالتالي لجأوا إلى الانكفاء على الذات
ومحاولة حماية خصوصيتهم.
فطوال التاريخ، كان المسلم يُسلّم ابنه للكُتّاب
لحفظ القرآن الكريم وتعلم القراءة والحساب، وإذا تفوق ذهب إلى الأزهر الشريف..
وكان النصراني يسلم ابنه للكنيسة، ولم يكن أحد يفرض على كليهما مناهج تخالف
عقيدته، ولم يكن التلفاز يدخل البيوت ليفرض على هذا الرقص والعرى والعلمنة، وعلى
ذاك برامج الشعراوي والمسلسلات الدينية الإسلامية وغيرها.. ولم تكن هناك قوانين
تتدخل في الزواج والطلاق بما يخالف شريعة كل منهما.... إلخ..
وهكذا شعر كل متدين على الجانبين أنه مضطهد وأن
دينه محارب، ولم يجد نظام الأقلية العلمانية أفضل من بث الفتن بين الجانبين لتوجيه
عداءهما من الدولة إلى بعضهما، وإشعارهما أن هذا النظام العلماني هو الذي يحمي كلا
منهما من الآخر، مع أنهما تاريخيا كانا متعايشين ولا يتدخل أحدهما في شئون الآخر!
ولهذا ستجد شخصا من هذا الجانب يتهم الحكومة
(المسلمة) المتحالفة مع الأزهر المستقوي بالدول العربية والإسلامية، باضطهاد
النصارى وتكفير أولادهم وإخراجهم من الملة، بينما على الجانب الآخر، ستجد من يتهم
الحكومة (العلمانية) المتحالفة مع الكنيسة المستقوية بالغرب باضطهاد المسلمين
وتكفير أولادهم ودفعهم إلى الانحلال والإلحاد!!
وقد رأينا إنكار الإسلاميين لجمهورية عبد
الناصر العلمانية منذ نشأتها، وكيف قاومها بعضهم بالفكر والمظاهرات والنشاط
السياسي، وقاومها آخرون بالوعظ والفتاوى، وقاومها غيرهم بالتكفير والعنف والإرهاب،
مما أدى إلى سقوطها في النهاية، بعد أن فشلت الدولة في فرض نفسها على الواقع، أو
تغير ثقافة المجتمع تغييرا جذريا، ولم تجد لمقاومة الفكر الإسلامي سوى تدمير الإنسان
المصري بالفحش والعري والتفاهة، ظنا منها أن إضعاف مناعته الدينية سيقوي الدولة
العلمانية، لكن ما حدث هو العكس تماما، فانتشار الفساد الأخلاقي وضعف الضمير دمر
الدولة كلها، فلم تتحول مصر الحديثة في يوم من الأيام إلى دولة مؤسسات ودولة
قانون، ولم تنجح لدينا أي تجربة استوردناها من الغرب، كالبنوك والاقتصاد والصناعة
والتعليم الغربي والجامعات والإعلام... إلخ.
والمشكلة الآن أن المنحنى انقلب، لكننا سنعيد
نفس الدورة بالمعكوس: فالآن تظهر الجمهورية الإسلامية إلى الوجود، في ظل رفض
علماني ونصراني لها، مضافا إليها فلول المنتفعين من النظام السابق، وشريحة ممن تم
تجهيلهم إعلاميا وتعليميا.. وهم لا يشكلون الأغلبية، لكنهم كافون تماما لبث الفوضى
وتعطيل الدولة، وتشكيل جماعات عنف وإرهاب ستحتاج إلى عقود من القمع الأمني
والمراجعات الفكرية، وأفلام من نوعية "الإرهابي" لكنها تتكلم عن
العلمانيين هذه المرة.... إلخ!
وفي خضم كل هذا، ستسبقنا الدول التي ما زالت متخلفة
حاليا في أفريقيا كما سبقتنا دول آسيا وأمريكا اللاتينية، وسيتغير العالم عشرات
المرات ونحن عاجزون عن إحراز أي تقدم، بينما ما بقي من قطاراتنا تتصادم وتحترق،
وما بقي من سفننا تغرق، وما بقي من عماراتنا تنهار على سكانها، وسيظل آخر فلاح
يبني على آخر قطعة أرض زراعية ليزيد سعر كيلو الخضار المستورد عن سعر آخر كيلو لحم
تم بيعه قبل انقراض الأبقار من مصر، وسيظل آخر عاطل يتظاهر بجوار آخر عانس مطالبين
بحل لمشكلة الدروس الخصوصية التي ترهق ابنهما الذي لن ينجباه أبدا!
أفيقوا يرحمكم الله قبل فوات الأوان!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.