أهم أقسام المدونة

الصفحات

الاثنين، 11 يناير 2016

عيناها


عيناها
(حوارية مُرصّعة بالشعر) 

نظر في عينيها النجلاوين مشدوها وأغرق في الصمت.

سألته بخجل وحروفها السكّرية تتهشم على شفتيها بدلال أنثوي أخاذ:

- لماذا تنظر لي هـ...؟

قاطعها بوضع أنامله على شفتيها هامسا:

-      اتركيني أستمع للقصائد التي تقولها عيناك.. أرجوكِ.

أشرقت ملامحها بابتسامة دهشة، مخضبة بحمرة خديها، وحاولت أن تقهر جرأة عينيه بنظراتها، فأذهلها حبهما الجارف، ولم تجد بدا من الهرب بعيدا قبل أن تضيع في عالمهما بلا رجعة، فأسبلت ليل أهدابها على بدرَيْ عينيها بحياء آسر، وأطرقت على سر مذاع، فمس ذقنها بأنامله ورفعها برقة ليجبرها على النظر في عينيه من جديد وهو يقول معاتبا:

-  لماذا تصرين على أن تخبئي أجمل قصائدك عن عيني؟.. دعيني أستمع وأستمتع.

نظرت في عينية بشغف، وسألته بدلال متلعثم بالخجل:

-      فماذا تقول عيناي؟

-     أنا سرُّ سرِّكَ، في فضولٍ تَشتهي عيناكَ بَوْحي

كفراشتينَ تُراودانِ تَوَرُّدي عن فَجْر فَوحي

دعْني فماذا تبتغي عيناكَ يا فَرْحي ونَوْحي؟

كيمامةٍ قلبي أصبتَ، فكيفَ هُنتُ وأنتَ دَوْحي؟

-      عيناي تقولان هذا؟

-      وأكثر.

-      فماذا أيضا؟

-     الحبُّ أحلامٌ وبعضُ غُرورِ

ومغامرٌ يجتازُ حدَّ عطوري

ويقبّلُ البدرينِ غيرَ مُذَمَّمٍ

ومُقدِّمًا في مقلتيهِ نُذوري

يا أينَ أهربُ من حصارِ فُتونِهِ

والشوقُ يأسرُ في سماهُ طيوري؟

-      يا لعينيَّ من خائنتين!.. أتقولانِ كلَّ هذا؟

-      وأكثر.

-      فماذا أيضا؟

-     لا تسألَنْ، أنتَ الإجابةُ، والسؤالُ كذاكَ أنتْ

ماذا يُفيدُكَ بَوحُ قلبٍ أنتَ في دَمِهِ سكنْتْ؟

أتُراه يُرضيكَ ارتجافي؟.. هلْ رفقتْ بقلبِ بنتْ؟

ما ذُقتُ قبلَكَ لوعةً، قالَ الهَوَى كوني فكُنتْ

-      حكيمتان هما عيناي، فخذ بحكمتهما.

-      ومراوغتان.

-      إنهما تستعطفانِ أن تدعهما وشأنهما.

-      ليتني أقدر!

-      أهما بكل هذه السطوة؟

-      هما كذلك يا مغرورة.

-      أنت سبب اغتراري.

-      أنا؟

-      لا أحد ينظر لأنثى هكذا ولا تغتر.

-      إذن فلن أنظر.

-      هل نفدت قصائد عينيّ أم اكتفيت؟

-      لا ولا.. ولكن كي لا أزيدك غرورا.

-      سأزيدك أنا غرورا.. قل لي ماذا تقول عيناك؟

-      ألا تسمعينهما؟

-      بلى.. لكني لا أجيد لغة الشعر.. فترجم لي.

-     الصمتُ أنّةُ عاشقٍ إنْ غِبتِ عذّبَهُ الجَوَى

سلواهُ بضعةُ أحرفٍ مِن فيكِ باحتْ بالهَوَى

أمسى لفرطِ تعلُّقٍ طفلا يخافُ من النَّوَى

فأرادَ ضمَّكِ، هلْ عذرتِ فؤادَهُ عما نوى؟

-      يا له من قلب مسكين!

-      يحتاج للعطف والحنان.. أليس كذلك؟

ضحكت بعذوبة، ثم سألته مراوغة:

-      ما زلتُ أسمع عينيكَ تقولان شيئا.

-      تقولان الكثير.

-      فخبّرني ببعضه.

-     منتهَى عشقي صراحةْ ... أنتِ للظمآنِ واحةْ

أنتِ للحيرانِ رُشدٌ أنتِ للملهوفِ راحةْ

لم يَعُدْ للقلبِ سِرٌ حينَ بالعينينِ باحَهْ

هكذا، ما احتاجَ شِعرا أو بيانا أو فصاحةْ!

مُذْ رأتْ عيناكِ قلبي قرّرتْ ثَمَّ اجتياحَهْ

واختيالُ الهُدبِ أضحى مُطلقًا صوبي رماحَهْ

تاركا دُنيايَ فوضى مُرسلا فيها رياحَهْ

يا إلهي!.. ما دهاني؟.. إن ذاتي مستباحةْ

كلّما أزمعتُ صبرًا أَبرمَ الشوقُ اكتساحَهْ

إن أرادَ العقلُ بُعدًا سفّهَ القلبُ اقتراحَهْ

وَيْكِ مَنْ أغويتِ قلبي: أطلقي حالا سراحَهْ

أو فضمّيني إليكِ الآنَ غنّي في سماحةْ

إنني سلّمتُ نبضي .. كلُّ أحلامي متاحةْ

خشعت أنفاسها مبهورة، وهي تهيم في عالم كلماته، قبل أن تسأله بدلال:

-      هل لي أن أقول شيئا.

-      نعم

نظرت في عينيه بجرأة، فغرق في جمالهما إلى أعماق سحيقة..

وصمتت..

وسمع..

سمع كل ما أرادت قوله..

وأكثر.

ولكن للأسف، عجز الشعر عن ترجمة ما سمع، فقد كان خارج حدود الكلمات!

 

محمد حمدي غانم

11/1/2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.