الوطن والحدود
ليس في الأوطان حق وباطل وملكية واستعارة.. فالأرض كلها
أرض الله يورثها من يشاء من عباده, وخرائط الدول تتغير كل يوم، "وحدود
الممالك رسمتها السنابك" كما يقول أمل دنقل في قصيدة الخيول.
معنى هذا الكلام أننا حتى إن صدقنا أن تيران وصنافير
سعوديتان، فالتفريط فيهما ما يزال خيانة بمقاييس الوطنية.. وإلا فإن كل شبر في
خريطة الوطن الحالية كان في يوم ما ملكا لدولة ما، وهذا هو نفس الادعاء الإجرامي
الذي احتل به الصهاينة فلسطين، باعتبار أن أناسا من نفس دينهم (ليسوا جدودهم
أصلا!!) كانوا هناك منذ ثلاثة آلاف عام!!
مفهوم "إرجاع الحقوق لأصحابها" لا ينطبق على
حدود الأوطان، فهو يفتح باب شر لا يغلق، ويشجع كل من له غرض في قطعة من أرض
الوطن.. تريد إرجاع الحقوق؟.. إذن:
-
فلترجع مصر إلى اليونان والرومان
الذين حكموها ألف عام.. ستقول لكنها لم تكن ملكهم.. إذن على الأقل أرجع إليهم
الإسكندرية التي بناها الإسكندر الأكبر وما زالت تحمل اسمه إلى اليوم!
-
ولترجع مصر القديمة إلى السعودية
أيضا لأن عمرو بن العاص ومن خلفه من الولاة هم من أنشأوها!
-
ولترجع القاهرة إلى المغاربة (فمن
هناك جاء الفاطميون الذين بنوها) ولتسلم الأزهر إلى الشيعة الذين بنوه!
-
ولتقتطع النوبة للنوبيين لإقامة
دولتهم!!
-
ولا تستخسر حلايب وشلاتين في
السودانيين.
-
ولتعط للنصارى دولة بدورهم، وهم
يدعون أن مصر كلها ملكهم وأن 90% من سكانها غزاة (متى سيطردوننا إلى السعودية؟..
لماذا تأخروا كل هذا الوقت؟!)
-
ولتعط الساحل الشمالي الغربي والواحات
لليبيا ففيهما قبائل ليبية وأمازيغ والإنجليز هم من رسم هذا المستطيل على الورق
فقطعهم عن قبائلهم!
-
أما سيناء فمن الواضح أنها ستباع أصلا
فلا داعي للحديث عنها.
-
سيتبقى الصعيد، ومن العدل إرجاعه
لأهله المضطهدين في هذه الدولة التي تهمشهم!!.. كان الصعيد مستقلا قبل الملك مينا
موحد القطرين!!
هذه هي لغة الحقوق في التاريخ والجغرافيا.. وكما هو واضح
هي تصلح فقط لتمزيق الأوطان!!
أما في الواقع، فوحده المهزوم هو من يتنازل غضبا عن أرض
وطنه، ووحده الخائن هو من يبيعها بغير هزيمة ليشتري أيامه في السلطة، ووحده القوي
المنتصر هو من يجعل وطنه أكبر!
لهذا ستجدون بريطانيا مثلا ما زالت تضع يدها على أماكن
بعيدة عنها على خريطة العالم مثل ميناء جبل طارق الأسباني وجزر فوكلاند
الأرجنتينية.. لا أحد إلا الخائن الخائر الجبان يفرط فيما حصل عليه أجداه بالعرق
والدماء.
الخلاصة: من يستلم حدود وطن عليه أن يعيدها لشعبها أكبر
أو على الأقل بنفس الحجم.. كل حاكم سلم شعبه وطنا أصغر ولو بشبر هو مجرم مهزوم
فاشل.. والمصيبة أن بعضنا ما زال يغني لواحد من هؤلاء استلم مصر والسودان وقطاع
غزة وترك لمن بعده مصر وحدها بدون سيناء.. واضح أن مفهوم البطولة والزعامة مقلوب
عند فئة من هذا الشعب، وطبيعي أن من استهان بضياع السودان سيستهين بضياع تيران
وصنافير.
نعم.. تيران وصنافير مصرية.. والسودان شمالها وجنوبها
مصرية.. إذا جادلت في هذا فلا تحزن على باقي رصة الدومينو وهي تتساقط إقليما
إقليما، فأنت لا تختلف عن جدك الذي لم يحفل بانفصال السودان، ولن يختلف عنكما ابنك
الذي لن يحفل بضياع سيناء، ولا حفيدك الذي لن يحفل بانفصال النوبة أو الصعيد كله..
ما نراه في سوريا والعراق يؤكد أن تعريف الوطن لدى قسم من شعوب هذه المنطقة لا
يخرج عن حدود المدينة التي يعيش فيها، فإن كان آمنا فيها، فليذهب الباقون إلى
الجحيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.