أهم أقسام المدونة

الصفحات

الخميس، 2 نوفمبر 2017

فاقد الشيء لا يعطيه


فاقد الشيء لا يعطيه

ينبع جمال الأدب والفن من جمال الكاتب أولا، "ومن كانت نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا".. لهذا للأسف يوجد صنف من الكتابة يمكن تسميته بكتابة الأمراض النفسية، وفيه يخرج الكاتب على الورق عقده ونظرته الحانقة على الحياة!.. ولا ضير من هذه الكتابة إن كانت بين الكاتب ونفسه، كجزءٍ من علاجه النفسي لإفراغ أعبائه والاستراحة منها، لكن المشكلة تحدث حينما يمتلك الكاتب بعض المهارة اللغوية والفنية، فيقدم أمراضه النفسية محبوكة الصنعة في قالب محترف يجذب القراء، فيشوه به فطرتهم ويسقم نفوسهم!

على كل كاتب أن يعي جيدا أن القارئ ليس مرحاضا لفضلات عقله ونفسه، وأن عليه انتقاء ما يكتب، فلا ينقل لهم إلا أجمل ما فيه، فالقارئ يقرأ الأدب ويشاهد الفن ليستمتع لا ليتنغص، ولعل هذا هو سبب نفور القراء والمشاهدين من معظم الأعمال التي يظن أصحابها أنها أعمال جادة وراقية وعالية الثقافة، بينما يقبل القارئ والمشاهد على الأعمال الترفيهية والمضحكة حتى لو كانت مبتذلة وسخيفة!

فإن لم يستطع الكاتب أن يكون مسليا فعليه ألا يكتب، فقد أخطأ الصنعة، ومكانه ليس هنا.. يمكنه أن يكتب كتبا أكاديمية ومقالات ينتقد فيها المجتمع.. لكن لو أراد أن يصل إلى جمهور حقيقي فعليه أن يكتب ما يسليهم، دون أن يحتقر هذا.. فبإمكانه أن يقدم عبر هذه التسلية منهجا للتفكير يتمّ تدريب القارئ عليه بدون وعي منه.. هذه هي عبقرية الحدوتة.. الخبرة المنقولة بدون وعظ.. رؤية الدنيا بمنظور آخر.. اختزال التجارب في حيز زمني محدود، ليبدأ الإنسان من حيث عرف أين انتهى الآخرون.. منطق في الاستنتاج والاستدلال.. إعادة فكّ وتركيب للعقل بطريقة لا تسبب الصداع.. تجسيد للأحلام لتنتقل من عالم الخيال إلى وجدان جيل جديد، سيكون منه من سيعمل على نقلها إلى عالم الواقع.

وحتى إن أراد أن يشير الكاتب إلى بعض القبح في حياة القراء، فعليه أن يستخدم براعته لمحاصرة القبح بفيض من الجمال يعطي أملا وحلا بديلا.. كل الدراما المصرية التي قالوا إنها تعالج مشاكل المجتمع ساهمت عمدا أو جهلا في نشر العيوب والأخطاء ولم تعالجها، وطبّعت الأطفال عليها فألغت حاجز العيب والحرام والخجل، وأشاعت الفواحش، وشوهت نماذج القدوة، وأحبطت الأجيال الجديدة من أي أمل في الإصلاح باعتبار أنه مجتمع زبالة لن تجد نقطة نظيفة فيه تبدأ منها!

وطبعا أكثر هذه الأمراض النفسية شيوعا في الأدب والفن، هي "عقدة الرجل" المصاب بها كثير من العوانس والمطلقات من الكويتبات المتمردات ومن الكتاب العلمانيين الذين يرغبون في تشويه فطرة الرجال والنساء، ومن ينشرون هذه الكتابات يتعمدون إظهار كل امرأة مظلومة ـ حتى لو كانتا مشاكلها ناتجة عن سوء اختياراتها بل عن فسادها وجهلها وسوء طبعها هي، وكثيرا ما تكون هي الظالمة لكن يظهرها الكاتب كأنها مظلومة ـ تعيش حياة خانقة ليس فيها شيء جميل، ولا توجد امرأة في هذه الأعمال لا تعاني من ظلم الرجال، ونموذج الرجل المثالي فيها هو الفاجر المنفلت الديوث، ونموذج المرأة المثالية هي المرأة المترجلة العانس أو المطلقة!

أدعو كل كاتب أن يحتفظ بأمراضه النفسية لنفسه، فدور الكاتب أن يعالج لا أن يمرض.. لقد صرنا بسببكم نعيش في دولة من المجانين!

يقوم الأدب على فهم للنفوس.. فافهموا أنفسكم أولا قبل أن تكتبوا عن الآخرين، فتشوهوا نفوس قرائكم بغير علم.

أحبوا أنفسكم أولا لتحبوا الحياة.. ثم اكتبوا عنها!

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.