نيل مصر في خطر
(4/6)
ج- حلول تهدف إلى زيادة التعاون بين مصر ودول المنبع
لنتعايش جميعا في رخاء وأمان.. ومن هذه الحلول:
1- شراء أو استئجار الأراضي في دول المنابع وزراعتها تحسبا
لهذا الاحتمال، كما تفعل السعودية والكويت والصين وإسرائيل في هذه الدول!
وعلينا أن نعلم مثلا أن
الإقليم العفري في أثيوبيا يمثل 61% من مساحتها وأرضه خصبة ويسكنه قبائل رعوية
مسلمة تعاني من الفقر والجهل والمرض والجوع والتنصير، فلماذا لا نستثمر أموالنا
بشراء أو استئجار الأراضي هناك لتوطينهم ودفعهم إلى زراعتها من أجلنا، وبهذا نضرب
عصفورين بحجر واحد: نحميهم من الإبادة والتنصير، ونقدم لهم الخدمات الصحية
والتعليمة، ونضمن جزءا من الحاصلات الزراعية التي سيزرعونها لنا؟
أظن أن وضعنا سيختلف
كثيرا لو فكرنا على هذا النحو الإنساني، وسنكسب تعاطف الكثير من الأثيوبيين
والمسلمين في أثيوبيا والدول المحيطة، وسنؤمن لأنفسنا بعض المحاصيل الاستراتيجية
كالأرز والقمح.
ولنذهب أبعد من هذا:
لماذا ننتظر أن تفعل الحكومة المصرية هذا؟
أليس عندنا مستثمرون أو
جمعيات خيرية قادرة على فعل هذا، فتستثمر هناك في الزراعة، وتنقذ المسلمين وتعود
إلينا بالأرز والقمح؟
دعوني أنقل لكم مقالا
نشره إسلام أونلاين في 1/4/2004 للباحثة المصرية سها السمان وهي ناشطة مصرية في
مجال الدعوة والتربية مقيمة بلندن، نفذت هذه التجربة فعلا هناك (لكن ليس من منظور
استثماري أو استراتيجي، بل من منظور خيري وإنساني ودعوي.. فلماذا لا نضيف إلى
تجربتها البعدين الاستثماري والاستراتيجي؟).. هذا هو المقال:
2- لماذا لا نشرع فورا في مد خط سكة حديد من مصر يربطها
بالسودان وأثيوبيا ودول المنبع؟.. هذا الخط سينشط التجارة البينية، فيمكننا حينئذ
أن نستورد منهم قطعان الماشية والحاصلات الزراعية، ونصدر إليهم المنتجات الصناعية
والأيدي العاملة.. هذه البلاد بها أخصب أراضي زراعية، وهي أفضل من أرض مصر المنهكة
والملوثة.. لكن هذا يحتاج إلى خطة ضخمة لتطوير الصناعة المصرية وإنشاء المصانع
القادرة على منافسة الصين.. ولو أنشأنا خط السكك الحديدية، وأنشأنا خطا آخر يربطنا
بدول المغرب العربي، فسيكون من السهل علينا إقناع الشركات العالمية بإنشاء فروع
لها لدينا، لأننا الأقرب إلى أوروبا والشرق الأوسط ووسط وشمال أفريقيا، وهذا سيجعل
منتجاتنا أرخص، وحظنا في المنافسة أفضل من الصين. (لم يبدأ التحرك في هذه
الاتجاهات بالفعل إلا بعد الثورة، ونأمل أن ينجز مرسي خط سكة حديد الإسكندرية -
كيب تاون الذي أعلن عنه)
3- من المهم أيضا أن نعرف أن خطر الجفاف والعطش ليس الخطر
الوحيد الذي يهددنا.. هناك أيضا خطر ارتفاع منسوب بحيرة ناصر عن 180 مترا، وهو خطر
دفع السادات لتنفيذ مشروع مفيض توشكا بعد موجة فيضانات عالية في نهاية السبعينيات،
وفي عام 1996 ملأت المياه بحيرات توشكا لأول مرة، وهي تستطيع تخزين ما يعادل ربع
مياه بحيرة ناصر، أي أنها زادت السعة التخزينية بمقدار 25%.. لكن هذا لا يكفي،
فالطمي يتراكم في قاع بحيرة ناصر منذ أربعين عاما بسبب احتجاز السد له، ومنسوب
المياه يرتفع باستمرار، وفي أي موسم فيضان جارف يتجاوز قدرة منخفضات توشكا على
التخزين، سنواجه خطر انهيار السد العالي، أو خطر الاضطرار إلى فتح بواباته لتصريف
كمية ضخمة من المياه ستدمر مئات القرى والمدن في طريقها!.. هذا معناه أننا في حاجة
إلى سدود في السودان وأثيوبيا للحماية المبكرة من هذا الاحتمال!.. لهذا بدلا من أن
نعلن الوصاية على دول حوض النيل ونحرمها من حقها في الحياة، يجب أن نخطط معها
لنستفيد جميعا، بإنشاء سدود ذات قدرات تخزينية كبيرة، بشرط أن يتم تخزين المياه
فيها تدريجيا بمعدلات لا تؤذينا في السنوات العادية، لتحمينا هذه السدود في سنوات
الفيضانات الغزيرة، ويكون ما تخزنه من مياه في هذه الفترات حماية لأثيوبيا من
مخاطر الجفاف في سنوات القحط.. مثل هذا التخطيط يتطلب معاهدات ولجان رقابة مشتركة،
وقاعدة عسكرية مصرية في أثيوبيا مع مهندسين وخبراء لإدارة وحماية هذه السدود
ومراقبة تنفيذ هذه الاتفاقيات.. وهذا سيجنبنا الحروب ويجنب الجميع مخاطر الموت
عطشا أو غرقا.
4- لماذا لا نسعى إلى إنشاء دولة اتحادية عملاقة تضم دول
حوض النيل؟.. لو حدث هذا، فسيمكننا أن نرسل ملايين المصريين إلى هذه الدول كبعثات
علمية وتعليمية وعسكرية وعمالة زراعية وفنية، لتطوير وتحديث هذه الدول وزراعة
الأراضي الخصبة فيها، وإرسال الفائض من ثروتها الزراعية والحيوانية إلى مصر، وهو
أجدى وأرخص من محاولة استصلاح الصحراء عندنا، كما أنه سينشط التجارة والصناعة
ويوجد تكاملا اقتصاديا بين هذه الدول الغنية بالمعادن والثروات، ويخلصنا من فائض
السكان والبطالة في مصر.. هذه الفكرة الطموح ستصطدم بالتأكيد بمصالح الدول
الاستعمارية في هذه الدول، والتي تسعى إلى تأجيج الصراعات القبلية والطائفية فيها
للعمل على تفتيتها (كما حدث في السودان ورواندا وبروندي، وفي كل هذه الدول عامة)..
وهو أمر يحتاج إلى إرادة سياسة ووعي من شعوب هذه الدول، وهذا يبدو حلما بعيد
المنال حاليا، ولا أظن أن هذا الحل سيكون مطروحا قبل أن تبدأ المجاعة في مصر،
وتبدأ الهجرة الجماعية إلى السودان!! (قدر الله أن تقوم ثورات الربيع العربي بعد
كتابتي لهذا الكلام بعام ونصف.. فهل يمكن أن تمنحنا هذه الثورات الأمل من جديد في
التوجه نحو التكامل والاندماج بين دول المنطقة؟)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.