علـى صــــدر الــزمـــــان
-1-
قال لها فجأة:
- كيفَ أنت؟
نظرتْ لهُ بدهشةٍ وقالت:
- بخير.. ماذا جدّ اليومَ لتسأل؟
- أردتُ أن أعرفَكِ أكثر.
- إنّكَ... جريءٌ جدًّا!
- كأنّكِ قُلتِ: وقح!
- أنا لمْ أقلْ ذلك.
- ودمي ثقيلٌ وتُطالبينَني بالانصرافِ أيضا.
- لا.
- كأنّكِ قلتِ: "نعم"!
فابتسمَتْ في صمت.. قال:
- تنفينَ كأنّكِ تؤكّدين، وتبتسمينَ كأنّكِ تَعبسين، ولا تَعبسُ الدنيا.
- ما هذا؟.. تريد أن تُعلّبَني في قصيدة؟
- إنّها ضيقةٌ جدًّا عليك.. أريدُ أن أجعلَ منكِ روايةً كاملة.
- لم أفهمْ!
- أريدُ أن أعرفَك.
- أولا تعرفني؟
- أريد أن أعرفك أكثر.
- لماذا؟
- حسنًا.. سأقولُ لكِ شيئًا، ما كان لي أن أقولَه الآن، ولا أدرى كيف تتقبلينه.. عديني فقط ـ مهما كان الأمر ـ ألا يُؤثّرَ ذلكِ على التعاملِ البسيطِ بينَنا.
- أعدُك.
- رأيتُكِ فَملأَتِ قلبي.. كنتُ أسيرُ وحيدًا، والآنَ أحتاجُ لمَن يُشاركُني دَربي.. أعتقدُ أنّي سأحاولُ الحصولَ عليكِ بأيِّ ثمن.. أغلى ثمن.. ولا أدرى هل تقبلينَ أم لا؟
قالت في ارتباكٍ وهى تتحرّك:
- كفى إذن.. أراكَ فيما بعد.
***
سألَها يومًا:
- ما اسمُك؟
سألتْه مُندهشة:
- أَوَلا تعرفُه؟
- لا تردّي على سؤالٍ بسؤال.. أجيبي فحسب.
- لن أجيبَ حتّى تخبرَني.
- أعرف.
- لماذا إذن؟
- أريدُ منكِ هديّة.
- ...!
- شيءٌ مِلكُك، ثمينٌ كالجوهرة، وستقبّلُه شفتاكِ قبل أن تعطياه لي.
قالتْ ضاحكةً:
- (عروستي)!
ابتسم في صمت، فقالتْ بمرح:
- حسنًا.. وبماذا ستشتري الجوهرة؟
- هل يكفيكِ قلبي؟
- [بدلال] صِفْه لي.
- به أربعُ حجرات، كلُّها مفروشةٌ بالزهورِ لك.. إذا نبضَ ذكَرَك، وهو ينبضُ سبعينَ مرّةٍ في الدقيقة.. يملؤه الألم، ولكنَّ وجهَكِ يداويه.
- هل أنا جميلةٌ إلى هذا الحدّ؟
- لا أقولُ لكِ إنّكِ أجملُ مَن رأيت، ولكنَّ وجهَكِ يجذبُ عيني، ويُبهجُ قلبي ويُريح رُوحي.. ماذا تريدينَ أكثرَ من ذلك؟
- [مبتسمة] لا أريد.. ما دامَ المقابل هو اسمي فقط!
- [بلهفة] جوهرتي؟
- [بابتسامة] هديّتُك!
*****
سألتْه يومًا في حَياء:
- لماذا لم تَعُدْ تُحدّثُني عنّي؟
- أريدُكِ أن تُحدّثيني أنتِ عنّي.
- ماذا تريدُني أن أقول؟
- لا شيء.. اصمتي لو أردتِ.. فقط انظري في عينيّ.
*****
سألتْه يومًا بتردّد:
- هل.. هل يمكنُ أن تتمنّاني حقًّا شريكةً لحياتِك؟
- لماذا هذا السؤال؟
- أنتَ قُلتَ ذلكَ يوما.
- هل يُسعدُكِ ذلك؟
- ...!
- أجيبي فورًا أرجوكِ.
- نعم.
- هل لأنّي أوّلُ مَن يقولُه لكِ؟
- ...!
- كُوني صريحةً معي، تكوني صريحةً مع نفسِك.
- ربّما.
- هل لأنّك مراهقة؟.. عاطفيّا على الأقلّ؟
- لا أدري.. مَن يدري شيئًا في هذا العصر؟
- هل لأنّك ضعيفةُ المبادئ؟!
- لا يقولُ عن نفسِه ملاكٌ إلا شيطان!
- هل لأنَّ شخصيتي متميّزة؟
- هذا أكيد.
- هل لأنّك لا تعرفينَ عيوبي؟
- أعرفُ بعضَها.
- التسرّعَ والحدّة و... و...؟.. هذه بالنسبةِ لعيـوبي الأخـرى فضائل!
- قل لي عن هذه الأخرى.
- لا.
- اصدقني كما صَدَقْتُك.
- أخاف أن تكرهيني.
- أخاف أن أحبّك!
*****
تعثّرتْ يومًا وسقطـتْ تتألّم.. عاونَها على النهـوضِ وقلبُه يَعوي.. قالَ في ألم:
- أَأقفُ عاجزًا هكذا، وأتركُكِِ تتألّمين؟
- وماذا بوُسْعِكَ أن تفعل؟
- معكِ حقّ.. لو كنتِ طفلةً لألهيتُكِ بحلـوى أو بلعبة، حتّى يُدركَكِ السّرور.. ولو كنتِ زوجتي، لاحتويتُكِ بينَ ضلوعي حتّى يسكنَ ألمُك.
- هل تتألّمُ حقًّا مِن أجلي؟
- لقد صرتُ في جسدين.. كنتُ واحدًا وانقسمْتُ اثنين.
- هذا يَعني أنّكَ ستتألّمُ أكثر.
- هذا يَعني أنى سأعرفُ أكثر.
*****
كانا يسيرانِ على صدرِ الزّمانِ معا.
رآهما الزمانُ فأغضى عينا.
كانت لحظةً قصيرةً من الفرْح.
ليس لأنّ كلَّ الأشياءِ جديدة، فالأشياءُ هي كمـا هي، كما عاشَها الناسُ لعشرات السنين.
ولكنْ لأنّهما هما اللذانِ صارا جديدين.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.