المتابعون للمدونة

الأحد، 29 نوفمبر 2015

صغيرتي.. السلحفاة لا تسابق الأرنب


اثنان في واحد (ليس برت بلاس)
(3) 





تبدأ الأحداث في ذلك اليوم الجميل..

كنت قادما من مطعم المدينة بعد وجبة الغداء كما شرحت بالتفصيل الممل في الفصل السابق.

وكالعادة كنت أشعر بخمول عجيب يسري في أعماقي بدلال، وهي حالة تعتريني ـ وكما قالوا لي تعتري زملائي ـ بعد كل وجبة في مطعم المدينة، وهو أمر يحتاج لدراسة، للتأكد من إن كانوا يستخدمون ضدنا زيت الكافور أثناء إعداد الطعام، وهل له مثل هذا التأثير أم أنها إشاعة!

وأحبّ أن أنوه هنا إلى أن أي كلام تسمعونه عن تأثيرات زيت الكافور طويلة المفعول على متعاطيه، والتي قد تظهر بعد الزواج، هي إشاعات مغرضة عارية تماما (قليلة الأدب) من الصحة (أصابها البرد بعد أن تعرت.. تستأهل!)، فمن أعرفهم من المدينجية تزوجوا وأنجبوا وفل الفل والحمد لله!

***

في غرفتي، نظرت للفراش وأنا أترنح وأتثاءب كالسيد قشطة، ورحت أخاطب الفراش كما هي عادة الشعراء المجانين:

-  مرحبا يا فراشي.. لعلك شَرِهٌ لمَن ينام الآن، فأنا جائع للنوم كنملة تحرس مستعمرتها.

وألقيت نفسي على الفراش دون أن أحاول استبدال ملابسي، وأخذت شهيقا عميقا وأنا أتمطى مغمغما:

-  أرجو ألا يزعجني محمد ولي حينما يأتي.. أعتقد أن لديه معمل حاسب آلي اليوم.

ومحمد ولي إن كنت لا تعرف ـ ولا أدري كيف يصل بك الجهل لدرجة ألا تعرف ـ هو زميلي في الغرفة بالطبع!

وهي حسبة لا تحتاج منك لكل هذا الجهد لضرب أخماس في أتساع، ولا تحتاج مني لكل هذا اللف والدوران والتشدق الأحمق بالألفاظ و....

ولكن مهلا.. ما الذي أدخلنا في هذا الأمر؟.. ولماذا أكلمك أصلا وأنا أعرف أنك فاقد الوعي منذ آخر مشادة بيننا، ولن تسمع أيا من هذا؟

ماذ كنا نقول؟.. لحظة حتّى أعيد قراءة ما كتبت.. أه.. إنه محمد ولي..

ومحمد ولي إن كنت لا تعرف ـ ولا أدري كيف يصل بك الحد في الجهل لمثل هذه الدرجة.. أرجوك حاول أن تكون أكثر ثقافة، وربما أطلب منك حفظ الأسماء في دليل الهاتف وأضابير السجل المدني، وفي كتيبات خرج ولم يعد ـ إن كانت هناك كتيبات تحمل هذا الاسم، وإن لم يكن فلتكتب واحدا، حتّى أقترح عليك أن تقرأه وتحفظ ما فيه من أسماء، حتى تدرك حينما أحدثك عن شخص ما أن هذا الشخص هو محمد ولي زميلي في الغرفة!

-  ولماذا كل هذا؟.. لماذا لا أبحث في جوجل وأحصل على النتيجة في ثانية وخلاص؟

-  ياااه.. هل استعدت وعيك؟.. مرحبا بعودتك يا قارئي المفقوع.. للأسف نحن الآن في عام 1996 ومحرك البحث جوجل لن يخترع قبل عامين من الآن.

-      معك حق.. أعتذر لك.

-      عجبا.. ما لك تبدو متفهما وهادئا هكذا؟

-  ما زلت تحت تأثير المهدئات العصبية التي حقنوني بها بعد حوارنا السابق.. صدقني أنا أحاول أن أنفجر غيظا، لكني عاجز عن هذا أيها الـ... الـ... !

-      ههههه.. ممتازة هي هذه المهدئات.. هكذا أفضل بالتأكيد.

***

محمد ولي شاب ريفي مثلي..

وهو من عجينة اختمرت جيدا في درجة حرارة 25 مئوية.. أو لعلها لم تختمر بعد لأن الأباجورة لم تكن تشع الحرارة الكافية.. لست أدري، ولا ريب أنني سأسأل الخباز الذي يتعامل معه عن هذا.

المهم أنه إنسان بريء لم توجه له النيابة أية تهم من قبل، ولا علاقة له من قريب أو بعيد بحوادث سرقة الغسيل من على أسطح المنازل، ولا سرقة البط الذي "يقوم من النوم يغطس ويعوم وهات يا لعب".. (جدو علي) يؤكد أنه بريء تماما من أي من هذه الشبهات.

وهو أيضا إنسان بسيط غير معقد، لدرجة أن أي طالب مبتدئ في كلية العلوم يستطيع تحليله إلى عوامله الأولية ببعض العمليات الكيميائية البسيطة، مثل إعطائه قطرات من حمض الستريك أو حتى زجاجة كولا.

وهو أيضا إنسان نقي لم يتلوث بعد، فهو يستخدم مرشحا (فلترا) ليتنفس تحت الماء وهو يغرق يغرق يغرق.

وفوق كل هذا هو طيب جدا.. طيب كالأسد المتخم الذي يشعر بالرغبة في النوم.

كلا كلا.. بل كالسلحفاة الحزينة التي فقدت بيضة متوسطة الحجم مضى على إفرازها أسبوع واحد فحسب، وكانت تتوسم فيها أن تتكسر عن سلحفاة تستطيع أن تسابق الأرنب فتسبقه، دون أن يكون الأرنب مغرورا ينام كالأحمق ويترك السلحفاة تَكِدّ وتَجِدّ وتَحُثّ وتُغِذّ في السير (عاش الإصرار.. سلحفاة هكذا ما شاء الله) والأرنب واثق من النصر، حتى يكتشف بعد فوات الأوان أن "الغرور هو الرمال المتحركة التي تلتهم النجاح".

لكن أين يجد المرء مثل هذا الأرنب الغبي في الحياة الواقعية، لتفيده عزيمته ضده؟.. سؤال يطرح بلحا!

لعلك تفهم الآن لماذا كانت السلحفاة تخطط لتلقين سلحوفة الصغيرة كيف تحقن الأرنب بالمنوم قبل السباق، حتّى تكون لديها فرصة.

مع أني أرى أن من حسن تربية السلاحف، أن تغرس كل سلحفاة في ابنتها الصغيرة احترام الأرانب وعدم الدخول معها في تحديات خاسرة.. فالحكمة الحقيقية التي يجب أن نغرسها جميعا في سلاحفنا هي "رحم الله سُلْحُفا عرف قدر نفسه"!

أو على الأقل يجب على السلحفاة أن تركب "توكتوكا" إذا أرادت أن تسابق أرنبا، مستفيدة من الحكمة الرائعة التي تقول "الحلوة من شبرا" وهي بالمناسبة حكمة أراها مكتوبة على تكاتك شبرا، وقد أثبتت جدواها في أكثر من مناسبة، ليس هذا مجال سردها.

ذكروني لو صرت وزير تعليم السلاحف، أن أحذف قصة السلحفاة والأرنب من المناهج، لأنها قصة غبية تُخرج جيلا أخرق دُون_كيشوتّي يحارب طواحين الهواء بلا هدف وبلا حكمة، ويتوقع النجاج فقط في حالة كسل الآخرين!

لعلكم فهمتم الآن مغزى كل هذا التشبيه المعقد:

محمد ولي إنسان طيب.. طيب مثل....

لا.. كفانا تشبيهات اليوم، وإلا فلن يتبقى شيء في مناهج التعليم يصلح لتلقينه للمحكوم عليهم به!

***

هل كانَ نوما؟

إذا كان الشيء الذي يرى فيه الإنسان نفسه يقضم نخلة بأسنانه الحادة على مائدة في ملهى ليلي، ثم يحتسي برميلا من زيت المحركات ويتجشأ باستمتاع، ثم ينهض ليراقص نملة ممشوقة القوام ترتدي نظارة سوداء وحذاءً طويل الكعب، وترقص كالخنفساء المجنونة على إيقاع أغنية: "بابا أوبح".. إذا كان هذا الشيء يعتبر نوما، فلا ريب أنني كنت نائما!

(ملحوظة: هذه هي نفس النملة التي كانت تحرس مستعمرتها في تشبيه سابق، لكنها الآن في عطلة نهاية الأسبوع).

المشكلة أنه كان نوما مزعجا، لأني ظللت أسأل نفسي طوال الحلم عن كيفية مراقصة النملة وهي تملك أساسا ست أرجل؟.. أو لعلها ثماني؟!.. أرسلت صديقا ليحضر لي نملة لأتأكد من عدد أرجلها ولم يصل بعد.. إنني خائف عليه كثيرا!

كيف يمكن للمرء أن يراقص نملة لها كل هذه الأيدي أو الأرجل؟.. من أي يد أو رجل يمسكها، وهو أساسا له يدان اثنتان فقط؟

وهكذا أصابني ارتباك عظيم، وأنا لا أدري كيف أراقص النملة، فغضبت مني واعتبرتها وقاحة، وصفعتني بيدها اليمنى الوسطى (لو كنت تجلس في مدرجات الدرجة الأولى، فستراها وهي تصفعني بيدها الثانية من جهة اليمين.. أما لو كنت تجلس في مدرجات الدرجة الثالثة، فستراها أيضا وهي تصفعني بيدها الثانية من جهة اليمين.. مكان الأيدي لا يتغير تبعا لموضعك يا عزيزي!)

وتمضي النملة عني مغاضبة، فأهتف بها:

-      ناني.. عودي يا ناني!

وهو أمر مُخزٍ، فأنا لم تصل بي التفاهة لدرجة مناداة نملة محترمة بهذا التدليل السخيف، ولو أنني كنت في الواقع وليس الحلم، لكنت ناديتها بكل وقار:

-      نملة.. عودي يا نملة.. هل هذه عملة؟.. عودي يا نملة، أو أعمل حملة!

ثم أطاردها بسيارة قوية، متقمصا دور أدهم صبري، حيث أقود بيدي اليمنى، وأطلق الرصاص بيدي اليسرى وأنا أهتف:

-      مت أيها الوغد.

وهنا تبرز طائرة عمودية من العدم، وتطلق الرصاص على السيارة، فأنحرف بها بقوة و....

ولكن هذه مغامرة أخرى، تخرج عن نطاق هذا الحلم، لهذا فهي لا تعنينا هنا في أنجاونديري.

***

كان كابوسا بشعا، استيقظت منه وأنا أتصبب عرقا وأتنفس بسرعة، ورحت أُبسمل وأُحسبل وأُحوقل، وأنا أحاول أن أزيح عن ذهني ذلك المشهد المرعب.

وفي تلك اللحظة.. في تلك اللحظة بالذات.. في نفس ذات اللحظة بالتحديد.. عادي جدا.. لم يحدث أي شيء.. لماذا أنت متوتر هكذا؟!

جلست على الفراش حتى هدأت نفسي، واستعدت رباطة جأشي (أم فيونكة حمراء)، ونظرت في ساعتي، فإذا بها الثانية والنصف.

وهنا.. وفي تلك اللحظة.. في تلك اللحظة بالذات.. في نفس ذات اللحظة بالتحديد، سمعت صوت مفتاح يدور في رتاج الباب، فنظرت إلى الباب وهو يفتح ببطء، وذلك الشخص يتلصص داخلا إلى الحجرة.

يا أخي دعك من هذا التوتر.. هذه ليست قصة رعب.. هذا فقط محمد ولي، يتسلل للغرفة محاولا ألا يوقظني، دون أن يدري أن سيف ناني سبق العَذَل (هل أخبرتكم أنها كانت تمسك سيفا في رجلها اليسرى العلوية؟).

وفوجئ محمد ولي بي مستيقظا على غير العادة، فسألني بدهشة بعد تبادل السلام:

-  لماذا لست نائما كالخرتيت؟.. ألم تتناول جرعة الكافور اليوم؟.. أنت تعرف أن لها أعراض انسحاب عنيفة!

قلت مطمئنا:

-      لا تقلق.. إنني آخذ جرعاتي بانتظام.

-      لماذا أنت مستيقظ إذن قبل منتصف الليل؟

-      لا عليك.. إنه مجرد كابوس.

اطمأنّ محمد ولي، وهدأت نفسه، واستعاد رباطة جأشه (أم فيونكة زرقاء)، وتمتم:

-      الحمد لله.

وهنا.. وفي تلك اللحظة.. في تلك اللحظة بالذات.. في نفس ذات اللحظة بالتحديد، انتبهت إلى شيء غريب في وجه محمد ولي!

وقفز توتري إلى الذروة.

***

..... تتبع بإذن الله

 
 

لعنة الاختلاف


لعنة الاختلاف 

هذا اعترافْ

إني عليكِ الآنَ من حبّي أخافْ

هل تعرفينَ الأمنَ لو تَحيَيْنَ خارجةً عن الأعرافْ؟

عيناكِ زائغتانِ ثَمَّ؟

يداكِ شائكتانِ عالقتانِ في الأصوافْ؟

تتلعثمينَ وشِعرُكِ الرَّقراقُ يَغدو نابيَ الأوصافْ؟

هل تَعرفينَ الآنَ معنى أن تُصيبَ نُهاكِ لعنةُ الاختلافْ؟

أن تُعلني الأحلامَ في وسْطِ الخِرافْ؟

أن تَغرسي الأزهارَ في زمنِ الجفافْ؟

أن تَحضُني الأرياحَ في ليلِ ارتجافْ؟

وتُوزّعي في مقلتيكِ الخوفَ للعميانِ، مَعنَى كلِّ خَافْ

وتُسافري ليلَ المُجونِ وأنتِ بدرٌ للعَفافْ؟

مَنبوذةً مِن كلِّ عِربيدٍ مُجافْ

فالعقلُ في وادي الجنونِ، هو الجنونُ والانْحرافْ!

والعزمُ في وجهِ السيولِ، عدوُّ أسْرَى الانْجرافْ

وأنا لَفظتُ حياتَهم وغَدَوتُ عالَمَهمْ أَعافْ

لأعيشَ خارجَ الائتلافْ

مَطرودَ لعنةِ الاختلافْ

فامْضِي ـ خلاكِ اللومُ ـ عنّي واتركي سَبعِي العِجافْ!

خيرٌ لقلبينا التَّجافْ

عن أن نضيعَ بلا هدى في ليلِ نَفْيٍ وارتجافْ

 

محمد حمدي غانم، 2010

أمهلك


يا مَن فؤادي أنهلَكْ = صبري طويلا أَمْهلَكْ

عجبًا لقلبِكِ لا أرَى: ما زالَ حيًّا أَمْ هَلَكْ؟

محمد حمدي غانم، 2015

احتراق


حينما ذُبتُ فيها حبّا..

لم أكن أعلم أنها... حمض كبريتيك مركز!!

محمد حمدي غانم، 2015

 

السبت، 28 نوفمبر 2015

في الوقت غير المناسب


في الوقت غير المناسب
 

تعوّد دوما أن يقابلها بدون موعد كلما ذهب إلى الكلية بعد أن تخرّجا فيها.

نفس الصدفة الباسمة الجميلة، كانت تتكرر كثيرا، كأنهما على موعد أبديّ غير معلن.

لم تكن أجمل فتاة رآها بعينيه.. لكن قلبه رآها في غاية الجمال.

وفي ذلك اليوم، كان قد أنهى حصة من دورة يشرحها في أحد معامل الكلية، حينما رآها تنتظر المصعد الذي كان ـ لحسن الحظ ـ متعطلا ساعتها.

كانت في مصر في إجازة صيفية، وها هو ذا يراها أخيرا بعد سنوات من سفرها وانقطاع أخبارها عنه.. فحينما طلب منها بريدها الرقمي ذات مرة، رفضت أن تعطيه له (تخيل لو طلب منها هاتفها!)، وأعطته فقط بريدا مشتركا تستخدمه هي ومجموعة من صديقاتها.. وقد احترم منها هذا، واكتفى بهذا البريد العام.. لكن المشكلة أنه صار غير متاح بعد فترة من الزمن، وبهذا لم تعد هناك أي وسيلة للتواصل بينهما.

لكن ها هي ذي اليوم أمامه أخيرا.

سألها عن أخبارها وسبب وجودها في الكلية.

أخبرته أنها تعمل في الخارج، وجاءت إلى الكلية لتدرس دورة متقدمة ما، لم يهتم بمعرفة تفاصيلها، ستفيدها في مجال عملها.

لم تكن كل هذه التفاصيل تعنيه، فقد كان ذهنه منشغلا بأمر أهم.

سألها إن كانت قد رزقت بأبناء، فقالت في خجل بصوت خافت، إنها لم تتزوج بعد!

همّ بأن يسألها السؤال الذي كتمه في أعماقه لسنوات منذ أن كانا زميلين في نفس الكلية.. لكنه تذكّر أنه ذاهب في تلك اللحظة بالذات، لمقابلة الرجل الذي سيطلب منه يد ابنته!.. لهذا ألجم لسانه بصعوبة بالغة، واكتفى بأن يتمنى لها التوفيق!

وحينما ودّعها وانصرف، كان يعلم أنه لن يراها بعد ذلك أبدا!

في الشارع، كان الدخان يملأ سماء القاهرة.. لم يعرف ساعتها إن كان صادرا عن حريق مجلس الشورى*، أم عن نيران قلبه الملتهب!

فيما بعد، فشل مشروع الخطبة، وكانت هي قد غابت في غياهب المجهول!

إلى الأبد!

 

محمد حمدي غانم

11/5/2012

 

___________

* حريق مجلس الشورى، 19/8/2008

 

ماثلة


ولا أشتاقُ يا (ليلَى) إليكِ،

تَمُرُّ أيامي

وأنتِ هناكِ في قلبي

وفي شِعري وأحلامي

محمد حمدي، 2014

 

مضاعفة


عجيب هو الأمر:

بمجرّد أن صرتِ حبيبتي، صار من حقّي أن أقتسم معكِ السعادة، بدون مجهود منّى!

مبروك لي نجاحك!

عجيب هو الأمر:

بمجرّد أن صرتِ حبيبتي، صرتُ أرى الدنيا بأربعة أعين بدلا من عينين، وأعيشها بروحين، وأحبّها بقلبين.. إنّني الآن أحيا مرّتين!

مبروكٌ لي حياتك!

محمد حمدي غانم، 2004

 

سأفتقدك


ستكونين دوما معي.. ولكنّي سأفتقدك.. وسأفتقد بهجة العيد.

محمد حمدي غانم، 2004

 

معلق


لا بقربه يوم فِرِحْـنا = ولا سابنا زي ما احنا

موش قلت لي يا قلبي = منه خلاص ارتحنا؟

محمد حمدي، 2014

 

قيد


لقدْ أحببتُها والحبُّ قيدٌ

وما للقيدِ مِن كسرٍ سِواها

محمد حمدي، 2011

 

لا تنكريني


لا تُنكريني، أنتِ ألفُ يمامةْ

للقلبِ غنَّتْ بَعثرَتْ أوهامَهْ

محمد حمدي، 2015

 

مطاط


وأغضبُ منكِ أحيانًا = لِفَرطِ الحُزنِ والوجدِ

وأبعدُ عنكِ لكنّي = إليكِ يُثيبني رُشدي

محمد حمدي، 2011

 

آنسيني


آنسيني إنني قلبٌ وحيدْ

إنني طفلٌ يتيمٌ أنتِ في دُنياه عيدْ

قد لمحتُ الحلمَ في عينيكِ يَشدو مِن بعيدْ

فاحتوَى عينيكِ قلبي واشتهَى القلبَ الفريدْ

واقتربنا مثلَ عُصفورينِ يَلتمسانِ دفئًا ليلةَ البردِ الشديدْ

محمد حمدي غانم، 2013

 

الخميس، 26 نوفمبر 2015

الملاعق.. ذكريات مدينجي مخضرم


اثنان في واحد (ليس برت بلاس)
(2)
تبدأ الأحداث في ذلك اليوم الجميل..
كنت قادما من مطعم المدينة الجامعية بعد وجبة الغداء، أمسك ملعقتي في يدي بفخر، وأرفعها كل حين لتحيي صديقاتها المستكينات في يد قوافل المدينجية الزاحفين على المطعم أو العائدين منه، في طقس يومي معتاد.
لاحظ أن المدينجي هو اختصار: "ساكن المدينة الجامعية" كما هو متعارف عليه بين مواطنيها ويختصرونه أيضا في قاموس اكسفوخس بـ MG.
وللملعقة في حياة المدينجي أهمية قصوى، لدرجة أن بعض المدينجيّة المنفيين في مجاهل مبنى 14 وما حوله، كانوا يذهبون إلى كلياتهم بملاعقهم صباحا، لأن قطع مسافة عدة كيلومترات ذهابا وإيابا ثم عودةً، ما بين المطعم المجاور لبوابة المدينة الجامعية والمباني البعيدة المنفية في نهايتها، كان يستلزم طاقة أكبر من التي تمنحها وجبة الغداء الهزيلة أصلا!.. وللأسف لم يكن اختراع التوكتوك قد دخل مصر حينها، وإن كنت لا أظن أنهم يسمحون اليوم باستخدامه كوسيلة مواصلات شرعية داخل المدينة الجامعية، وهو أمر يجب أن يطالب به هؤلاء الطلبة البؤساء.
بالنسبة لي وباقي طلبة كلية الهندسة، كنا في مبنى 4، وكان قريبا نوعا من المطعم، لذا لم تكن ثمة مشكلة.
ولكن، ولأن الست الحاجّة أم الاختراع ربنا يكرمها، قد عملت على ظهور حل أنيق بعد هذا بعام أو عامين، فقد وفر لنا الكشك الموجود داخل المدينة بالقرب من بوابتها، ملاعق بلاستيكية زهيدة الثمن، ما وفر على الطلبة معاناة الرحلات المكوكية من أجل إحضار ملاعقهم المعدنية، ووفر عليهم حرج الذهاب إلى الكليات بملاعقهم، والتي كانت كفيلة بتضييع مستقبل من يُمسك منهم متلبسا بحمل ملعقة داخل الكلية، لأن أمن الكلية كان سيصاب بالإسهال وهو يحاول تخيل كل الجرائم البشعة التي يمكن أن يرتكبها طالب بملعقته داخل الكلية!
فهل كانوا سيصدقون الطالب مثلا لو قال لهم إنه أحضرها ليتذوق بها طعم النجاح؟.. ولن تكون كذبة كبيرة، فلا فارق يذكر بين النجاح وجناح الدجاجة المجمدة التي يأكلها في المدينة!
***
تبدأ الأحداث في ذلك اليوم الجميل..
كنت قادما من مطعم المدينة الجامعية بعد وجبة الغداء، بعد أن التهمت فخذ الدجاجة بدمّه المتجمد، في الصينية المعدنية (السيرفيس) التي كان من النادر أن أجد واحدة منها نظيفة تماما، لأن من ينظفونها في عجالة كانوا يغسلون وجهها العلوي، ولا يعتنون بوجهها السفلي، الذي تلتصق به بقايا الطعام أثناء رص الصواني المتسخة فوق بعضها، ومن ثم حين يعاد رص الصواني المغسولة فوق بعضها، توسّخ كل صينية الوجه النظيف للصينية التي تحتها!!.. لكن على ما يبدو أنهم كانوا يحتاجون شيرلوك هولمز مثلي متخصص صواني مدينجية، ليفهموا هذا!
طبعا محظوظ هو من يأخذ أول صينية في كل رصة!!
وبالنسبة لشخص أنوف مثلي، يتقزز من بلع لعابه هو نفسه، احتاج الأمر شهورا من التدريب القاسي للتأقلم مع هذا الوضع في مطعم المدينة.
في البداية كنت أمنح صينية الطعام بكل ما عليها من أرز وخضار وربع دجاجة لأحد المدينجية المخضرمين، وأحتفظ فقط بالفاكهة، في مقابل أن آخذ فاكهته!.. وهو الأمر الذي كان يصيب سعيد الحظ الذي أعقد معه هذه الصفقة بالفرحة الهستيرية، وهو لا يصدق أنه قابل أخيرا مجنونا مثلي!.. ومن سوء الحظ أننا لم نكن نملك حينها هواتف محمولة، وإلا لأخذ نصف المدينجية رقمي، لتنسيق مواعيد الغداء!
وهكذا عشت أسابيع أتغدى ببرتقالتين أو بعض أصابع الموز، ولم يكن هذا أمرا معقدا لذلك الحد، نظرا لتاريخي الطويل مع الأنيميا منذ طفولتي، بسبب كراهيتي لمعظم أصناف الخضار واللحوم والألبان والأسماك والبط!.. لم أكن أحب غير الجبن والعدس والدجاج!.. لهذا ظللت طيلة حياتي نحيفا شاحبا، إلى أن رفعتُ الحظر عن اللحوم والبط، وساهم انغماسي في عالم البرمجة والحاسوب فيما بعد في تقليل نشاطي الحركي وزيادة وزني بعجلة تسارع فلكية!
لكن الأمر في المدينة لم يكن معقدا جدا، فبعد التهام الفاكهة كنت أذهب للنوم بعد العصر، وحينما أنهض يكون وقت العَشاء قد بدأ بعد المغرب، فأذهب لتناول الخبز والجبن أو المربى وأتحاشى الفول.
وقد ظللت على هذا إلى أن شارفت على الاختفاء، وبدأت أقول لنفسي:
-  ما دام كل من حولي يأكلون هذه المخلفات ولا يصيبهم شيء، فلا ريب أنني سأنجو!
في البداية أقنعني أولاد الحلال أن صدر الدجاجة ليس فيه دم متجمد مثل فخذها، وأنني أستطيع أكله برغيف الخبز المصاحب لوجبة الغداء.. ومن ثَمَّ بدأت مرحلة التفاوض على مبادلة الفخذ بربع الصدر، ونظرا لأن هذا لم يكن يفلح كثيرا، فقد شرعت في استخدام مهاراتي الرياضية والإحصائية للوقوف في الطابور في الموضع الذي يضمن لي الحصول على صدر الدجاجة في دوري، حيث كانت الصدور والأفخاذ توزع تبادليا!.. وقد حققت حصاباتي نتائج مبهرة، فصرت أحصل على الصدر في أكثر من 90% من الأيام!
(للاسف نسيت أن أضيف هذه المهارة لسيرتي الذاتية.. مع أنها تشهد بجدارتي كمهندس بمنتهى الجلاء).
وهكذا بدأت آخذ أوراق اعتمادي كمدينجي محترف!
وبالمناسبة: هذا الأمر نفعني جدا في السنة التي أمضيتها في الجيش.. فأكل الجيش كان مشابها لأكل المدينة الجامعية، باستثناء أنني في المدينة كنت آكل ربع دجاجة يوميا ما عدا الجمعة، بينما في الجيش كنت آكل قطعة لحم مجهرية الحجم أسبوعيا!!.. وطبعا كانت صواني الجيش أنظف لأن الوحدة التي كنت فيها كانت تحوي عددا أقل من عدد الطلبة في جناح واحد في دور واحد في مبنى واحد في المدينة الجامعية، لكن في المدينة كان كل طالب يأكل في صينية بمفرده، بينما في الجيش كانت تلك الوجبة منزوعة اللحم تكفي فردين بقدرة قادر!!.. وتحيا مصر!
والنتيجة أنني فقدت نصف وزني في الجيش في ستة أشهر، بسبب قلة الأكل وقلة النوم وقلة الراحة وقلة الآدمية وقلة كل شيء ما عدا الجهد البدني والضغط النفسي!!
-      يا أخ.. يا باشا!
-      مَن.. نعم؟
-      ركّز، رضي الله عنك.
-      مَن حضرتك وكيف دخلت إلى هنا؟
-  أنا قارئ تعيس الحظ فقعت مرارته بهذه الثرثرة، ولم يعد يعرف عن أي شيء تتكلم بالضبط!
-  آه.. مرحبا بك.. لحظة.. فقع.. فقع.. وجدتها.. الفَقَعُ: شِدَّةُ البياض والفاقِعُ: الخالِصُ الصفرةِ الناصِعُها.. وقد فَقَعَ يَفْقَعُ ويَفْقُعُ فُقُوعاً إذا خَلَصَت صفرته.. وفي التنزيل: "صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها".. وأَصْفَرُ فاقِعٌ وفُقاعِيٌّ: شديد الصُّفرة.. هل هذا ما تعنيه؟
-      يختاااااي!
-  آه.. لحظة لحظة.. لعلك تعني: والفَقْعُ: الضُّراطُ، وقد فَقَّعَ به.. وهو يُفَقِّعُ بِمِفْقَعٍ إِذا كان شديد الضُّراطِ.. وفقعَ الحمارُ إِذا ضَرطَ.. وإِنه لَفَقَّاعٌ أَي ضَرَّاطٌ.. هل هذا ما حدث لك؟
-      عيب عليك يا أستاذ.. هل تكتب على ورق كرنب أم ماذا؟
-  إمم.. معك حق.. معذرة.. لعلك إذن تعني التفْقِيع أي التشَدُّقُ.. يقال: قد فَقَّعَ إِذا تَشدَّقَ وجاء بكلام لا معنى له.
-      شغّااااال.. هذا هو ما أريد قوله لك.. أنت تُفقّع وتَفْقَع مرارة قرائك!
-  أو لعلك تقصد التفْقِيع أيْ صوْتُ الأَصابع إِذا ضرَب بعضها ببعض أَو فَرْقَعَها.. وفي حديث ابن عباس: "أَنه نَهى عن التفْقِيعِ في الصلاة".. وتَفْقِيعُ الوَردةِ: أَن تُضْرَبَ بالكفّ فَتُفَقِّعَ وتَسْمَعَ لها صوتاً.
-      هل يوجد شيء لديك له علاقة بتفقيع اليد على الوجه؟
-  لحظة من فضلك.. إممم.. للأسف لا.. ولكن أرى هنا كلمة الفقاقيع، ومفردها فُقّاعة.. آه.. أنت تعني أن مرارتك كالفُقّاعة وأنني فرقعتها.. فهمت الآن.
-      الحمد لله.. هل نركز إذن ونعود إلى موضوعنا؟
-      أي موضوع؟.. الفقع؟
-      يا نافوخي.
-  لحظة.. نافوخ نافوخ.. هذه من مادة نفخ أي عكس فقع.. ماذا نفختُ لك بالضبط؟.. أرى وَدْجَيك منتفخين ووجهك أحمر.. هل أنت مريض؟
-      عاااه.. نافوخي يا عالم.
-  آاااه.. لعلك تقصد "يافوخك".. اليافوخ: هو ملتقى عظم مقدمة الرأْس ومؤخرتها.. النافوخ خطأ لغوي شائع.
-      أبوس يديك.. ارحمني من برنامج "لغتنا الجميلة" وعد إلى القصة.
-      القصة.. آه.. يا رجل.. لماذا لم تقل هذا من البداية؟.. اسمع يا سيدي:
***
تبدأ الأحداث في ذلك اليوم الجميل..
كنت عائدا من مطعم المدينة، وأنا أحمل ملعقتي..
صعدت إلى الدور الثاني حيث غرفتي، وفي الممر الذي ترتص على جانبيه الغرف رحت أتأمل اللافتات السخيفة المعلقة على بعض الأبواب والمكتوب عليها: "نحن نرحب بك في كل وقت عدا الآن!".. والتي هي الصيغة المهذبة لعبارة: "انقشع يا جدع.. لا نريد زياراتك في أي وقت"!.. كثيرا ما كنت أجد بعض الطلبة يهرش رأسه في حيرة أمام هذه اللافتة، ويغمغم لنفسه:
-      لقد نفذت طلبكم وجئت في وقت آخر.. هذه عاشر مرة.. متى آتي بالضبط؟
فتحت باب غرفتي، وقبل حتّى أن أخطو إلى الداخل مددت يدي لأفتح شباك الغرفة المواجه للباب، فمساحة الغرفة كلها لم تكن تزيد عن نصف متر مربع، ولكنها ببراعة وتنظيم هندسي رائعة من القائمين على المدينة الجامعية استطاعت أن تحتوي على مكتبين وكرسيين وسرير بطابقين وصوان ملابس!.. ولا يهم أن تستطيع فتح باب الغرفة لآخره ولا زجاج النافذة لربعه!.. المدينة تقول لك: تصرّف!
وإن كان يحمد لهم أنهم جعلوا أعلى باب الغرفة فتحات خشبية للتهوية، فلولا هذا لمات الجميع مختنقين بثاني أكسيد الكربون ليلا في علبة السردين هذه!.. لكن هذا بالطبع جعل المذاكرة مستحيلة، مع كل الأصوات الداخلة مع الأكسجين!.. لكن الحياة تستحق بعض المشقة.. أليس كذلك؟
أما عن تحركك أنت وزميل الغرفة في هذه المساحة الضيقة، بل ووضع لوحات الرسم الهندسي على المكتبين واستخدام المسطرة حرف T، فكلها مهارات أساسية يتدربون عليها في الصاعقة، كنا نجيدها ونحن مغضمو الأعين، وكان من العادي أن ترى شقلباظات خلفية بارعة نقوم بها كأمهر لاعبي السيرك، خاصة حينما يأتي إلى الحجرة زائر أو أكثر.. نعم.. أنت لا تدري ماذا يمكن لنصف متر مربع أن يفعله إذا بارك الله فيه.
المهم.. خطوت نصف خطوة للداخل فاصطدمت بزجاج النافذة، ولكني لم أبال، بل التقطت الصابونة، وتوجهت لأغسل يدي والملعقة في الحمام.
في الممر المفضي إلى الحمام، مررت بالأعجوبة الهندسية الأخرى التي أبدعها القائمون على المدينة الجامعية، وهي مساحة فارغة من الطرقة وجدوا أنها تكفي لإعاشة أربعة أفراد وحرام إهدارها، فتفتّق ذهنهم عن فكرة لولبية (حلوة تفتق.. تشبيها للفكرة بالمفتقة) وهي تقفيل المساحة الفارغة بالخشب المغطى بالفرومايكا، حيث كانت تثبته على مسافات شرائط طولية من الألومنيوم، وهو الأمر الذي خلق هواية محببة لكل الذاهبين والعائدين من الحمام بملاعقهم (لاحظ أن غسيل الملاعق يتعلق أكثر باحتساء الشاي وليس فقط بالغداء، وأنت تعرف إدمان الشاي لدى الشعب المصري)، فقد كان الطلبة يشعرون باستمتاع مريض وهم يلصقون ملاعقهم بالفرومايكا أثناء سيرهم، لتحدث صوتا عاليا تقشعر له أبدان مَن في الغرفة، وتميّزه نغمات متفرقة لاحتكاك الملاعق بشرائط الألومنيوم!!.. وهو ما أدى إلى إصابة التعساء المقيمين في هذه الغرفة بحالات هستيرية، وكأنما لا تكفيهم مشاكل النوم والمذاكرة في غرفة فيها أربعة أشخاص!!
بالنسبة لي، فقد احترمت الورقة التي ألصقوها على الفرومايكا يبوسون فيها ملاعق المارين ويناشدونهم بالتوقف عن هذه الهواية الممتعة.. وتضامنا مني معهم، قررت أن أسرّي عنهم بالغناء بأعلى صوتي النشاز كلما ذهبت أو عدت من الحمام لأغراض يطول ذكرها، فقد كان صدى الصوت في الممر يصنع مع صوتي النشاز سيمفونية عذبة، لحسن حظهم أن الحائط الخشبي لم يكن يحرمهم من سماعها!
-      كابتن.. يا كابتن.. بسسسس.
-      أنت مرة أخرى؟.. ماذا تريد يا قارئي المفقوع؟
-      أبوس ملعقتك.. كفّ عن حكها في فرومايكا يافوخي، وادخل في القصة.
-      القصة؟.. أي قصة؟
-      القصة التي بدأت أحداثها في ذلك اليوم الجميل!
-  يااااااه.. كدت أنسى.. لكن ألا تريد أولا أن أحكي لك لماذا كان اليوم جميلا؟.. لقد كان الطقس رائعا ودرجة الحرارة تـ.... أستاذ؟.. مفقوع باشا؟؟.. يا لهوي.. هل مات أم فقد الوعي؟.. أدركونا يا قوم.. يا قوم.
***
..... تتبع بإذن الله.



 

 

صفحة الشاعر