إبادة جماعية هادئة!
يشتكي الكثيرون من تعطل مصالحهم بسبب الإضرابات
والاعتصامات والمظاهرات المنتشر في مصر بعد الثورة، مع ما يصاحب ذلك من مصادمات
يسقط بسببها قتلى في بعض الأحيان، مما قد يجعل البعض منهم يحن إلى أيام المخلوع،
أجحم الله مثواه في طرة.
ولهؤلاء أقول: الحقيقة أن أعمارنا كلها كانت
متعطلة في نظام المخلوع الفاسد الذي يشبه ساقية في الصحراء، تدور بلا عائد.. بلا
علم ولا بحث علمي ولا صناعة ولا زراعة، بل مجرد هياكل خاوية شكلية لا تنتج شيئا.
ومهما سقط من ضحايا بسبب الثورة، لا يمكن
مقارنتهم بحوالي نصف مليون إنسان يموتون سنويا في مصر (6 في الألف من السكان)،
منهم 170 ألفا بسبب التدخين، و40 ألفا بسبب الكبد الوبائي، و 6400 بسبب سرطان
الكبد، و 38 ألف حالة وفاة بين الأطفال حديثي الولادة، وعشرات الآلاف يصابون
بأمراض القلب والضغط والسكر بسبب ما يعانونه يوميا، إضافة إلى 35 ألف يصابون
بالفشل الكلوي سنويا، و100 ألف يصابون بالسرطان سنويا.. وفي المجمل يموت 90 ألف
مصري سنويا بسبب أمراض مختلفة، إضافة إلى أكثر من 12 ألف قتيل بسبب حوادث الطرق،
ناهيكم عن غرق العبّارت وانهيار العمارات واحتراق وتصادم القطارات.. هذا غير 3
آلاف منتحر سنويا.
باختصار: نحن نعيش في حرب أهلية حقيقية وإبادة
جماعية منظمة ضحاياها سنويا نصف مليون مصري، ولكن أكثر الناس لا يشعرون!
ولو اهتمت الحكومة بمحاربة الإهمال والتلوث (والسجائر
والمخدرات والخمور) والأمراض والحوادث والجرائم والضغوط النفسية والعصبية التي
تقتل المصريين، لأمكن خفض الوفيات إلى النصف (كما في السعودية 3 في الألف) أو إلى
السدس (كما في الإمارات 1 في الألف).
فلماذا لا نتعب قليلا ونتحمل في سبيل التغيير،
على أمل أن نوفر أرواح 400 ألف إنسان أو على الأقل 200 ألف إنسان سنويا، بما يعنيه
ذلك من توفير خبراتهم وعقولهم وعلومهم وسواعدهم؟
ملحوظة:
عدد سكان مصر الحالي 90 مليونا.. بافتراض أنهم
جميعا سيكونون قد ماتوا خلال 90 سنة على الأكثر (على سبيل المبالغة)، فهذا معناه
أن متوسط عدد الوفيات الطبيعي في مصر بسبب الشيخوخة يجب أن يكون مليون نسمة
سنويا!!.. لهذا أميل إلى الظن بأن الإحصائيات التي تتكلم عن نسبة وفيات تبلغ 6 في
الألف سنويا (أي ما يعادل 540 ألف مواطن) لا تأخذ في الاعتبار من يموتون بسبب
الشيخوخة فوق سن معينة (خاصة أن نظام مبارك كان مشهورا بإخفاء الحقائق والتلاعب
بها)، وإلا لو كان 6 من كل ألف هم من يموتون فقط في مصر سنويا، لكان معنى هذا أن
متوسط أعمار المصرين 166 سنة!
إذن فمن المنطقي أن نفترض أن حوالي نصف مليون
إنسان مصري يموتون سنويا لأسباب لا علاقة لها بالشيخوخة، ويمكن العمل على معالجة
معظمها!
ولا يسألني أحد: "ألن يؤدي هذا إلى زيادة
عدد سكان مصر بمعدل أكبر مما هو عليه حاليا؟".. فما زالت هناك 95% من مساحة
مصر خالية، والإدارة التي تستطيع حفظ أرواح المصريين وتقليل نسبة الوفيات، هي
بالتأكيد الإدارة التي ستعمل على إعادة توزيع السكان على هذه المساحة بما يقلل
مشاكل الازدحام والتلوث، ويؤدي إلى الاستفادة من قدراتهم البشرية في استخراج
ثرواتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.