عندي تأمل في الحديث القدسي:
"يا عبادي:
لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من
ملكي شيئًا، يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد
فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي شيئًا إلا كما ينقص المخيط
إذا أدخل البحر"
يقدر العلماء عدد المجرات في الكون
المنظور لنا حاليا بحوالي 100 مليار مجرة، علما بأن مجرة درب التبانة التي نوجد
فيها تحتوي على حوالي 100 مليار نجم، والله أعلم بما يدور حولها من كواكب فمن
الصعب رصد كواكب النجوم البعيدة!
أي أننا حاليا نقدر وجود حوالي 10
آلاف مليار مليار نجم مثل الشمس، أي حوالي 10 مليار ترليون نجم!!
هذا فقط ما نستطيع رصده من الزاوية
التي نوجد فيها في الكون!
فما بالك إذن والكون آخذ في الاتساع
والتمدد؟.. ألم تقرأ قوله تعالى:
(والسماءَ بنيناها بأيدٍ وإنّا لَمُوسِعون)
لكن ما علاقة هذا بالحديث القدسي؟
كلنا يعلم طمع البشر، فتخيل لو أن كل
واحد منهم أتيحت له الفرصة ليطلب ما يريد، فماذا سيطلب؟
أكبر شهوة في الدنيا هي الملك
والسلطة.. فتخيل لو أن واحدا فقط طلب امتلاك كل هذه المجرات والنجوم، باعتبار هذا
أقصى ما نمى إليه علمه؟
ولكنه ليس إنسانا واحدا.. ولا كل سكان
العالم.. بل كل البشر من سيدنا آدم إلى قيام الساعة، ومعهم كل الجن من خلفهم إلى
قيام الساعة.. وهؤلاء أعدادهم بالترليونات!
فتخيل لو أن كل واحد منهم طلب من الله
ملك 10 مليار ترليون نجم، وأعطاهم هذا، أي ما يفوق 10 مليار ترليون ترليون نجم بكل
كواكبها وأقمارها وثرواتها!
فماذا سيحدث عندئذ؟
لن ينقص ذلك من ملك الله إلا كمثل
قطرة من ماء البحر!
النقطة المذهلة هنا هي أن هذا الحديث
قد يشير إلى أن حجم الكون أكبر بترليونات ترليونات ترليونات المرات مما ترصده
أجهزتنا الحالية، وأن كل ما نراه من الكون هو مجرد قطرة من بحر، لكن الإنسان هذا
المخلوق الضئيل في هذا الكوكب الصغير في هذه الزاوية من الكون، اغتر بعلمه القاصر
وتمادى في ظلامه وجحوده!
وتخيل فوق كل هذا أن هناك كونا آخر،
فالجنة عرضها كعرض السماوات والأرض، والله أعلم بطولها!
لكن العظمة لا تتوقف هنا، إذ يقول
سبحانه:
(وَسِعَ
كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ
الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)
فإذا كان الكرسي أكبر من السماوات
والأرض فما بالنا بالعرش الذي فيه الكرسي؟
النقطة الأخيرة والأهم هنا، هي: ما
الذي جعلني أصرف معنى ملك الله سبحانه إلى الكون؟
والإجابة هي أن الله سبحانه صور لنا
حجم هذا الملك بمثال مادي في تشبيه إبرة الخياطة والبحر.. صحيح أن نقطة واحدة من
ماء البحر مقارنة بحجم البحر هي صفر في التقريبات الهندسية المعتبرة، ولكنها في
الحقيقة ما زالت شيئا وإن كانت كمية مهملة، ما قد يثير بعض الالتباس مع علمنا بأن قدرة
الله سبحانه مطلقة، فملكه لا نهائي ولا ينقص منه شيء حرفيا، لأنه يستطيع أن يخلق
لكل إنسان كل ما يريد من العدم لحظيا بـ "كن فيكون".. لهذا انصرف ذهني
تلقائيا إلى أن المقارنة هنا هي مع الكون المادي الموجود حاليا، وأن الله سبحانه يصور
لأذهاننا مدى ضآلة قدرتنا وحتى مدى ضآلة أطماعنا مقارنة بالسماوات والنجوم
والكواكب الموجودة فعلا، وليس بما يقدر سبحانه على إيجاده من العدم.. وهذا المعنى
يتفق مع قوله سبحانه:
(لَخَلْقُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
وتأمل أنه مع عظم خلق السماوات والأرض
لم يتعب ذلك الله سبحانه:
(أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ
بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ
كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)
والله أعلى وأعلم.
محمد حمدي غانم
27 رمضان 1444
سبحان من بيده ملكوت كل شيء
ردحذفجزاك الله خير و زادك علما
- عبدالرحمن