أهم أقسام المدونة

الصفحات

السبت، 30 أبريل 2011

طبقات التغيير

طبقات التغيير
(من كتابات ما قبل الثورة)

هل نبدأ من الفرد أم من المجتمع؟.. هل نهتم بالصفوة أم بالقاعدة العريضة؟.. هل ننطلق من الواقع، أم نحلم بالمستحيل؟
هل يحدنا الممكن، فيقلل من سقف ما هو فعلا ممكن؟
ماذا نكتب، وكيف نكتب، ولمن نكتب؟.. ومن أين يبدأ التغيير؟.. وهل يجب علينا صنعه بأنفسنا؟

هذا المقال يصلك الآن عبر شبكة الإنترنت.. هذه الشبكة تتركّب من طبقات Layers، كلّ طبقة منها تختصّ بأداء مجموعة من الوظائف المحدّدة.
فمثلا: عندما تستخدم متصفح الإنترنت لقراءة هذا المقال، فأنت تستخدم طبقة التطبيقات Application Layer، حيث لا تشغل نفسك أبدا بكمّ التعقيدات التي تحدث في خلفيّة (استمتاعك) بتصفح المقال J.
تحت هذه الطبقة تقع طبقات أخرى كثيرة، مسئولة عن اتصال الأجهزة، وتفاعل التطبيقات وتجزئة البيانات وضغطها وتشفيرها وحمايتها وتجميعها والتأكد من وصولها بصورة صحيحة وكاملة.... إلخ.
وفي القاع تماما، تقع الطبقة الماديّة Physical Layer التي تمثّل البنية التحتيّة للشبكة، من أجهزة ووصلات ومصادر طاقة.... إلخ.
هذا الطراز في التصميم والتنفيذ يقدّم الفوائد التالية:
1-  يمكن تصميم كل طبقة بطريقة منفصلة، بدون الدخول في تفاصيل الطبقات الأخرى، مما يؤدّي إلى تقليل التعقيد، تبعا للمبدأ الشهير: Divide and conquer .. أو ما يمكن أن نترجمه إلى: "فرّق تَسُد"!
2-  من السهل تطوير وتحديث كلّ طبقة بدون التقيّد بتطوير الطبقات الأخرى.. كلّ ما يهمّ المصمّم هو مراعاة ظروف المُدخلات والمخرجات من كلّ طبقة، دون القلق بشأن التركيب الداخليّ للطبقات الأخرى، مما يجعل صيانة الطبقات وتطويرها في غاية السهولة.
3-  من السهل ربط الطبقات المختلفة عبر بنى تحتية مختلفة وأنظمة تشغيل مختلفة في أرجاء العالم، وذلك لسهولة التوافق بينها، فكلّ طبقة تعتبر صندوقا أسود Black Box، كلّ ما يعنينا منه هو مدخلاته ومخرجاته وبروتوكول الاتصال به، دون القلق بشكل تركيبه الداخليّ.
هذا النموذج مستخدم في شبكات المعلومات، وفي شبكات الهواتف، بل وحتّى في جهاز الكمبيوتر الواحد، فأنت تتعامل مع تطبيقات سهلة الاستخدام، قائمة على نظام تشغيل معقّد، يتعامل مع مكونات الجهاز الماديّة.
بالمناسبة: حاول أن تتخيّل الآن الكوارث الناتجة عن نزع طبقة ربّة البيت في شبكة المجتمع، وتزييف وعي المرأة لإقناعها بأنّ عليها أن تتدخّل في عمل الطبقات الأخرى!!
ما علينا من كلّ هذه التفاصيل.. نريد أن نخلص إلى ما أريد إيصاله هنا، وهو يختصّ باستهانة البعض بما يكتبه المفكرون من أجل الإصلاح والتغيير، باعتباره في النهاية محض كلام لا يقدّم أو يؤخر.. مثل هؤلاء يجب أن يعرفوا أنّ المفكرين والمصلحين وعلماء الدين وكلّ من يقوم بأدوار شبيهة، ينتمون على طبقة خاصة في شبكة الحياة.. هذه الطبقة تختصّ بالتحليل والتفكير وتوصيف المشكلة، واقتراح الحلول.
من العبث إذن أن يطالبهم البعض بأن يقوموا بدور الطبقة العليا (طبقة التطبيق)، لأنّهم ببساطة لا يملكون أيّة صلاحيّات في هذا الخصوص.. على الأقلّ في مجتمعاتنا الحالية.. لهذا فهم يقومون بما يستطيعون القيام به، وهو اقتراح الحلول.. وليس عليّهم أن يقلقوا بخصوص من سيطبّقها، فمن النادر جدّا في هذا العالم أن يصل كاتب أو مفكّر أو عالم أو حتّى رجل دين إلى قمّة السلطة، لأنّ السلطة تتطلّب مواصفات أخرى في الشخصيّة تختلف عن مواصفات هؤلاء.
ورغم أن هذا يعني أنّ هذه الطبقة غير قادرة على تطبيق ما تدعو إليه، فإن ما تقوم به يظلّ حيويّا وجوهريّا وأساسيّا، للربط بين الطبقة الفيزيائيّة (الجماهير) وطبقة التطبيق (الحكام).. وبدون هذا الدور ينهار النظام كلّه، إمّا لاستبداد الحاكم بدون كابح، أو لشيوع الفوضى بين الجماهير بدون ضابط!
ومن دور هذه الطبقة أن ترسل رسائل الخطأ error messages لأحد الاتجاهين ـ أو كليهما ـ في حالة اختلال الجهة الأخرى.. ويجب أن تتضمّن رسالة الخطأ وصفا دقيقا للمشكلة، واقتراحا للحلّ، دون أن يفترض أحد أنّ هذه الطبقة قادرة بمفردها على تطبيق هذا الحلّ!
هل اتضح الكلام أم نقول المزيد؟
نقول المزيد: إنّنا نقدّم هذا الحلّ الذي يبدو مستحيلا حاليّا.. هذا الحلّ قد يقنع الحكام، أو قد يدخل في تكوين الأجيال الجديدة، والتي من سماتها في مرحلة الشباب أنّها لا تعرف المستحيل.. وفي لحظة ملهمة فارقة في تاريخ الأمم، يظهر ذلك الشخص القادر على تحقيق هذا (المستحيل).
بناء على هذا يتضح أنّ توصيف الحلّ الصحيح ـ مهما بدت استحالة تطبيقه ـ هو الخطوة الأولى نحو تحقيقه.. أمّا لو قنعنا مع من قنع بفكر الممكن والأمر الواقع واعتبرناه حلا نهائيّا، فسيستمرّ التدهور باطّراد، لينخفض سقف هذا الممكن أكثر وأكثر، ويزداد الواقع وقوعا كل يوم!!..أليس هذا ما نحن فيه الآن؟!!
إنّ الفشل يولّد المزيد من الفشل، بينما يولّد النجاح المزيد من النجاح.. هذا نظام تغذية مرتدة تراكمية Positive Feed Back حيث تدخل النتيجة في تعزيز الأسباب، وتؤدي الأسباب إلى تكريس النتيجة!.. ولا يكسر هاتين الدائرتين، إلا نشوء جيل جديد يتحدّى المستحيل، رافضا أن يكون الفشل من مسلّماته (فيبدأ النجاح)، أو جيل جديد يتراخى عن العمل، مقتنعا بأنّ النجاح من مسلّماته بدون مجهود (فيبدأ الفشل).
وهذا وذاك يبدآن بفكرة.. ومن دون هذه الفكرة لا يمكن تغيير أيّ شيء.
هَب أنّنا صدّقنا أنّ أي حلّ مستحيل ولا يمكن تحقيقه، ولهذا سكتنا عنه.. فمن سيعمل من أجله أصلا؟.. فإذا لم يعمل من أجله أحد، فكيف سيتحقّق؟.. وإذا قنعنا بأنّه لن يتحقّق أبدا، فكيف سيحدث أيّ تغيير على أرض الواقع؟
ولكن.. يظلّ البعض يعتقد أنّنا بهذا نطالب بنبذ الجهود الصغيرة والخطوات التدريجيّة، ونحلم بالقفز فوق الخطوات المنطقيّة.. ولا أدري من أين أتوا بهذا الاعتقاد!!
نفس هذه الجهود الصغيرة والخطوات التدريجيّة والخطوات المنطقيّة ستظلّ تُتّبع.. كلّ ما سيختلف هو لضم كلّ حبات الخرز في خيط واحد، بدلا من بعثرتها بلا هدف كلّيّ.
أنا هنا أدعو إلى
توسيع مجال الرؤية، وبالتالي تبنّي الأهداف الأكبر.. لقد عاش الناس على هذه الأرض آلاف السنين لا يعرفون أنّها كرويّة، ولا أنّها تدور حول الشمس ولا تدور الشمس حولها.. ثم عرفوا هذا أخيرا، مما دفعهم ليحلموا بغزو الفضاء، والوصول إلى القمر والكواكب الأخرى، بكلّ ما قاد إليه ذلك من اكتشافات مذهلة وعلوم جديدة وتطويرات متزايدة للتقنية.. كان الأمر يستحقّ إذن أن يُتهم من أجله كوبرنيكوس وجاليلو وغيرهما بالهرطقة والجنون من قبل كل من ينظرون تحت أقدامهم بينما تتسع السماء لأن يمدوا أبصارهم فيها لملايين السنوات الضوئية!
فكيف إذن يجرؤ أيّ إنسان أن يتهم الحقيقة بأنّها ضارة؟.. مهما كانت قاسية؟!
ورغم هذا، دعونا نتفق: إثبات أنّ الأرض كرويّة لم يُلغِْ هندسة إقليدس المستوية.. تظلّ هندسة إقليدس دائما وأبدا صالحة للمساحات الصغيرة.. هناك حقائق لا يمكن أن تتعارض: كلٌّ في نطاقها.. بمثل هذا تنتظم الأهداف الكبيرة الأهداف الصغيرة، وتتضافر الوسائل الممكنة من أجل الغايات البعيدة.. دعونا نقُلها أيضا بجملة شائعة في العلم:
وسائل الإصلاح الفرديّة ضرورة أساسيّة ولكنّها ليست كافية necessary but not sufficient وبدون أن تنتظمها وسائل جماعيّة أكبر، ستظلّ كقطرات مطر تهطل في صحراء.. لا قطرات ماء تنساب في نهر متدفّق.. كلاهما قطرات ماء.. ولكنّ النتيجة مختلفة.. لقد ناقشت هذه الجزئية بإسهاب في مقال "هل تستطيع حقا أن تبدأ بنفسك".
***
إنّ أمامنا ألف ميل حتّى نلحق بركب الحضارة.
حينما تقول هذا للبعض، يصرخ في استهجان:
اششش.. ماذا تقول؟.. اخفض صوتك.. لو قلت هذا للقافلة الهزيلة، فسيتساقطون في أماكنهم من اليأس والإحباط.. ألف ميل؟؟؟.. دعنا نخبرهم فقط أنّها خمسة أميال!!.. هذا سيجعلهم أكثر حماسا للمواصلة!
لكنهم بعد خمسة أميال سيعرفون أنّك كاذب، فتُضطرّ إلى كذبة جديدة لتبرير خمسة أميال أخرى.. وبعد فترة معيّنة لا بدّ أنّهم سيتوقفون عن التصديق.. وهنا تكون الكارثة.. هذا هو الإحباط الحقيقيّ في صورته القاتلة: فقدان الهدف.
بخلاف هذا، فإن الشخص الذي يريد أن يسير خمسة أميال يشحن نفْسه بالعزيمة المناسبة لمثل هذا الغرض، لهذا يبدأ شعوره بالتعب والتراخي على الأكثر بعد الميل الرابع.. أمّا من يعتزم أن يسير ألف ميل، فلن يشعر بالتراخي قبل أن يقطع مئات الأميال.. هذه هي عبقريّة النيّة والعزم والإصرار.
لهذا عندما تربى كلّ جيل جديد على أنّ تحدّي عمره هو هذه الأميال الخمسة، فسينفق عمره في اللهو والعبث اتكالا على تفاهة الغاية.. أمّا لو ربّيته على أنّ الهدف هو ألف ميل، فإنّ سلوكه في الحياة سيختلف ليتواءم مع جسامة الهدف.. وبما أنّ الحاجة أمّ الاختراع، فلن يكون غريبا أن يبتكر واحد أو أكثر من هذا الجيل الوسائل التي تسرّع السير أو تختصر المسافات.
إنّ هروبنا من الحجم الحقيقيّ لمشاكلنا بدعوى عدم تثبيط الهمم، هو أكبر مشكلة نواجهها في الحقيقة.. ومن المؤسف والمؤلم أنّك عندما تذكّر البعض بأنّ هدفنا الحتميّ هو وحدة العرب والمسلمين لمواجهة كلّ من يتربصون بنا، أن يظنّك مجرد مجنون آخر، فأنت تقول هذا بينما الدويلات القائمة فعلا تتفتت إلى دويليلات (وهو مصطلح جديد أنحته لتصغير كلمة دُويلات، لمواكبة التطورات العصرية الحديثة J)
نحن ربع سكان هذا الكوكب، ورغم هذا لم يقنط قطّ حفنة من مُشردّي اليهود المضطهدين عبر التاريخ من التخطيط المستمرّ لتفتيتنا وزرع أنفسهم في قلبنا تماما.
وتخيل: لقد نجحوا، وصار خمسة ملايين منهم يعيشون في وسط مليار ونصف مليار منّا ويفرضون إرادتهم علينا، ويذلوننا كلّ يوم، ويلتهمون من أراضينا أكثر وأكثر يوما بعد يوم، وما زالوا يحلمون ويعملون باستمرار من أجل دولة تمتدّ من النيل إلى الفرات!!
لقد فعلها اليهود إذن.. قفزوا مشوار المليار ميل بخطوات قليلة!
فلماذا نحاول نحن أن نقنع أنفسنا بأنّ التفكير في عبور ألف ميل هو نوع من التثبيط والتخذيل والتشاؤم؟؟
كيف ونحن من علّمهم أنّ العقيدة تذلّل المستحيل؟!
فليشرح لي أحدكم كيف خرج المسلمون لغزو الفرس والروم معا، وكلّ المقاييس والمعايير في حسابات العدد والتسليح والخبرة العسكريّة والامتداد الجغرافي والموارد الطبيعيّة، تؤكّد أنّ هذا جنون وانتحار وتحدٍ مستحيل للمنطق والواقعيّة؟
ولكنّهم أيضا فعلوها وانتصروا، وسحقوا أقوى إمبراطوريتين في ذلك الزمان في سنوات معدودة!
هذا لأنّهم عرفوا من هم، وما هي غايتهم، وما القوّة الحقيقيّة التي تساندهم.
واضح إذن أنّ كلّ شيء يبدأ من العقيدة.. من الإيمان بهدف ما مهما كان مستحيلا.. يبدأ من..... فكرة.
من هذا أنا أقول:
فليذكّرني أحدكم بأمّة أو فرد في التاريخ، نجح في حلّ أيّ مشكلة بدون أن يعرف ما هي أصلا.
لكنّ البعض ما زال ينظر تحت قدميه، ويطارد النتائج دون البحث عن أسبابها، ويردد نفس الشعارات المريضة التي ضيعتنا، ويمسك قلمه ليكتب مخدرات ويداعب الغرائز ويتعدى على الأخلاق والدين، ويدمر شخصية المرأة، ويتغنى بديموقراطية سفاحي الغرب، وحرية جورج بوش التي إن لم تكن معها فأنت مع الإرهاب!
مثل هؤلاء يصرّون على معالجة الصداع بالأسبرين، مع أنّ الصداع ناتج أصلا عن ورم بالمخّ.. ما زال حميدا، ربما، ولكن لو لم يُزَل جراحيّا فسيستفحل ويقتل المريض.
إنّ ما يدعون إليه جريمة قتل، يجب أن نتفق على هذا.. حتّى ولو بدا أنّ من يريد شقّ الجمجمة وبتر الورم هو من يرتكب الجريمة.. كثيرا ما تبدو الأمور على عكس حقيقتها!
***
إن ضخامة الهدف تسحقُ البعض، ولكنّها تُعملق البعض الآخر.. مثلما أنّ إخبار مريض باحتمال موته بعد عام قد يجعله يكتئب ويَذوي سريعا، في حين أنّ غيره قد يستغلّ هذا العام للإكثار من الخيرات وصلة الرحم والتبرّع للأعمال الخيريّة.. فهل الأفضل أن نخبرهما أم لا؟.. سيقول البعض: تبعا لشخصية المريض.. وأنا أتساءل: وأيّ شخصيّة يجب علينا اعتبارها في أناس مثقفين يقرأون هذا الطرح ويملكون ناصية القلم؟!!
***
والآن عود إلى بدء:
إن الأفراد في أي مجتمع هم الطبقة الفيزيائيّة، كالحواسب وبنية الشبكات والوصلات.. هم أساس وعماد كلّ شيء، وإصلاحهم جوهريّ ولا غنى عنه، ولا ندعو أحدا للتوقف عن جهوده في هذا المضمار، بل نتمنّى أن يكثّفها ما دام يركّز على أشياء هامّة وحقيقة، لا دعاوى وهميّة متأثرة بالغرب.
ولكن كما اتفقنا، تنظيم الطبقات لا يستدعي الترتيب والتلازم في إصلاح كلّ الطبقات معا، كما أنّ إصلاح الطبقة الفيزيائيّة أصعب وأعقد وأكثر تكلفة ويحتاج إلى زمن أطول من إصلاح طبقات النقل والربط والتطبيق، التي تصنع الهدف النهائيّ من المنظومة كلّها وتحدّد وظيفتها واتجاهها.
كما أنّ الفساد في الطبقة الفيزيائية ناتج في معظمه عن سوء الاستخدام والتوجيه وعدم الصيانة بل التخريب المتعمد من الطبقات الأعلى، وأنا أعني من يسمون أنفسهم بالمثقفين والمفكرين وما هم إلا مضللين، بأكثر مما أعني الحكام.
فلماذا يستنكر علينا البعض الاهتمام بهذه الطبقات لتطويرها وتطوير بروتوكولات الربط بينها؟
ولنأخذ مثلا لتأثير صلاح الطبقات العليا على الطبقات الأساسيّة: عندما فتح المسلمون الأمصار، صارت دولا إسلاميّة تحكم بشرع الله، رغم أنّها استغرقت قرونا حتّى تتحوّل شعوبها إلى الإسلام، وحتّى يتحوّل بعضها إلى دول عربيّة، ومعظمها لم يتحوّل.. لقد ترك عمرو بن العاص حوالي 500 جنديّ فقط في مصر بعد فتحها واتجه باقي جيشه ليكمل فتح شمال أفريقيا.. 500 مسلم فقط طبّقوا الشريعة الإسلاميّة وحكموا دولة تعدادها في ذلك الحين 7 ملايين إنسان، يختلفون عنهم في الجنس واللغة والعقيدة، فكانت المحصّلة أن تحوّل شعب مصر بالتدريج عبر 4 قرون إلى شعب مسلم عربيّ.. (يدلّ طول هذه المدّة على عدم إكراه أحد على تغيير دينه).
ولنأخذ مثلا آخر لكن لتأثير طلاح الطبقات العليا على الطبقات الأساسيّة: فعندما سيطر كمال أتاتورك على تركيا كانت دولة الخلافة الإسلاميّة التي تمثّل الأمّة الإسلاميّة في ثلاث قارات.. وبقرار واحد حوّلها إلى دولة علمانيّة، وأسقط الخلافة الإسلاميّة وهو سبب جوهري في كل ما لحقنا من كوارث بعد ذلك، وسنّ لها دستورا يحارب الإسلام ويحرّم حجاب المرأة (تخيّل: الحرّيّة المزعومة عندهم ألا يسمحوا للمرأة بالحجاب وإن أرادت)، واضطهد علماء الإسلام، وعذب المسلمين، وعزل الأجيال الجديدة عن تراثها بقرار كتابة وتدريس اللغة التركيّة بالحروف اللاتينية بدلا من الحروف العربيّة، ممّا جعل الأجيال الجديدة عاجزة عن قراءة الكتب والمخطوطات القديمة (وقد حاول بعض الخونة تطبيق هذا في مصر في مطلع القرن العشرين، ولكنهم فشلوا ولله الحمد).. أعتقد أنّ ما آلت إليه تركيا بسبب هذا الفرد الواحد أوضح من أن نناقشه.
نفس هذا فعله العلمانيون في معظم دولنا العربيّة والإسلاميّة، وهو ما نحاول الآن أن نقاومه باستماتة، بجهود يضيع معظمها عبثا، في رسائل لا تمرّ أبدا عبر طبقات أحكموا السيطرة عليها وتسخيرها لتدميرنا!
***
قد تتفق معي في أي من هذا وقد تختلف.. ليس ثمة مشكلة، فنحن في كل الأحوال في شبكة واحدة، حتى وإن لم نكن في نفس الطبقة.. وبالتالي ليس شرطا أن نفكر بنفس الطريقة ونعمل بنفس الوسيلة!
***
بالمناسبة: هذه ليست فلسفة، ولا دعوة للمدينة الفاضلة.
أنا هنا أتكلّم عن نظم.. والنظم تقوم على قواعد وقوانين وتوازن قوى ومعاملات أمان واحتياطات طوارئ.
دعك إذن من الفلاسفة، فليسوا مفضلين لديّ.. أنا أحبّ التطبيقيّين أكثر J.

محمد حمدي غانم، 2004

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.