لا للتزوير.. لا للديمقراطية!!
صارت مسرحية الانتخابات مسرحية هزلية في كل دول العالم، وليس عندنا فقط.. والأسوأ أنها بدأت تتحول مؤخرا على المسرح العالمي إلى مسرحية مأساوية، يروح ضحيتها الأبرياء، وتهدد في بعض الأحيان بحروب أهلية، رغم أن الفكرة النظرية تقول إن الديمقراطية هي أفضل طريقة وضعها البشر لضمان الانتقال السلمي للسلطة!
افتح أي قتاة إخبارية الآن، وسترى قوات الشرطة تضرب النواب الكويتيين، في دويلة تدعي أنها درة الديمقراطية في الخليج!
وسترى مظاهرات واشتباكات في هايتي ضد تزوير الأمم المتحدة للانتخابات، راح ضحيتها اليوم 4 أشخاص وعشرات الجرحى.. رغم أني لا أفهم أصلا كيف تقام انتخابات في دولة تعاني كارثة طبيعية هائلة دمرتها، وتعاني من وباء الكوليرا!!
أما ساحل العاج، فهي على شفا حرب أهلية، وفيها رئيسان منتخبان حاليا، لأن الغبي الذي يجلس على عرشها لم يستطع تزوير انتخاباتها كما ينبغي!!
وألم تُؤدِّ الديمقراطية إلى حرب أهلية في الجزائر طوال عقد التسعينيات، وإلى انقسام فلسطين إلى إمارتين متناحرتين منذ آخر انتخابات وحتى اليوم، وإلى اضطرابات وفوضى راح ضحيتها العشرات في آخر انتخابات في إيران؟
أما في مصر، فكلنا تابعنا المسرحية الهزلية، ورأينا كيف تم التخلص من نواب المعارضة بمنتهى البساطة، وتم التخلص من الإخوان رغم أنهم كانوا يشكلون كتلة غير مسبوقة في المجلس الماضي.. فهل خسروا تأييد الشعب فجأة، أم خسروا عصا جورج بوش وديمقراطيته التي جاءت بها دباباته إلى الشرق الأوسط؟
بل حتى تم التخلص من كثير من نواب الحزب الوطني من ذوي الخبرة، سواء بالتزوير أو بكوتة النساء، لتكوين مجلس من الطراطير يوافق على توريث الحكم!!
قد يقول قائل إن هذا يحدث في الدول المتخلفة الديكتاتورية مثل دولنا فقط.. لكني رأيت الفرنسيين في الأسابيع الماضية يشعلون الشوارع ويحاصرون مصافي النفط ويشلون قطاع الطاقة في فرنسا احتجاجا على قانون المعاشات، بينما نوابهم الديمقراطيون يوافقون على هذا القانون في نفس اللحظة وكأن شيئا لم يحدث!
فكيف يمكن هذا، مع أن نظرية الديمقراطية تقول إن الحكم هو للأغبياء والدهماء ـ عفوا أعني الشعب؟.. فلماذا يحرق هؤلاء الأغبياء والدهماء البلد، بينما رأيهم لا يؤخذ به؟!!.. وهل ممثلوهم يمثلونهم حقا أم (يمثلون عليهم) في أكبر دراما بشرية منذ ملاحم هوميروس؟!
نفس هذا الأمر تكرر بحذافيره في مظاهرات الطلبة البريطانيين ومصادماتهم مع الشرطة، احتجاجا على رفع مصاريف التعليم الجامعي ثلاثة أضعاف، ورغم هذا وافق عليه البرلمان بمنتهى البساطة!!
وهل نسينا الشكوك التي حامت حول فوز جورج بوش الابن بالانتخابات في المرتين، في الأولى بإعادة الفرز اليدوي، وفي الثانية بشبهة التزوير وحرمان الكثيرين من التصويت؟
وسواء نجح بالتزوير أم برأي الأغلبية الغبية.. ألم يؤدِّ إلى تدمير العالم وقتل ملايين الأبرياء في العراق وأفغانستان، ونسف اقتصاد أمريكا وأوروبا والعالم أجمع بقراراته الخرقاء؟
ألم يخرج مليون مواطن بريطاني في شوارع بريطانيا اعتراضا على حرب العراق، ورغم هذا سار بلير في ذيل بوش كالكلب الوفي إلى غزو العراق، ليعيد إلى شعبه آلاف النعوش ويدمر اقتصاد بلدهم؟.. فكيف يفعل حاكم ديمقراطي شيئا يرفضه شعبه في بلد يعدونه من أعرق الديمقراطيات في العالم؟
وألم يحن الوقت بعد لمراجعة فكرة الجمهوريات وتطويرها إلى نخبويات؟
فالجمهوريات تقوم نظريا على حكم الجمهور (الذي لا يحكم فعليا في أي دولة في العالم اليوم)، أما النخبويات، فتقوم على حكم النخبة، التي تملك العلم والثقافة والخبرة الكافية لحكم البلاد حكما حكيما.
وألم يحن الوقت بعد لإنهاء مسرحية الديمقراطية التي لم تعد تضحك أحدا، والتفكير في نظم حكم أكثر عقلانية وعدالة؟ (يبدو أن القذافي كان أحكم الجميع حينما ألغى الانتخابات.. ففي النهاية لم تختلف النتيجة في دولنا كلها بانتخابات أو غيرها!!.. كلهم ما زالوا على عروشها ويورثونها لأولادهم أيضا، في أغرب نظم حكم جمهو-ملكية في التاريخ.. على الأقل وفر القذافي على شعبه الوقت والمال والإصابات والاعتقالات التي تحدث في بلادنا في مواسم الانتخابات)!!
إن هناك أربعة أفكار مبنية على المساواة تسود العالم اليوم.. ثلاث منها هي أفكار عبثية تدمر العالم، وواحدة منها فقط هي التي تستحق الاحترام.. هذه الأفكار هي:
1- المساواة في الامتلاك: وهذه هي الاشتراكية (التطبيق الاقتصادي للشيوعية)، وقد سقطت هذه الفكرة بعد تدمير الاتحاد السوفيتي وتدمير بلادنا.
2- المساواة في الرأي: وهذه هي الديمقراطية، وهي فكرة ظاهرة الغباء، فصندوق الانتخاب الذي يساوى في الرأي بين مراهق أمّي حشاش، وبين أستاذ جامعي، هو مجرد وسيلة ابتدعها المجرمون لحرمان الصفوة والنخبة من دورها في تقرير مصير العالم، وهذا سبب كل هذا السفه والخراب الذي تعانيه كل دول العالم اليوم.. هذه الفكرة تحتاج إلى تفصيل أكثر في موضوع مستقل.
3- المساواة بين الرجل والمرأة: وهذا ظلم للمرأة قبل الرجل، لأنه فرض عليها التزامات لا تناسب تكوينها الجسدي والنفسي والعاطفي، ودمر دورها التاريخي في المجتمع، مما دمر الأسرة في كل دول العالم، ولم يحقق إلا تعاسة المرأة وانحراف الأجيال.. ولهذا تأثيرات كارثية على اقتصاد العالم، تحتاج إلى تفصيل في موضوع مستقل. (تقاس على هذه الفكرة كل أفكار المساواة المريضة مثل حقوق الشواذ ومساواتهم بالأسوياء، وحقوق المجرمين ومنع إعدام القتلة... إلخ)
4- المساواة بين الأعراق والأجناس: وهذه هي الفكرة الوحيدة الصحيحة التي تتفق مع شرع الله سبحانه، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ولا فرق بين أبيض وأسود أمام الله إلا بالعمل، ولا يمكن اعتبار إنسان أقل إنسانية لمجرد لون بشرته.. لكن هذه الفكرة لا تأخذ حقها من التطبيق العملي كما تدعي الشعارات العالمية.
إن أي فكرة تقوم على أساس المساواة المطلقة في الامتلاك أو الرأي أو النوع، هي فكرة تنافي مبدأ العدل ومبدأ تكافؤ الفرص، ومبدأ الفرز المجتمعي من قاعدة الهرم إلى قمته، فإعطاء كل إنسان حقه تبعا لملكاته وقدراته وجهده، هو سنة تاريخية تضمن وصول الأكثر تميزا واجتهادا إلى قمة الهرم، وهذا حق له وحق لكل من سيخدمهم بعلمه وخبرته وتفوقه، كما أن هذا الفرز يعطي الحافز للموجودين في قاعدة الهرم لتطوير ذواتهم وقدراتهم للصعود إلى أعلى باتجاه القمة.. لكن أن يولد كل إنسان بحق تصويت متساو مهما كان جاهلا عديم الخبرة، فهذا معناه أنه لا قيمة للعالِم والمثقف والخبير، فالقاعدة العريضة ستهمش أصواتهم في كل الأحوال، لصالح من يملكون المال والإعلام والنفوذ!.. وفي النهاية يتم تسطيح الهرم عند القاع، ويهبط المجتمع كله إلى أسفل، فلا يكسب الجمهور شيئا وتضيع النخبة!
وسأعود بإذن الله، للتحدث عن كوارث الديمقراطية في موضوع تال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.