أهل الحل والعقد ومجلس الحاكم
في إدراج سابق تعرفنا على اقتراح محمد سعيد بالاعتماد على النقابات بدلا من البرلمانات.. لكنه لم يخبرنا في اقتراحه من الذي سيختار الحاكم؟
إذا تم تطبيق التمثيل النقابي، وتم تحويل مسطح الديمقراطية، إلى اختيار هرمي تخصصي، فمن المنطقي أن يكون من يختار الحاكم هم رؤساء النقابات والاتحادات والجمعيات الأهلية، ورؤساء الأحزاب السياسية، وأساتذة الجامعات وكبار الفقهاء والقضاة، والوزراء والمحافظون (السابقون والحاليون).. ويمكنكم اقتراح أي نوع آخر من النخبة أو الصفوة يدخل في هذا النطاق.
وهذا يعني أن الشعب هو الذي اختار الحاكم ضمنيا، لأنه اختار هؤلاء، أو يثق فيهم لمكانتهم في المجتمع.. وهذا سيجعل من الصعب جدا التلاعب بهؤلاء إعلاميا بسبب سنهم وخبرتهم وثقافتهم ووعيهم، كما سيصعب شراؤهم جميعا بالمال أو تهديدهم بالقوة، لأن كلا منهم تحته الهرم الذي اختاره على قمته.. وهذا يجعل الاختيار أفضل ما يمكن، بدلا من الاحتكام إلى غرائز العامة التي يحركها سلوك القطيع.
أما لو افترضنا فساد كل هؤلاء أو معظمهم، فلا خير ينتظر من مجتمع صفوته فاسدة، لأنهم إفراز هذا المجتمع.. ففساد الرأس ينتج من فساد الجسم، أو يؤدي إلى فساد الجسم.. وكما تكونوا يولَّ عليكم!
أما فترة الحكم، فأقترح أن تكون مفتوحة، لكن مع اشتراط ألا يقل سن الحاكم عند ترشيحه عن 50 عاما، وألا يزيد سنه في منصبه عن 65 عاما بأي حال من الأحوال، فمن الواضح في بلادنا أن تصلب الشرايين وأمراض الشيخوخة هي سبب معظم الكوارث التي نعانيها!!
وأقترح أيضا أن يعود مجلس الحاكم (كما كان لكل خليفة مجلسا)، بحيث لا يقطع أمرا ولا يتخذ قرارا بدون مشاورة الحاضرين فيه، على أن يكونوا ممثلين لكل طوائف الشعب وفئاته ومذاهبه وأديانه وأعراقه وأحزابه وثقافاته، لكي تتاح للحاكم فرصة سماع كل الآراء ومشاكل كل الفئات ومعرفة تأثير أي قرار يتخذه عليها، ومن ثم يستطيع اتخاذ القرار الصائب بالرجوع إلى مستشاريه المختصين.. أما ما يحدث الآن، فهو أن الحاكم يحيط نفسه بمجموعة من الأشخاص والمستشارين لهم نفس التوجه والفكر ومن نفس الحزب، لكي يسمع نفس الآراء، ونظرا لأنه هو من يختارهم، فهم يقولون له ما يحب أن يسمعه، لا الحقيقة كما هي في الواقع!
وفي الشكل البرلماني الحالي، لا يسمع الحاكم أي شيء مما يدور في مجلسي الشعب والشورى بافتراض أصلا أنهما يقرران شيئا لا تريده الحكومة (وهذا لا يحدث حتى في أوروبا نفسها كما نرى الآن من المظاهرات التي تعم معظم الدول، والتي تثبت أن النقابات هي المثل الحقيقي للشعب وليس البرلمانات)!.. وهذا يعزل الحاكم عن فهم تأثيرات القرارات التي يتخذها على شعبه، فربما لو حضر النقاشات لغير رأيه في القوانين التي يريد فرضها، لإدراكه لكوارثها على المدى البعيد.
إن عزل الحاكم عن المحكومين وحصاره وسط دائرة من منافقيه، دون أن يسمع الرأي الآخر، يحرمه من تطوير فكره وتغيير وجهات نظره، والإحساس بخطورة القرارات التي تمس مصالح الطبقات المختلفة.. وهذا هو السبب في تفاقم المشاكل في بلادنا، فكل القرارات التي تتخذ يثبت خطؤها وتظهر كوارثها على الأمد البعيد، لأن العباقرة والخبراء الذين اتخذوها بناء على حساباتهم على الورق، لم يتخيلوا كيف سيتفاعل معها الشعب، وكيف سيتحايل عليها بسبب عدم إقتناعه بها!
لهذا يجب أن يحيط الحاكم في كل لحظة ممثلين عن كل طوائف الشعب وطبقاته ومذاهبه، وأن يتخذ القرارات كلها أمامهم علنا بعد سماع آرائهم، لأن هذا سيجعله يعرف يقينا تأثير هذه القرارات على بلده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.