أهم أقسام المدونة

الصفحات

الأحد، 19 ديسمبر 2010

على صدر الزمان (3)

على صدر الزمان
-3-
سألتْه يومًا:

-         هل تحبُّني؟

بدا عليه الدَّهَشُ وقالَ في أسى:

-         يبدو أنَّ لكِ عينا صمّاءَ وقلبًا نائيا.

-         أنا؟!

-         نعـم.. لطالما نظرتُ إلى عينيكِ وهذه الكلمةُ تعويـذةُ عينييَّ ضدَّ عذابِ الفِراق.. ألم تسمعـاها؟.. ولطالما خفـقَ قلبي بها وهو ينادى قلبَك، ويدعوه للتحليقِ معه في الآفاق.. ألم تَصِلْ إليه؟.. يا لكِ مِن جاحدة!

وأشاحَ بوجهِه فسألتْه بتهيّب:

-         هل أنتَ حزين.. غاضب؟

نظرَ إليها، فلم يملِكْ أن ابتسمَ وقال:

-         هل أقصيتِ عينيكِ عنّي لحظة؟.. إذن كيفَ أحزن؟

-         ولكنّكَ غاضب.. لقد تتحاشى أن تقولَ ذلك!

-         نعم.. غاضبٌ مِن نفسي، لأنّي لم أستطِعْ أن أُوصِلَ لكِ أيّ شعورٍ هو الذي أكنُّه لكِ.

-         إذن حاول.

-         إن القلبَ يشعرُ واللسانَ يعجز.. يا إلهي!.. لو كانتْ كلماتُ الدنيا مجمّعةً كلُّها في كلمةٍ واحدةٍ حتّى أهديَها إليك.

-         أنا أريدُها مفردةً، حتّى أستمتعَ بكلٍّ منها كلمةً كلمة.

-         لن يُسعفَنا العمرُ لنقولَها كلَّها.

-      فلنبدأْ فقط.. قُلْ لي أجملَ كلمةٍ فيها.

-         انظري في عينيَّ، وأنتِ تجدينَ كلَّ ما تريدينَ من كلمات.

-         لا.. لن تتهرّبَ منّي من جديد.

-         لماذا تريدينَ حبسَ كلِّ مشاعري في خمسةِ أحرف؟

-         لأنّها كالقُمقمِ المسحورِ الذي يَحتوي الماردَ المهول.

-         أخافُ أن يهربَ الماردُ يومًا، ويصبحَ القمقمُ المسحورُ مجرّدَ قمقمٍ مهجور.

-         لا تَخَفْ.. سأضعُها في قلبي دومًا، وجدرانُ قلبي مصفّحة، لا يهرُبُ منها المَرَدَةُ ولا الأقزام.

-         ولكنّي أعتبرُ هذه الكلمةَ جائزةً خاصّة.. فعلى أيِّ شيءٍ سأمنحُها لكِ الآن؟

ابتسمت فقال في استسلام:

-         أحبُّك.

-         ها نحنُ قد بدأْنا.

-         فَلْيرحمْني اللهُ إذن!

*****
سألتْه في جدّيّة:

-         لماذا تُحبُّني؟

-         ألا تملّينَ هذا السؤال؟

-         أخافُ أن تملَّ هذا الفِعال!

-         أملَّ الحياة؟

-         [بإصرار]: لماذا تُحبُّني؟

-         [ببساطة]: ولماذا لا أحبُّك؟

-         ولماذا لا تحبُّ غيري؟

-         [ضحك مداعبًا]: لأنّي قصيرُ النظر!

ابتسمتْ في صمتٍ فقال:

-         حسنًا.. لأنّكِ أولُ مَن دخلَ قلبي مِن بابِه المسحور.

-         أريدُ واقعًا.

-         وحينما أمنحُك إيّاه تُريدينَ الخيال؟!

-         لا تحاولْ.

-         فليكُنْ.. لقد اجتزْتِ بالفعلِ البابَ المسحورَ في قلبي.. البابَ الذي يربطُ بينَه وبينَ العقل.. لقد أكملْتِ المثلّثَ الناقص، فانفتحَ لكِ بابُ المملكةِ على مصراعيه.

-         أيُّ مثلّث؟

-         الأخلاقُ والثقافةُ والجمال.. أيْ: الرُّوح والعقل والجسد، بكلِّ ما تحويه إحداها من معاني.

-         لماذا أتى الجمالُ في آخرِ مفاهيمِك.. هل تراني أقلَّ جمالا؟

-         دعيني أنا أسألُكِ: هل تَرَيْنَ نفسَكِ رائعةَ الجمال؟

-         [بتماسك]: نعم.

-         إذن ممَّ تَخْشَيْن؟

-         مِن ألا تراني أنتَ كذلك.

-         ومَن قالَ ذلك؟

-         أنت.

-         أنا لمْ أقلْ ذلك يوما.. كلُّ ما أذكرُ أنني قلتُه، هو أننـي (أحيانًا) (ألمحُ) مَن هي أجملُ منكِ ـ نَدُرَ ما يكون ـ فهل يَعني هذا على أيِّ نحوٍ من الأنحاء، أنّك دميمةٌ أو قليلةُ حظٍّ من الجمال؟

-         لا.. ولكنّي أشعرُ بالغَيْرةِ لذلك.

-         لَكَمْ أحبُّ ذلك!

-         لَكَمْ أنتَ شرّير!

-         ألا يحقُّ لي أن أراكِ تَغارين، حتّى أعرفَ أيّ شعـورٍ دافئٍ تكنّينَه لي؟

-         وأنت.. هل تَغارُ عليّ؟

-         بجنون.. ليتني أملِكُ عصًا سحريّةً حينما أمَسُّكُ بها، تُخفيكِ عن أعينِ جميعِ الناسِ عداي.

-         [ضاحكة]: أخافُ أن تكرَهَ كلَّ الناس!

-         [متنهّدًا]: أخافُ أن يُحبَّكِ كلُّ الناس!

قالت بلهجةٍ يسعى فيها العتابُ في ثيابِ الدلال:

-         لا تَخَفْ.. إنّني أقلُّ جمالا من الأخريات.. ألستَ هكذا ترى؟

-         فليكُنْ.. هذا يَعني أنَّ هناكِ خطأً جوهريًّا في معاييرِ الجمالِ الحاليّةِ ليسَ أكثر.

-         أنتَ مغرور.. أترى ما لا يراه الناس؟

-         آه.. بالطبع.. إنَّ معي عصايَ السحريّةَ الآنَ بالفعل!

*****


على صدرِ الزّمان: ج1، ج2، ج4، ج5، ج6

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.