موسيقى الشعرِ العربي.. دروس مبسطة للهواة
بقلم: م. محمد حمدي غانم
5- المُحدَث.. البحر الذي تتقنه الخيول!
السباحة في البحر المتدارك
نريد الآن أن نبدأ تدريب أنفسنا على موسيقى الشعر العربيّ.. وستكون بدايتنا مع "حِمَار الشعر" في العصر الحديث: البحر المتدارك!
حمار الشعر؟.. تتساءل طبعا!
نعم.. فهذا أكثر البحور التي يبدأ متعلمو الشعر الكتابة عليها في هذا العصر.. وهو أكثر البحور انتشارا اليوم، خاصة في شعر التفعيلة.
وقد انتزع المتدارك بهذا "البرذعة" الذهبية من بحر الرجز، الذي كان قديما حمار الشعر بلا منازع، يمتطيه المبتدئون في بداية درب الشعر.
سبب التسمية
سمّي "المُحْدَث" بهذا الاسم، لأنّ الأخفش أحدثه (أو استحدثه) بعد (الخليل بن أحمد).
وسمّي بالمتدارك أيضا لنفس السبب.. فقد تدارك به الأخفش على الخليل.
(وهناك الكثير من الأسماء لهذا البحر.. لكن دعنا لا نحشو أذهاننا بالمسميات).
تفعيلات البحر
وموسيقى هذا البحر في أبسط صوره، تنتج من تتابع التفعيلتين "فَـعْـلُنْ" و "فَـعِـلُنْ".. بدون أيّة أولويّة لموقع أيّ منهما.
فمن الممكن أن يكون كلّه "فَـعْـلُنْ"، أو يكون كلّه "فَـعِـلُنْ".. أو خليطا منهما.
اسمتع لهذه القصيدة من البحر المتدارك:
مفتاح البحر
وثمّة بيت يسمّى "ضابط البحر" أو "مفتاح البحر" يختصر لنا كلّ هذه الأمور، حيث يكون هذا البيت موزونا على نفس البحر، ويحتوي على اسمه وصيغته.
ومفتاح البحر المتدارك هو:
أبياتُ (المُحْدَثِ) تنتقلُ............فَعْلن فَعْلن فَعِلن فَعِلُ
تلاحظ أنّنا ننطق "فعلنْ" الأخيرة "فعِلُ" للمحافظة على الموسيقى بين الشطرتين (التصريع بين "تنتقلُ" و"فعلُ").. وهذا لا يؤثّر على وزن البيت.. فنحن نُشبِع الحركة الأخيرة من البيت في النطق، فنقول: فَعِلو (=فعِلنْ)
هكذا يجب أن تتغنّى بمفتاح البحر المتدارك:
أبْيَا ـ تُلْ مُحْ ـ دَثِ تَنْ ـ تَـقِـلو....... فَعْلن فَعْلن فَعِلن فَعِلُو
ولو ردّدتَ هذا المفتاح لنفسك بصوت مسموع وغنائيّ، على وزن:
تمْ تمْ.. تمْ تمْ... تَتَتَم.. تم تم..
تم تم.. تم تم... تَتَتَم.. تم تم..
أو:
درجن درجن درجن درجن
درجن درجن درجن درجن
(على فكرة: هذا البحر يسمّى ركض الخيل.. حتّى الخيول فيما يبدو تعدو على إيقاعه!)
لو ردّدته هكذا، فستتعوّد أذنك على موسيقاه، ولو حاولت لَضْم بعض الكلمات بجوار بعضها، فستجد أنّها ستخرج موزونة عليه:
تمتم.. تمتم... تَتَتَم.. تمتم..
إنّي أجري أبحثُ دوما
درجن درجن درجن درجن
قد أنجح في هذا يوما
أبياتُ المحدثِ تنتقلُ
وأعود إليكم بهديّةْ
فَعْلن فَعْلن فَعِلن فَعِلُو
في مثلِ جمالِ الحرّيّةْ
اسمتع لهذه القصيدة من البحر المتدارك:
لقد تعلمته طفلة، فلماذا أنت متردد؟
بسيط هو الأمر.. أليس كذلك؟
غير مقتنع؟
تعال أضرب لك مثالا يستفزّك:
أحببت أن ألعب منذ عدّة سنوات مع طفلة، وكان عمرها خمس سنوات ونصف.. وكنّا في سيارة عائدة بنا من مشوار بعيد.. فقلت لها:
- هل تستطيعين أن تقولي ورائي هذه الأغنيّة هكذا:
فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن
فقالت لي:
- أستطيع.
وردّدتها عدّة مرّات.. فقلت لها:
- طيب.. هل تستطيعين قول كلمات على نفس الموسيقى؟
قالت لي:
- أستطيع.
وفكّرت لحظة ثمّ قالت (بالعاميّة المصريّة طبعا.. لا تنسَ أنّها طفلة لم تعرف الفصحى بعد):
بنت بتلعب فوق الشجرةْ
بصراحة دهشت.. لأنّها التقطت الموسيقى بسرعة مدهشة!
قلت لها بلهفة:
- أكملي.
فقالت:
قامت واقعة...........
وصمتت تبحث عن كلمات، فقلت لها:
قامت واقعة فوق الأرض!
كنت مندهشا وفرحا فعلا بهذا الأمر.. ولكن للأسف: وصلت بنا السيارة إلى وجهتنا في تلك اللحظة!
ونسيت الأمر.. ولكنّها لم تنسَ!
قابلتها بعد أسبوعين، فأقبلت نحوي ببشاشة، وقالت بحماس:
الراجل شايل حماره!
فضحكت قائلا:
- رغم أنّ المعنى غريب، إلا إنّ الموسيقى صحيحة (بالطريقة التي نطقت بها الجملة)!
الطريف في الموضوع أنّها أحبّت الأمر على أنّه لعبة.. وكانت تقول لخالتها:
- "محمد" سيحضر معه بعض الألعاب وهو قادم!
ولكنّي لم أستمرّ في هذه التجربة.. شغلتني الحياة عنها.
***
والآن:
أعتقد أنّنا لن نعجز عن فعل شيء أجادته طفلة في الخامسة من عمرها في نصف ساعة!.. بل وتجيده الخيول بالفطرة!
الموضوع أبسط ممّا تتخيّلون.
وفي المرات القادمة، سنجتاز معا بإذن الله عدّة تدريبات متدرّجة، حتّى نتقن الكتابة على هذا البحر..
ولكنّي أترككم الآن..
على وعد بأن أعود بإذن الله.ومعي بعض "الألعاب"!
اسمتع لهذه القصيدة من البحر المتدارك:
دروس مهمه جدا وانا من المتابعين
ردحذفبارك الله فيكم أخي.
ردحذفأوضحتم الكثير لي حتى صار يبدو سهلا و بدأت الكلمات تتنازل علي بنفس اللحن ههه
رجل شره للأكل له * نهم لا يبق ولا يذر
رجلن شرهن للأك للهو * نهمن لايب قولا يذرو
أعلم أن هناك خطأ و هو يبقي بدل يبقي، لعى أية شكرا جزيلا أتمنى أن تكون هذه هي البداية لي