أهم أقسام المدونة

الصفحات

الخميس، 6 أكتوبر 2016

إذا عرف السبب، زاد العجب


اثنان في واحد (ليس برت بلاس)

 (12)

إذا عرف السبب، زاد العجب

اختنق الدخان في حلق أحمد لحظة وهو يحدق في وجه محمد حمدي الآخر، قبل أن يسعل بقوة ويهتف بمرح:
-      هييه.. أوكازيون!
أما أنا فقد احتجرت إلى عرين الصمت مذهولا، فرأيت آثار المعركة التي خاضها غطاطي هناك.. كانت مفاجأة عنيفة أن أرى نفسي من خارجي بدون مرآة، حتّى إنني جلست لأستريح لبرهة، لكن اللبؤة (وهي زوجة الأسد على سنة الله، لا أقصد طعنها في شرفها لا سمح الله، لكن هذا هو اسمها في اللغة العربية) اقتحمت عرين الصمت فجأة، وعيناها حمراوان من فرط الغضب لزوجها (أصيلة فعلا بنت اللبؤة، بعيدا عن إيحاءات العامية المصرية)، فتراجعت في هلع وأنا عاجز عن النطق، حتى اصطدمت بالسرير من خلفي (لا تنسوا أن عرين الصمت أكبر بكثير من جحر الفأر الذي نعيش فيه في المدينة الجامعية)، فسندني أحمد عزيز هاتفا لينقذني من عرين الصمت:
-      اثبت.. لن أسمح لك بالإغماء الآن بعد أن ورطتنا في كل هذا!
قلت باستنكار:
-  أنا؟.. هذه تهمة حقيرة، وأنت أكثر من يعرف أنني لم أفعل أي شيء على الإطلاق!
أشار إلى محمد حمدي الآخر ساخرا:
-      انظر لنفسك يا أستاذ لتعرف ماذا فعلت.
-      بريء يا عالم.. والله لم أفعل شيئا.. هذا ظلم.
تنحنح محمد حمدي الآخر، قائلا:
-  بل فعلت.. قصدي ستفعل.. وربما يكون من الدقيق في حالتنا هذه أن تقول: ستكون قد فعلت، أو باختصار: سَفَعَلْتَ!
قهقه أحمد بجنون قائلا:
-      نعم نعم.. هو من سَفَعَلَها.. لقد توقعت له مستقبلا مبهرا منذ عرفته!
صحت بغضب:
-      اخرس وإلا سَفَعـْتُ بناصيتك عبر النافذة!
-      بانج نانج تشونج.. لع لا يمكن.. "سفاعة" الحظ لا تعوض!
قال القارئ المفقوع في ملل:
-      هل سنمضي الليلة كلها في هذه الألعاب اللفظية "السعيفة"؟
صحت فيه أنا وعزيز في نفس اللحظة:
-      اخرس.
وتذكرت شيئا هاما، فقفزت ناحية محمد حمدي الآخر، وجذبته إلى داخل الغرفة، وأنا أنظر عبر الممر يمينا ويسارا، قبل أن أغلق الباب بالمفتاح وأسأله:
-      هل رآك النماس؟
-      لا.
-      رائع.. لا بد أن الزحام في الممر الآخر منعه عن رؤيتك.
-      صحيح.. ما سبب هذا الزحام؟
-      النماس الوغد افتتح سيركا ويعرض فيه محمد ولي وشبيهه بتذاكر!
-      يا إلهي.. الحمد لله أنه لم يرني.
قلت بجشع:
-      الحمد لله أنني رأيتك.. فلدي خطط استثمارية ممتازة لي ولك.
وانتزعت ورقة وقلما من فوق مكتب أحمد عزيز، وصحت فيه بصرامة:
-      وقع ها هنا.
نظر للورقة الفارغة بتعجب، وسألني:
-      علام أوقع؟.. إنها ورقة بيضاء.
-  لا تقلق.. سأكتب بنود العقد لاحقا.. المهم أن توقع الآن قبل أن يقتحم علينا النماس الغرفة من النافذة أو من تحت عقب الباب!
وقع بأحرف قلقة، فانتزعت الورقة قائلا بانتصار:
-      الآن يمكننا التفاوض أيها النماس.. ولنرَ من منا الدمياطي الحقيقي.
قال محمد حمدي الآخر وأحمد عزيز في نفس اللحظة:
-      النماس طبعا!
أين أنت يا ناني في مثل هذه اللحظات؟
***
بعد اختفاء محمد ولي الآخر، قرر محمد حمدي الآخر تجربة البرنامج بنفسه، فتكرر ما حدث معه!
سألته بفضول:
-      وما كنه ذلك البرنامج العجيب؟
-  لا أدري.. إنه مجرد برنامج بسيط لحساب دالة المضروب Factorial بطريقة ارتدادية Recursive، ويبدو أنني أخطأت كالعادة في وضع شرط التوقف، فدخل البرنامج في دائرة لا نهائية.
-  لكن من المفروض أن يسبب هذا خطأ في البرنامج بعد تجاوز مساحة الذاكرة Overflow.
-  هذا صحيح، لكنه لم يحدث.. أظن أن المشكلة في الحاسوب نفسه وليست في البرنامج.
-  هل تقصد أنه ليس حاسوبا عاديا، وأنه يحتوي على دوائر إضافية تسبب تشوهات في الزمكان؟
-  ربما.. لقد فكرت أنه قد يحتوي على بعض ذرات من المادة المضادة داخل دوائره.. لعلها وصلت مع نيزك أو ما شابه.
-      لكن المادة المضادة تنفجر إذا التقت بالمادة العادية.
-  لست مقتنعا بهذا.. فذرات المادة متعادلة كهربيا، وكذلك ذرات المادة المضادة، بسبب توازن عدد الالكترونات والبروتونات.. لا أظن أن أي تفاعل سيحدث بينهما بدون عوامل مؤينة، أو محفزة!
-      اممم.. لا أدري.. ربما.
كان أحمد عزيز يتابعنا بانبهار صامت، مكتفيا بقتلنا بدخان سجائره، فسألته مشاغبا:
-      ألن تقول لازمتك الشهيرة عن برت بلاس؟
-  نعم ولم لا.. 4×2 لا يساوي 8، بل اثنين من برت بلاس!.. أجمل لقطات فيلم عودة النذل والسيرة الذاتية لحكيم المريخ معا!
-      أشكرك.. كنت أشعر أن شيئا ما ناقصا.
-  المهم الآن.. ماذا سنفعل في النذلين الجديدين؟.. قصدي القادمين من المستقبل.. هل سنأخذ برأيي ونقتلهما وننهي المسألة؟
صاح محمد حمدي الآخر بفزع:
-      تقتلوننا؟
سارعت لتهدئته:
-      لا تراعِ.. أنت تعرف طريقته السمجة في المزاح.
-      بانج نانج تشونج.. لع.. لم أكن أمزح.
تجاهلته وأنا أسأل محمد حمدي الآخر:
-  هل لديك حل لعكس هذه العملية؟.. هل تظن أننا قد نفهم ما الذي يفعله هذا الجهاز ونعدله و....
قاطعني مقهقها:
-  نفهم ونعدل؟.. هل صدقت أننا في كلية هندسة حقيقية أم ماذا؟.. يا عزيزي إننا سنتخرج دون أن نفعل أي شيء بأيدينا غير حل المسائل!
أحبطتني إجابته، ولم أجد ما أجادله به، فقلت بحزن:
-      صدقت.. لكن ما العمل؟
-      لا شيء.
-      لا شيء؟
-      نعم لا شيء.
-      أي شيء؟
-      أي شيء!
-  لكننا لن نستطيع البقاء كشخصين مزدوجين في هذا العالم.. سيسبب هذا الكثير من المشاكل.. أقلها أن أبي لن يستطيع أن ينفق عليك وعلي في نفس الوقت!.. إنه مجرد موظف حكومي كما تعرف!
-      لا تقلق.. الموضوع لن يطول عن أسبوع واحد.
نظرت له بفضول وأسرع أحمد يسأله بلهفة:
-      كيف.. لماذا؟
ابتسم قائلا لي:
-  لأنك بعد أسبوع واحد من الآن، ستذهب أنت ومحمد ولي الأصلي لتجربة البرنامج.. سنعطيكما البرنامج والوقت والتفاصيل الدقيقة، وستكرران ما حدث بالضبط.
هتفت بانبهار:
-      مدهش.
حك أحمد رأسه قائلا بغباء:
-      هل يمكن الترجمة هنا.. لست من عشاق الخيال العلمي مثلكما.
قلت شارحا له:
-  سنحافظ على تناسق الخط الزمني.. إن محمد ولي ومحمد حمدي الآخرين هنا لأنهما جربا البرنامج.. وهذا يعني أن عليّ أنا ومحمد ولي أن نفعل المثل في نفس التوقيت من الأسبوع القادم، حتى نعود إلى الماضي، بينما يواصل محمد ولي ومحمد حمدي الآخرين الحياة معكم بدلا منا!
نظر لي ببلاهة، قبل أن يقول:
-      لع.. لا أفهم.. وماذا سيحدث لكما بعد أن تعودا إلى الماضي؟
-  سنقابل نفسينا، وتتكرر هذه الأحداث، ونقترح على محمد ولي ومحمد حمدي الأصليين هناك تكرار تجربة البرنامج بينما نواصل نحن الحياة معكم بدلا منهما.
خبط أحمد جبهته وهو يصيح:
-  ومحمد ولي ومحمد حمدي العائدين للمرة الثالثة.. هل سيكرران نفس مأساة سيزيف هذه للأبد؟
أجابه محمد حمدي الآخر بحماس:
-  بالضبط.. وهكذا ستظل ذكريات هذه المجموعة الرائعة من الأصدقاء المجانين حية إلى الأبد.
انتفض أحمد واقفا وأدى له التحية العسكرية قائلا:
-      تعظيم سلام لهذه العقلية الخزعبلية الفذة.. خسارة أنك في مصر يا ابني.
قلت له وأنا أشعر بالغيرة:
-      وأنا، أليس لي نصيب؟
-      بانج نانج تشانج.. الأسبوع القادم ستحصل على نصيبك.
فهمت ما يعنيه، فضحكت بمرح، لكنه سأل محمد حمدي الآخر بشك:
-  ولكن مهلا.. هل أنت أول من بدأ هذه الدائرة اللانهائية من الأحداث، أم أنك سبق أن قابلت محمد حمدي آخر عائدا من المستقبل؟
ابتسم محمد حمدي بغموض، قائلا:
-      بعض الأسئلة من الأفضل أن تظل بلا إجابة.
كاد الفضول يلتهمني حيا، فقلت له بضراعة:
-      لا، أرجوك.. هذه النقطة هامة فعلا.. نريد أن نعرف متى بدأت هذه الدائرة؟
-      وماذا سيختلف معك.
-      لا أدري.. ولكنه مجرد فضول.
-      بعض الفضول يضر ولا ينفع.
كدت أماريه أكثر، وأضمرت في نفسي أن أضع في بنود العقد الذي وقّع عليه مقدما بندا عن التزامه بكشف هذه النقطة حصريا لي، إضافة إلى إعطائي أسئلة امتحان الرياضيات القادم بعد خمسة أيام، لكن أحمد عزيز هتف في تلك اللحظة بقلق:
-      دعكما من هذا الآن، فهناك مشكلة واحدة في خطتكما العبقرية.
سأله صِنوي بقلق:
-      أي مشكلة؟
-  النماس.. كيف سنخطف محمد ولي الأصلي من بين براثنه، ليقوم بدوره المستقبلي المحتوم؟
وأصابنا الوجوم، فقد كانت مشكلة عويصة فعلا، فانتزاع الغزال من فم الأسد، أسهل من انتزاع المصلحة من يد الدمياطي!
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.