من الحصاة إلى الحاسوب
من الذي اخترع الحاسب الآلي؟
لا شك أن هذا السؤال راودك مرارا وأنت
تفكّر في هذه الآلة المذهلة التي غيرت شكل حياتنا وستغير شكل مستقبلنا.
فمن يا ترى اخترع الحاسب الآلي؟
الحقيقة أن هذا السؤال ليس بالبساطة التي
يبدو عليها، فبخلاف أن الحاسوب يتكون من أجزاء مختلفة يعتبر كل منها اختراعا في حد
ذاته، فإن الحاسوب كذلك هو حصيلة الفكر البشري في مجالات وعلوم عديدة، كالرياضيات
والمنطق والفيزياء، وبالتالي لا نعرف تحديدا من أين نبدأ قصة اختراعه!
هل ستقبل الرأي القائل بأن أول حاسب آلي
هو جهاز العد الحجري abacus الذي اخترع في بابل قبل 3000 سنة من ميلاد السيد
المسيح عليه السلام؟
أم ستقتنع برأيي أنا، لو قلت لك إن راعي
ماشية في العصر الحجري قد يكون هو من اخترع الحاسوب ووضع فكرة أول برنامج؟
ستندهش حتما: كيف هذا؟
في يوم ما من التاريخ المجهول، اخترع رجل
ما عاش على هذا الكوكب، طريقة بدائية لإحصاء ماشيته، ليعلم ما ضلّ منها أو أكله
الوحش، وما زاد عليها بالميلاد أو الصيد.. كانت هذه الطريقة تتلخص في كيس يضع فيه
حصاة مقابل كلّ ماشية يملكها، وبنهاية كل يوم يقارن الحصى بالماشية، فإن زاد الحصى
عن الماشية كان هذا دليلا على نقصان الماشية، والعكس بالعكس.
وبهذا كان كيس الحصى أول جهاز للحساب،
وكانت مقارنة الحصى بالماشية أول برنامج في التاريخ!
تحضرني هنا واقعة طريفة: يوما ما في عهد
أديسون أواخر القرن التاسع عشر، اقترح أحد موظفي مكتب براءة الاختراعات إغلاق
المكتب، لأنه من وجهة نظره لم يعد هناك ما يمكن اختراعه، مع كل ذلك الكم من
الاختراعات الذي يرد إلى المكتب كل يوم!!
تخيل فقط لو أن البشرية اكتفت بكيس الحصى
حلا لمشاكلها؟!
لا ريب أن مصر كانت ستحتاج إلى جيش من
موظفي الإحصاء للاحتفاظ بـ 80 مليون حصاة، وإيقاف الشعب في طوابير يومية لإحصائه!
هل تشعر إذن مثلي بجمال علم الحساب،
وعبقرية ذلك الرجل الذي اخترع الأرقام بديلا للحصى، ليقلّص حل المشكلة من كيس من
الحصى يحمله المرء على ظهره، إلى مجرد عدد واحد لا وزن له يحمله المرء في رأسه؟!
لا ريب إذن أن الذي اخترع نظام العدّ هو
الأب الحقيقي لاختراع الحاسوب!
ولكن.. ماذا عن اختراع الكتابة؟
ماذا عن ذلك العبقري الذي أراح ذهن
الإنسان من حمل مئات أو آلاف الأعداد التي يمكن أن ينساها، وأعطاه الحل باختراع
رموز مقابلة للأرقام ونقشها على الحجر؟
لكن ماذا عن العبقري الذي اختزل لوح
الصخر إلى ورقة يطويها المرء ويحملها في جيبه؟
وماذا عن العباقرة الذين اخترعوا قواعد
الحساب، ووضعوا أنظمة العد المختلفة؟
ماذا عن الصينيين الذين اخترعوا لوح
الحساب الذي كان أساس النظام العشري، والهنود الذي نقلوه عنهم، والعرب الذين وضعوا
الرمز الرياضي للصفر ليدل على الخانة الفارغة في لوح العد الصيني؟
وماذا عن علماء المسلمين الذين طوروا
الكيمياء والفيزياء ووضعوا قواعد الجبر والتفاضل والتكامل وغيرها من العلوم التي
بني عليها الحاسب؟
هل تعرف أن طريقة التفكير البرمجية تُسمى
خوارزمية Algorithm، نسبة إلى
العالم الرياضي المسلم الشهير أبي بكر الخوارزمي؟
وماذا عن علماء الغرب الذين ساهموا في
مسيرة العلم، في الرياضيات والكيمياء
وخصائص المواد والكهرباء والإلكترونيات وعلوم الاتصالات؟
إذن فالحاسوب والبرمجة هما حصيلة مشوار
الفكر البشري.. وها أنت الآن تُجري حساباتك على الحاسب، وتخزّن بياناتك على
الوسائط المتعددة، وتقرأ الكتب على الشاشة، وتسمع القرآن، وتلعب الألعاب، وتشاهد
الأفلام الحية والرسومية Graphics،
وتخاطب أصدقاءك على الشبكة الدولية للمعلومات Internet في أقصى الأرض كأنهم بجانبك، لأن رجلا مجهولا في أعماق التاريخ
أراد يوما ما حل مشكلة مستعصية بالنسبة له: كيف يعدّ ماشيته!
للتعرف على تاريخ الأعداد ونظم العد من
الحضارات القديمة وحتى عصر الكمبيوتر أنصح بقراءة الكتاب المدهش "العدد"
تأليف (جون ماكليش) وترجمة د. خضر الأحمد و د. موفق دعبول، والصادر ضمن سلسلة عالم
المعرفة العدد رقم 251 من إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب
بالكويت.. السلسلة متوافرة الكترونيا على العديد من مواقع الشبكة الدولية
للمعلومات Internet.. فقط
ابحث عن اسمه واسم مؤلفه.
وهذا رابط مباشر لتحميله:
* مقطع من الفصل الأول من كتاب من الصفر
إلى الاحتراف (فيجوال بيزيك دوت نت 2010 أو سي شارب 2010)، تم حذفه من الكتابين في
إصدار 2015 لاختصار حجم الكتاب بسب انهيار الجنيه المصري وارتفاع تكاليف الطباعة!