نيل مصر في خطر
(2/6)
إن من المرعب تخيل ماذا سيحدث لو ابتلينا بموجة جفاف
وقحط في مصر، وقد رأينا الناس تقتل بعضها في طوابير الخبز عام 2008، وتتزاحم في
طوابير اللحوم، بدون أي جفاف أو كوارث طبيعية، فماذا سيفعلون حينما ينزحون من
المحافظات الشمالية إلى المحافظات التي فيها الزرع والماء؟!!
إذن، فما هي الأفكار الممكنة لو حدث ما نكره؟
هناك الكثير من الحلول، وإن كانت كلها مكلفة، وتحتاج إلى
البدء فورا لتكون جاهزة عند الحاجة.. ويمكن تقسيم هذه الحلول إلى عدة مجموعات:
أ. حلول تهدف إلى تقليل الفاقد من حصة مصر من ماء النيل،
وترشيد المستهلك منها في الزراعة.. ومن هذه الحلول:
1- ترشيد جزء أكبر من مياه النيل التي نفقدها في البحر
المتوسط.. لكني أرى أن هذا سيجعل مياه
النيل في مصر أكثر تلوثا مما هي عليه الآن بسبب بطء تجددها وارتفاع تركيز الملوثات
فيها، وبالتالي ستسبب لنا أمراضا أكثر مما تسببه الآن.. وتشير الإحصائيات حاليا
إلى أن أكثر من 100 ألف مصري يصابون بالسرطان سنويا بسبب تلوث المياه.. هذا غير
أكثر من 2 مليون مصاب بالفشل الكلوي، و9 مليون مصاب بفيروس الكبد الوبائي!!..
بوضوح: إن كان السد العالي قد حمانا من القتل الجماعي بسبب الفيضانات أو الجفاف،
فقد عرّضنا للقتل القطّاعي، بالأمراض الناجمة عن زيادة تلوث المياه وانخفاض
عذوبتها بسبب بطء تجددها!
ولحل هذه المشكلة،
نحتاج إلى تشريعات صارمة لمنع إلقاء مخلفات المصانع والصرف الصحي والزراعي في مياه
النيل.
بالمناسبة: المياه التي
تُفقد من فرع دمياط في نهر النيل قليلة للغاية، فهناك هاويس بعد مدخل مدينة دمياط
يحجز مياه النيل، وكان الهدف منه تحويل الماء إلى ترعة السلام.. وبسبب هذا الهاويس
تحول نهر النيل بدءا من مدينة دمياط إلى مصبه في رأس البر إلى ماء مالح مختلط بماء
المجاري!!.. هذا معناه أننا بالفعل نرشد الفاقد في البحر المتوسط كأقصى ما يمكن!
2- استخدام تقنيات حديثة في الري، كالري بالرش والري
بالتنقيط، بدلا من الري بالغمر الذي يؤدي إلى فقد 60% من المياه كصرف زراعي،
والابتعاد عن زراعة المحاصيل التي تحتاج إلى كم هائل من المياه كالأرز، والاتجاه
إلى زراعة أنواع من الأرز تستهلك ماء أقل.. ويمكن تقليل تكلفة التحول إلى طرق الري
الحديثة، بإنشاء المصانع التي توفر هذه المعدات في مصر (ما يوفر فرص عمل أيضا)،
وتدخل الدولة في العملية بإنشاء شركة مساهمة عملاقة تتولى تطوير منظومة الري في
الوادي والدلتا، بحيث يدفع الفلاحون أقساطا بسيطة في كل موسم حصاد، فلا يشعرون
بوطأة التكاليف.
3- رأيت في التلفزيون منذ فترة حوارا مع أحد الباحثين
الزراعيين، أكد فيه أن مصر استخدمت الهندسة الوراثية لإنتاج حبوب قمح يمكن زراعتها
في الماء شديد الملوحة (بهندستها مع جينات الغاب الذي ينمو في المستنقعات
المالحة).. معنى هذا أننا يمكن أن نزرع السواحل الشمالية بماء البحر!.. لكن بالطبع
هذه الحبوب مكلفة جدا حاليا، ولن تكون فعالة إلا إذا لم يكن هناك بديل.
4- رفع فاتورة المياه على المنازل، بهدف ترشيد استهلاك
المياه، خاصة أن معظمها يضيع في رش الشوارع وغسيل السيارات أو الإسراف في
الاستخدامات المنزلية، على أن تستخدم الزيادة في الأسعار في دعم مشاريع توفير
المياه الأخرى.
5- تقليل البخر من مياه النيل، بتغطية الترع والقنوات
والمصارف مهما تكلف هذا.. يجب أن نبدأ هذا الآن، لأن لدينا ملايين الكيلومترات من
شبكات الري والصرف، ولا يمكن التفكير في تغطيتها عندما تبدأ الكارثة.. يجب أن توضع
خطة لتغطية أجزاء منها تدريجيا كل عام، على أن يبدأ هذا من المناطق الأشد حرارة
لأنها الأشد بخرا.
6- إنشاء بحيرات صناعية لتخزين المياه العذبة، لملئها بمياه
النيل في سنوات الفيضان والوفرة، لاستخدامها في سنوات الجفاف، ولدينا مثال عملي
على هذا، هو بحيرات مفيض توشكى، فقد كانت منخفضات جرداء، ولكنها منذ عام 1996 صارت
بحيرات بعد وصول المياه إليها عبر مفيض توشكى.. يجب تكرار هذه الفكرة وملء كل
المنخفضات الموجودة على جانبي النيل بالمياه (مثل وادي علاقي في الصحراء الشرقية) مهما
تكلف هذا، فهي ستحيي المناطق التي توجد فيها، وستكون مخزونا احتياطيا يستخدم عند
الجفاف.