أبدع حاسب وأبدع نظام تشغيل
18- البرامج الحية
ذكرنا في معرض حديثنا أن المخ البشري يعتبر أقوى حاسب موجود على ظهر الأرض، ويتكون من أكثر من 14 مليار حاسب دقيق فائق السرعة اسمه الخلية العصبية، ويحتوي على مراكز للتحكم في كل أجزاء الجسم، بخلاف قدرته على حفظ الذكريات وتحليل المعلومات وإدراك الحقائق وابتكار الأفكار الجديدة وصناعة الأحلام والتحليق مع الخيال... إلخ.
وكأي جهاز حاسب، يمكن برمجة المخ البشري.. فإن كنا نبرمج الحاسب الآلي بإدخال البيانات عبر لوحة المفاتيح، أو إمداده بالبرامج الجاهزة عبر قرص ضوئي أو غيره من الوسائط، فإن المخ البشري يمتلك خمسة مداخلات أساسية يستقبل منها البيانات وبالتالي تمكن برمجته من خلالها، وهي: السمع والبصر والشم والتذوق واللمس.
هذه الحواس الخمس هي التي تربط الإنسان بالعالم الخارجي، والتي تسمح للطفل منذ مولده بالاتصال بهذا العالم وتشرّب المعلومات منه ليتشكل وعيه وشخصيته.
والحقيقة البسيطة التي يغفل عنها الكثيرون، أن كل شيء يدخل المخ البشري عبر هذه الحواس يعتبر برنامجا يتم إعداده على المخ Setup، لتشكل هذه البرامج في مجموعها ما نسميه العقل، أو الوعي، أو الشخصية.
هذا المدخل يقودنا إلى استنتاجين في غاية الخطورة:
الاستنتاج الأول:
أن المخ البشري جهاز حاسب مرن قابل للتعلم، وإهدار فترة الطفولة والشباب في تفاهات وفوضى دون القراءة والتأمل والبحث عن المفيد وتعلم المهارات الذهنية واليدوية والاجتماعية المختلفة، يعني خسارة ملايين العقول المبدعة التي ننتظرها لصناعة الغد.. إن الشاب الذي يضيّع عمره في مطاردة الفتيات التافهات أو متابعة قنوات الأغاني الهابطة أو الثرثرة في مواقع الدردشة بلا طائل، أو يدمر أروع نظام متكامل على ظهر الأرض ـ جسده ـ بالتدخين أو المخدرات، هو شاب يخصم كل الإمكانيات الهائلة التي منحها الله له، من طاقة مجتمعه ومستقبل أبنائه.
الاستنتاج الثاني:
أن كل فرد فينا لا يؤثر في نفسه فحسب، بل هو يبرمج عقول الآخرين أيضا شاء أم أبي!.. فإن اعتبرنا جسم الإنسان بمفرده شبكة حاسوب محلية عملاقة LAN، فإن البشر جميعا يشكلون معا شبكة معلومات بشرية هائلة (دعنا نسميها Homonet على وزن Internet).. هذه الشبكة لا تتصل بالأسلاك، بل تتصل لاسلكيا في نظام Blue Tooth مذهل عن طريق الحواس البشرية.
هذا يعني مثلا: أن المرأة غير المحتشمة[1] التي تسير في الشارع، هي برنامج سلبي حي يمشي على قدمين، يبرمح عقول الفتيات الأخريات على عدم الاحتشام، ويشوّش على عقول الشباب ويهدر طاقاتهم في شهوات عبثية.. ويزداد الأمر سوءا حينما تظهر هذه المرأة على صفحات الجرائد وشاشات القنوات الأرضية والفضائية لتفسد عقول الملايين، فتزيد نسب الفاحشة والاغتصاب، والزنا المقنع المسمى خطأ بالزواج العرفي، دون أن يكون زواجا لعدم اكتمال أركانه، ودون أن يكون عرفيا لأن أهل الفتاة أنفسهم لا يعترفون به وإلا كانت صارحتهم به!
بينما المرأة المحتشمة هي برنامج إيجابي تقدمي، ورمز للعفة، ورمز التخلص من تبعية المحتلين، الذين لم يعلمونا كيف نصنع الحاسب وعلموا نساءنا كيف تتعرى على الموضة، مما يعني أنّ المرأة المحتشمة هي امرأة حرة بكل معنى للكلمة، خرجت من عبودية المحتل وأفكاره الهدامة إلى عبودية خالقها، وبهذا فهي رمز لصناعة المستقبل، وأملنا في تربية جيل أفضل، حتى ولو لم تكن تفعل شيئا أكثر من كونها محتشمة، فهذا على الأقل يترك الشباب يستثمرون طاقاتهم فيما يفيد.. مع ملاحظة أن الاحتشام ليس في الزيّ فقط، ولكنه أيضا في الحياء والسلوك وعدم الاختلاط بالرجال.
لن نصنع الغد بامرأة لا تجد ما يميزها سوى جسدها الذي لم تفعل شيئا لتمتلكه، وستحاسب عما ستفعله به.. نحتاج إلى جيل من النساء ينتبهن إلى أن الله خلق لهن عقولا هي أولى بالاعتناء والرعاية والتنمية من الأجساد التي لا تميز شخصا عن آخر!.. للأسف: حتى جامعاتنا اليوم تخرج لنا فتية وفتيات تم محو أميتهم على أفضل تقدير، بسبب تحول جامعاتنا إلى ما يشبه ملهى صباحي كبير واستعراض أزياء وحديقة للعشاق، مع نظام تعليم نظري مترهل يعتمد على الحفظ والتسميع في ورقة الإجابة!!.. نحتاج إلى صحوة حقيقية لنحلم بغد أفضل.. نحتاج إلى فتيات جادات، تجبر الشاب على تهذيب عقله وسلوكه ليحظى بإعجابهن، بدلا من أن يهتم بقصة شعره ورقعة بنطاله ليتسكع معهن هنا أو هناك!
أيضا: الكاتب الذي يملأ كتاباته بالأفكار الهدامة والكتابات الغريزية، هو شركة برمجة كاملة تنتج أسوأ الفيروسات التي تدمر العقول التي تدخلها.. وهي فيروسات، لأن الفكرة السيئة تنتشر عبر من يقتنع بها، سواء بالقول أو الفعل.
والمنتج والمؤلف والمخرج والممثل، الذين يسكبون على عقول أجيالنا الجديدة أقذر ما أفرزته قرائحهم من التفاهة والعري والسُكْر والفحش والابتذال ونماذج الشخصيات المريضة، هم السبب الأساسي في تخلفنا وجهلنا وغبائنا، بتدميرهم لثروتنا الهائلة من العقول التي ننتظر تحررها وانطلاق إبداعها لتأخذ دورها في صناعة الحضارة وصناعة الغد.
وهذا يقودنا إلى حقيقة خطيرة: أي امرأة تهمل تربية أبنائها فتخرج للعمل وتتركهم فريسة للأفكار الهدامة في التلفاز والشارع والمدرسة، دون أن تكون بجوارهم في معظم الأوقات لتعمل كبرنامج مضاد للفيروسات Anti-virus program وتغربل هذه الأفكار وتحصنهم ضدها، هي امرأة تهدم المجتمع وتضيع الأمل في مستقبل أفضل لأولادها ولنا جميعا، مهما كانت قيمة العمل الذي تؤديه خارج بيتها!.. ما قيمة أي نجاح فرديّ في مجتمع أجياله الجديدة فريسة للتفاهة والانحراف والضياع؟.. وألا يعي من يحقرون دور ربة المنزل، أنها أفضل مبرمجة على ظهر الأرض، لأنها تبرمج المخ البشري والنفس الإنسانية، فيما نعرفه نحن باسم التربية؟
وأريد أن أختم هذا الموضوع بقوله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله.. فلينظر أحدكم من يخالل"
أريد أن ألفت نظركم إلى أن الخليل ليس فقط من يجلس بجوارك في الفصل المدرسي، أو من تمشي معه في الشارع أو تلعب معه الكرة.. الخليل أيضا هو الكتاب الذي تقرؤه، والفيلم أو المسلسل أو البرنامج الفضائي الذي تشاهده، وموقع الإنترنت الذي تدخله.. كل مصدر للفكر قادر على التأثير على سلوكك تتعرض له لفترات طويلة، هو خليل لك يؤثر على وعيك وفكرك وسلوكك ودينك.. فلتنظر جيدا إذن من تخالل.
[1] شروط الزي المحتشم:
1- طويل سابغ ضافي لا يظهر العورة، ويستر كل الجسد.
2- واسع فضفاض لا يلتصق بالجسم ولا يصف العورة.
3- سميك غير شفاف.
4- غير مبهرج الألوان والأشكال، بحيث لا يهدف إلى لفت النظر في حد ذاته.. . يجب أن تقتل المرأة المحتشمة في نفسها حب الظهور والتفاخر بمظهرها.
ظنتت أننى سأقرأ موضوع عن ال DNA و لكنى فوجئت بموضوع أخر أكثر ثراءا ،أحييك على طرحه بهذه الصورة المليئة بالعظات و فى نفس الوقت الخفيفة الظل :)
ردحذفشكرا لتقديرك يا أخت دعاء.
ردحذفتحياتي