أهم أقسام المدونة

الصفحات

الجمعة، 13 نوفمبر 2015

عمو 5


(5)
مفاجأة 

"حظّك اليوم:

تقابلين غريبا تبحثين عنه منذ سنين، وتتركين قلبك معه في حقيبة سفر، وترحلين".

طالعت (هالة) من بين دموعها هذه الرسالة الدعائية على هاتفها المحمول، قبل أن تقذفه على فراش غرفتها هاتفة بسخط:

-      لقد قابلته بالفعل.. قابلته وليتني ما فعلت!

وانفجرت تبكي بحرقة!

***

"حظك اليوم:

لا تطاردي السراب للأبد.. قد تكون الإجابة أقرب إليك من بحيرات الوهم".

كررت أروى العبارة عدة مرات، قبل أن تعيد الهاتف إلى هالة وهما تقفان في ساحة الكلية، قائلة:

-  لا تبدو لي عبارة ذات مغزى.. هذا كلام يدأب النصابون على كتابته لخداع السذج.. (وحدجتها بنظرة جانبية) هل بدأت تصدقين هذا الكلام الفارغ أيتها العبقرية؟

قالت هالة بحيرة:

-  وماذا عن: "تقابلين غريبا وتتركين قلبك معه"؟.. أنا لا أؤمن بخرافات الأبراج، ولكني أيضا لا أميل لتفسير كل شيء بأنه مصادفة.

-      إمم.. هل حاولتِ معرفة المرسل؟

-  كان هذا طبعا أول شيء أفعله.. لكن الرقم يبدو غريبا ولم تفلح محاولة الاتصال به!

-      وما وجه الغرابة في الرقم؟

-      لا يصلح أساسا كرقم هاتف محمول من مصر.. يبدو لي كرقم من دولة أخرى.

-  ربما كانت الرسالة مرسلة عبر خدمة الرسائل القصيرة المجانية من إحدى خدمات الإنترنت.. يبدو أن أحد المواقع يرسل هذه الرسائل للدعاية، وسيرسل في رسالة قادمة عنوان الموقع ويطلب تسجيل عضويتك فيه.. بعد عدة رسائل سيصدف أن يجد معظم المستقبلين بعضها أو إحداها تتشابه مع بعض مواقف حياتهم، خاصة مع عباراتها الفضفاضة الموحية.. هذه حيلة لا تخيب أبدا مع النصابين وضاربي الودع!

نظرت لها هالة بارتياب قائلة:

-      أو أن أحدا يعرفني ويعرف موضوع الغريب هذا، قد قرر أن يُعابثني!

ضحكت أروى قائلة:

-  يا إلهي.. لقد أصابك جنون الشك!.. لا يا أستاذة "عاقلة".. لن أصل بدعاباتي السمجة معك إلى هذه الدرجة.. انفضي الفكرة عن رأسك سريعا أرجوك.

زفرت هالة، وهزت رأسها كأنها تنفض الفكرة بالفعل!

وهمست أروى:

-      المهم الآن ماذا ستفعلين؟

-      فيمَهْ؟

-      في موضوع (عمّو).

-      لا شيء.. لا يوجد ما يمكن فعله.

-      بل يوجد حل بسيط.. عودي اليوم إلى بلدتك بالقطار.

نظرت لها هالة باستنكار، فواصت غير عابئة بنظرتها:

-      وأنا متأكدة أنه سترينه.

-  (بغيظ) وما جدوى هذا يا نابهة؟.. لو كان الأمر يعنيه لما تركني أمضي حزينة دون أن يسألني عن شيء.

-      لكنه سألك إذا كنتما ستلتقيان مرة أخرى.

-  وحينما أجبته بالنفي لم يعترض.. من الجلي أنه لا يراني أكثر من فتاة يستمتع بالحوار معها.

-      أظن الأمر أكثر من هذا.. وإلا فما مغزى كلامه عن التقاء الغريبين؟

تحيرت هالة لحظة، قبل أن تزفر قائلة بيأس:

-  لا أدري.. لا أدري ولا أهتم.. لو كان الأمر يعنيه، لكان اتخذ أي خطوة إيجابية.

-      ربما فاجأه الموقف ولم....

قاطعتها بحسم:

-  أريحي نفسك يا أروى.. الأمر محسوم بالنسبة لي، ولن أقدم على أي خطوة تحرجني أمامه بلا طائل.. لقد اختار القدر لكل منا طريقه وانتهى الأمر.

كانت كلماتها قاطعة، حتّى إن أروى هزت رأسها بقلة حيلة، ولم تعقّب.

لقد قال القدر كلمته.. فأي كلام يقال بعد هذا؟!

***

ظلت رسائل "حظّك اليوم" تتوالى إلى جوّال (هالة) بشكل يومي:

* فارسك بجواد مجنح.. وقد رحل مع شعاع الغروب.

* لا فرح يدوم ولا حزن يدوم.. لكن الحب الصادق يدوم.. للأبد.

* تحب المرأة بأذنيها ويحب الرجل بعينيه.. لكنكما لستما أي رجل وأية امرأة!

* هناك شجن بداخلك، ولكنه خفيف كالهيليوم، يجعلك تحلقين في عالم الخيال بعيدا عن أرض الواقع.

* يفكر فيك دائما كما تفكرين فيه دائما.. المسافات لا تهم.

* تقابلينه يوما ما.. حينها لن تفترقا من جديد.

* الحب كالضوء لا نمسكه بين أصابعنا، لكنه ينير عيوننا وبصائرنا.

* هناك امرأة أغلى من الذهب، لهذا لا يلفت انتباهها كثيرا.

* تحبينه لكنك لا تعرفين شعوره نحوك.. أعملي عقلك قليلا.. أو على الأقل اسألي قلبك.

* لا تتركيه لامرأة أخرى.. أنت لم تستسلمي من قبل!

***

أقصت هالة هاتفها المحمول جانبا، وتنهدت قائلة:

-      وحتى لو لم أستسلم.. ماذا أفعل؟!

كانت تساؤلاتها حول تلك الرسائل اليومية تزداد، خصوصا وأن كل رسالة كانت تلمس وترا ما في نفسها.

لكنها في النهاية قررت ألا تشغل بالها بمصدر هذه الرسائل، مكتفية بالعيش مع مضمونها!

***

* تقاطع الدربان يوما فالتقى الغريبان ساعة.. ثم واصل كل منهما دربه المرسوم في صفحة الأقدار.

* هناك قلوب تشعر بنا وتدعو لنا وترعانا، حتّى وإن فصلتنا عنها المسافات.

* هناك غريب يهواك، لكنه يخشى أن يخطف أحد قلبك قبل أن يعود إليك من غربته!

تنهدت هالة بعد مطالعة هذه الرسالة قائلة:

-      لقد حاول بعضهم.. لكنهم لم يجدوا قلبي في موضعه!

***

* يبحث الشعراء عن جمال عينيك.. ويبحث الحكماء عن روعة عقلك.. وأنتِ عن أي شيء تبحثين؟

* الحلم عالم لا يعرف المستحيل.. فلا تتخلي عنه بسهولة.

* هناك أشخاص نقابلهم لدقائق، لكنهم يعيشون فينا لآخر العمر.

* من يحبك حقا، لا يمكن أن يتخلى عنك ببساطة.. حتّى وإن كان كل شيء يوحي بعكس هذا.

* تنتظرك اليوم مفاجأة.. هل تحبين المفاجآت أم تتوجسين منها؟

قالت لنفسها بشرود:

-      أحب المفاجآت.. أي شيء يكسر رتابة الأيام.

ثم نفضت شرودها وقالت بسخرية:

-      ماذا دهاني؟.. هل استحوذت عليّ هذه الرسائل فصرت أصدقها أم ماذا؟

***

رنّ جرس هاتفها المحمول، فاعتدلت في فراشها، ونظرت إلى الرقم الذي تعرضه شاشته.

لم يكن مسجلا لديها، ولم يبد لها مألوفا، ففكرت بأن تغلق الهاتف لتخلد للنوم، لكن فضولها الأنثوي تغلب عليها، ودفعها لتفتح الخط.

-      مرحبا.. من معي؟

أجابها الصمت لحظة، قبل أن يقول محدثها:

-      رجل غريب بحث عنك طويلا.

قفزت نبضات قلبها إلى الذروة، وهتفت بلهفة:

-      عمّو؟!

وكانت مفاجأة مذهلة بالنسبة لها بكل المقاييس!
       *** 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.