أهم أقسام المدونة

الصفحات

الخميس، 19 نوفمبر 2015

العبء الذهبي


العبء الذهبي 

سألَتْهُ في قلق:

-      تبدو مهموما.. ما بك؟

أجابها بشرود:

-      آه.. إنه الوجد.

-      تحب إذن؟

ابتسم متنهدا.. فقالت:

-      هل أسألكَ سؤالا؟

-      سلي.

-      (بتهيب) لماذا لم تخبرها حتّى الآن؟

-  لأنها تثير غيرتي عليها.. يكلمها هذا على الهاتف، ويوصلها هذا إلى محطة الحافلات.. هذا رغم أنّها تعرف جيدا أني رجل غيور.

-      هل رأيتَها قَطُّ تفرّطُ في أخلاقها، أو تتصرف بميوعة مع أي رجل؟

-  لا.. لكنها تعرف جيدا صورة المرأة التي أريدها.. ولو لم تكن تعرف، فهي إذن لا تعرفني!

-      ولو توقفت عما يحنقك.. فهل ستخبرها؟

-      إنها عنيدة.. ربما لا يكون الأمر بسيطا.

-      لو كانت تحبّك، فستكون عنيدة مع كلّ البشر إلا أنت.

-      لعلها.

-      فحينئذ ستخبرها؟

-      لا أدري.

نظرت له بتعجب، فأوضح:

-      لن تكون حياتُها معي سهلة.

-  لماذا أنت مستبدّ هكذا؟.. لماذا تريد دائما أن تقرّر كلّ شيء بمفردك؟.. هلا تركتَ لها الحكم على هذا؟

-      ربما... لكني ما زلت أحتاج وقتا!

-      لو كنتَ تحبُّها فعلا، فلن تنتظرَ طويلا.

***

سألها مبتسما:

-      أطلب منكِ شيئا؟

سألته بفضول:

-      ما؟

-      أريد مقابلة والدكِ.

-      (وقلبها يخفق) والدي؟.. لماذا؟

-      هذا كلام رجال، لا نحبذ أن تتدخل فيه النساء.

-      (بدلال) ألا رأي للنساء فيه؟

-      حينما ينتهي كلام الرجال، سنسأل النساء عن رأيهنّ.

-      ولكن.. ماذا أقول لوالدي؟

-  قولي له: هناك شاب يريد أن يشكرك من كلّ قلبه، على شيء ثمين قدّمتَه للحياة.

-      وكيف ستعرف بالموعد؟

-      سآخذ رقم هاتفكم.

-      أليس هذا ضد مبادئك؟.. ألست ترفض أن تعطي الفتاة هاتفها لأحد؟

-  إنّني سأكلم والدها.. وحينما أكلمها فسيكون بعلم والدها ووالدتها.. ولن يستطيع أيّ شخص في الدنيا أن يعترض.

***

سألَتْه بشغف:

-      هل ما زلتَ تحبني؟

أجابها برقة:

-      أكثر مما كنتُ أظن!

-      (باستنكار) تظن؟!

-      لقد أعدتُ اكتشافكِ بعد أن صرتِ على مرمى خفقة قلب.

-      وماذا اكتشفت؟

-      (مداعبا) أنني كنتُ أحمق!

زمت شفتيها بغضب تمثيلي، فقال ضاحكا:

-  أعني أنني كنت أحب ما تخيلتُه عنك، فاكتشفت أنكِ أجمل بكثير من كل تخيلاتي.

ابتسمت بسعادة، قبل أن تقول بجدية:

-  لقد فقدتَ جزءا من حريتكَ.. أعرف أنك متمرد تخنقكَ القيود، مهما كانت جميلة.

-      أنتِ جزء من حريتي وتمردي.

-      كيف هذا؟

-  لقد اخترتُكِ بإرادتي.. أنا لم أختر أهلي وشكلي، ولا اسمي وجسمي، ولا وطني وزمني، ولا عقلي وقلبي.. لكني اخترتُكِ أنتِ.. أنتِ.. وكل اختيار تتبعه بالضرورة مسئولية.. وجدارتي بحرّيتي أن أتحمل مسئوليتي.

-      (ممازحة) مسئولية!.. هممم.. إذن فأنتَ تشعر بأنني قد صرت عبئا عليك!

-      (ممازحا) نعم.

لكزته في كتفه برفق، فقال بشغف:

-  لكنه نفس العبء الذي يشعر به رجل يحمل كيلوجراما من الذهب.. لا يتعبه حمله بقدر ما يتعبه خوفه عليه من أطماع الآخرين!

واحتضن يدها في كفّه بقوة، ليشعرها أنه يحتضن أثمن كنوزه، فغمرها شعور بالأمان والدفء والحب.

سألها باهتمام:

-      وأنتِ؟

-      ما لي؟

-      لقد تغيرتِ من أجلي.. هذا قيد.

-      بعض القيود تجعلنا أفضل، وتضعنا حيث ننتمي ونتمنّى أن نكون.

-      (ممازحا) إذن فهو قيد؟

-      ربما.. لكني لم أشعر أنه كذلك!

-      (ضاحكا) أما أنا فشعرتُ أنه كذلك!

-      (مقطبة جبينها بغضب مفتعل) يا سلام؟!!

-      احم.. أعني القيد في دفتر المأذون بالطبع!

وضحكا معا في سعادة، وأصابعهما تتشابك رمزا للقيد الأبدي الذي يربط بينهما.

 

محمد حمدي غانم
بدأت عام 2004
وانتهت يوم 19/11/2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.