أهم أقسام المدونة

الصفحات

الجمعة، 19 ديسمبر 2014

التصميم المثالي


التصميم المثالي 

وأنا أشاهد فيلم Man of The Year الذي يدور حول مقدم برنامج سياسي ساخر (يقوم بدوره الممثل الأمريكي الكوميدي Robin Williams) ينجح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بسبب خطأ في برنامج التصويت الالكتروني، استوقفتني سخريته من نظرية التصميم الذكي، قائلا ما مضمونه:

- انظروا إلى أجسادكم.. هل يبدو لكم هذا جسدا ذكيا، ومناطق الإخراج فيه قريبة من منطقة التناسل؟!

لي عدة ملاحظات على هذا الكلام:

-      من الواضح أن النقاش حول نظرية التصميم الذكي تجاوز النطاق الأكاديمي والصحف المتخصصة، ليصل إلى استغلالهم لفيلم شهير في محاولة تشويهها، مما يعني أنها تشكل خطرا حقيقيا عليهم وتلقى قبولا شعبيا!

-      ما دام هذا الجسم غبيا، لماذا تثق في عقلك الذي يدرك هذا الإدراك الغبي ويسأل هذه الأسئلة الغبية؟.. لماذا أبدعت الصدفة في تصميم عقلك، وأخطأت في تصميم مؤخرتك؟.. ألا يطرح هذا مبدأ الشك في الوعي والإدراك والعقل نفسه، وبالتالي لا يصير لأي شيء معنى؟.. إن إدراكنا للعقل يتم بالعقل نفسه، وبالتالي لا يوجد مرجع خارجي محايد نحتكم إليه، لهذا من الطبيعي أن يظن كل إنسان نفسه أذكى إنسان في العالم، حتى لو كان في أقل المهن مكانة، فإنه يظن أنه كان يستحق أفضل من هذا، لكن الحظ أو الواسطة أو فساد المجتمع هو الذي حرمه من المكانة التي يستحقها!!.. وبالتالي لا يكفي اقتناعنا باكتمال عقولنا كدليل على كمالها، لهذا فإن الإيمان بالتصميم الذكي هو إيمان بديهي مجبر عليه حتى الملحدون وأتباع داروين، لأن كل ما يدركونه في الحياة وكل ما يدعونه من علم وكل ما يتكلمون به من منطق، مبني على ثقتهم في عقولهم بالأساس، وهذا شيء لا تضمنه لهم الصدفة!!

-      في الفيلم (كما في كثير من الأفلام الحديثة) كلام عن الشواذ وزواج الشواذ.. ليست لديهم أي مشكلة في تلويث الأعضاء التناسلية بالبراز باسم حرية الشواذ، لكن لديهم مشكلة في تقارب الموضعين في التصميم!!.. الأفلام الحديثة تعمل على تطبيعنا على الشذوذ، كما عملت الأفلام طوال نصف القرن الماضي على تطبيعنا على الإباحية!

-      لفت سؤاله نظري إلى دليل آخر من الأدلة التي لا تُحصى حول إبداع التصميم الإلهي، لأني حاولت تخيل أي بديل لمواضع الإخراج والتناسل في الجسد البشري، فلم أتوقف عن الضحك مع كل تخيل منها!!.. لا يوجد موضع آخر في الجسد مناسب لهذه الأجهزة .. طبعا لا يمكن في الرأس (سيكون مزريا جدا أن يدخل المرء برأسه في الحمام ليخرج الفضلات.. من المتوقع ساعتها أن يكون الحمام الإفرنجي على هيئة خطاف ينزل من السقف، ليعلق الإنسان رجليه فيه في وضع رأسي مقلوب لقضاء حاجته :) !!.. وطبعا ساعتها كان المذيع في هذا الفيلم سيقول إن هذا التصميم مقرف، لأن مواضع الإخراج قريبة من الفم والأنف!!.. كما أنها لا يمكن أن توجد في الصدر أو الظهر بسبب القفص الصدري والهيكل العظمي، ولا في الساقين لأن ذلك سيعيق الاتزان والحركة، فعظام الساقين وما يحيط بهما من عضلات وأربطة لا تسمحان بوجود أي أعضاء حيوية، كما أن تركز وزن الجسم وقوة الدفع اللازم للحركة والجري في الساقين سيؤذي أية أعضاء توجد فيهما، لهذا لا توجد أية أعضاء وظيفية في الأطراف غير العضلات.. ناهيكم عن أن وجود أجهزة الإخراج في الساقين أو القدمين يستلزم مد أنابيب طويلة من الجهاز الهضمي والبولي عبر الساقين وهو غباء في التصميم غير كفء.. إذن، فتصميم الهيكل العظمي لا يترك أي مساحة مناسبة وعملية ولا تعيق التوازن والحركة إلا منطقة البطن، وهذه المنطقة تشمل المعدة وباقي أعضاء الجهاز الهضمي والبولي والتناسلي، ونظرا لأنها تشغل حيزا كبيرا وتستوعب عدة أمتار من الأمعاء، فهذا يجعل موضع أعضاء الإخراج والتناسل في منطقة الحوض هو المكان المنطقي الوحيد، الذي يجعلها محمية وعملية ولا تعوق الحركة.. ولو كان هناك أي عيب في هذا التصميم، لما كان هناك 7 مليارات إنسان على وجه الأرض الآن، وترليونات غيرهم عبر التاريخ!

-      لا تستغربوا من هذا الكلام، فالملحدون والعلمانيون لا يفكرون إلا بأعضائهم التناسلية، لهذا هم يكررون دائما الاستدلال بموضوع الإخراج والتناسل، وسبق أن سألني أحدهم في حوار عبر المنتديات عن وجود مجرى مشترك للبول والمني في الذكور، وأنه تصميم معيب لأنه يتسبب في التهاب البروستاتا عند أي خطأ في تنظيم هذه العملية.. ومن وجهة نظره هذا تصميم فاشل نتج بالصدفة العشوائية!!.. طبعا هذا كلام ساذج، لأن تصميم مجرى واحد يؤدي وظيفتين مختلفتين هو تصميم هندسي أكثر تعقيدا من تصميم مجريين مختلفين (يستهلكان مساحة أكبر)، وحدوث مرض في البروستاتا هو أمر نادر في البشر، ويحدث عند كبار السن ضمن أمراض الشيخوخة، وبالتالي لا يخرج احتمال حدوثه عن احتمال إصابة أي إنسان بأي مرض في أي عضو من أعضاء جسمه، ولو أنه خلل في التصميم، فكان الأولى به أن يؤدي إلى انقراض البشر لأنه يجعلهم غير ملائمين للحياة كما تفترض آلية الانتقاء الطبيعي التي تدعيها خرافة داروين!.. لكن كما ترون: لا غضاضة أن يستدل الملحد بفرضية تخالف النظرية التي يدعي صحتها، لكي يدحض نظرية تخالف إلحاده!

 

الخلاصة: تصميم الجسم البشري هو التصميم المثالي، وأي جنين يولد به اختلاف ولو طفيف عن هذا التصميم بسبب مشاكل أثناء الحمل كالتعرض لتلوث إشعاعي أو كيميائي، أو بسبب عيب وراثي، نسميه مشوها، لأنه يعجز عن أداء نفس الوظائف التي نؤديها بهذا التصميم المثالي.

 

بالمناسبة: انتحر Robin Williams في شهر أغسطس الماضي.. النهاية الأكثر توقعا لأهل التمثيل والغناء والرقص والفحش، بجانب الموت بالسرطان!.. ليس غريبا هنا أن يكتئب الممثل الكوميدي الذي ظل يضحك الناس طوال حياته، ويشنق نفسه في النهاية!!

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.