على صدر الزمان (5)
على صدر الزمان
-5-
قالت له بتعجّب:
- إنّكَ غريبُ الأطوار!
- هذا بالفعلِ ما دأبْتُ على إقناعِكِ به دهرا.
- أتتخيلُ أنّكَ إلى الآن، لم تُهْدِ لي أيّةَ زهرة؟!
- [أنغضَ رأسَه]: لن يمكنَكِ إلا أن تكوني امرأة!
- [بتحدٍّ]: وما بالُ النساءِ إذن؟
- تتعـلّقُ قلوبُهـنَّ بالجزئيّـات، ولا يستطعْـنَ الخـروجَ مِن أسْرِ المرحليّات.
- أنا أريدُ أن أعيشَ كلَّ لحظاتِ سعادتي.
- وهل لا تعيشينَها؟
- ماذا سيبقى لي منها إذا ذهبَتْ؟
- الذّكريات.
- وماذا سيعيدُ لي الذكرياتِ من بئرِ النسيان؟
- أَوَزهرةٌ محنّطةٌ في كتاب؟
- ألا تؤمنُ بالرموز؟
- أؤمنُ بالمعاني أكثر.
- لا بدَّ للمعاني من آنيةٍ تحملُها.
- لهذا أصبحْنا نعبدُ الآنيةَ ونُهرقُ المعاني.
- تطلّعُكَ الدائمُ خارجَ درقةِ المألوفِ إلى أجواءِ المجهولِ هو الذي سيحطّمُك يوما.
- لأنْ أكونَ حُطامًا، لهُوَ خيرٌ عِندي من أن أكونَ تمثالا، في مَيدانِ أبجديّاتِ الحياة.
- آها!.. أبجديّات.. أنتَ تُؤمنُ إذن أنّها أُسُس.
- أسسٌ وأطرٌ وقواعدُ وكتبُ تعليمات.. لا لا.. لا أستطيعُ أن أكونَ تكرارا.. ألا تفهمينَ ذلك؟
- لا أفهم.
- لماذا لا أكونُ أنا: أحبُّكِ كما أشعرُ بذلك.. أعبّرُ لكِ عن حبّي بدونِ كلماتٍ أو أشعارٍ أو زهور؟.. أتقدرينَ أن تخبريني: بماذا ستفيدُكِ زهرةٌ ستذبُل، وقد أعطيتُكِ قلبي للأبد؟
- ستُدخِلُ السرورَ على قلبي.. ألا يعنيكَ هذا؟
- ولماذا ستُدخل السرورَ على قلبِك؟
- ...!
- أقولُ أنا لك.. لأنّكِ تبرْمَجْتِ على أنّ المحبَّ يُعطى لحبيبتِه زهرةً فتُدخلُ السـرورَ على قلبـِها.. أليسَ هذا مذكورًا بالنّـصِّ في كلِّ (كتالوجاتِ) الحبّ؟
- إنّكَ متمرّد.. أتدرى إلامَ سيقودُك تمرّدُك؟
- إلاما؟
- إلى رغبةٍ جامحةٍ في القلـبِ والتّبديـلِ والفوضى.. وبدلا مَن أن تكونَ (مُتمرّدًا) ستقلبُ أحرفَكَ لتصيرَ (مُتدمّرًا).. لَكَمْ أخشى عليكَ من نفسك!
- لَكَم أخشى على نفسي منك!
- أنا؟!
- لقد صارَ مصيري معلّقًا بك.. إذا لمْ تُؤمني بي فلن أصيرَ شيئا.. وإذا تخلَّيْتِ عنّي فلن أعودَ شيئا.. إنّ الزمانَ معـك، لم يَعُـدْ كما كانَ قبلَك، ولن يعودَ كما كانَ ـ بعدك.
- خِلْتُ أنّه لن يكونَ هناك (زمانٌ بَعدى).. خِلْتُ أنّكَ مَحَـوْتَ لفظةَ (بَعْدَكِ) من قاموسِكَ للأبد.
- إنّني أتخيّلُ الأسوأ.
- إنّكَ تنتوي الغدر.
- إنّكِ قطّةٌ غَيور!
- تُعاهدني إذن؟
- علاما؟
- على حذفِ كلمتَيْ (بَعْدَكَ) و (بَعْدَكِ) مِن قاموسَيْنا؟
- هذا مستحيل!
- لماذا؟!
- لأنّ قاموسي بالفعل، لم يَعُدْ يَحْوي سوى كلمةٍ واحدة: (أنتِ).
- [تنهّدَتْ في استسلام]: لا فائدة.. لن يُمكنَنى الحصولُ منكَ على حقٍّ أو باطلٍ أبدا.
- هل ستملّينَ منّي يومًا لذلك؟
- ...!
- [متعجّبًا]: لماذا لا تُجيبين؟
- [ابتسمت بدهاء]: لا شيء.. فقـط قرّرْتُ تحطيـمَ جميعِ آنيتي، منَ الآنِ فصاعدا!
- آخّ!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.