دروس وعبر!
الإخوة
السودانيون:
قوة
العسكر لا تقتصر على السلاح فقط، لهذا لن تردعها المظاهرات في الشوارع مهما كانت
بالملايين، إلا في حالة واحدة فقط: إذا تمردت مؤسسات الدولة المدنية على العسكر
وأعلنت العصيان المدني، ففي هذه الحالة يصير العسكر عاجزين عن فعل أي شيء بسلاحهم
إلا حماية الحدود فقط!
لكن
المعضلة في هذا الأمر، أن أجهزة الأمن هي التي أفرزت رؤساء ومديري مؤسسات الدولة
عبر عقود، والموظفين القدامى تربوا على أنهم ملكية خاصة للدولة، هي التي تطعمهم
وهي التي تقيلهم لو شاءت أو تزج بهم في السجون.. لهذا فإن أقوى أسلحة الثورة المضادة
هم هؤلاء الموظفون، ولا أعني فقط من كان منهم في القضاء والإعلام، بل في كل إدارات
الدولة المختلفة حتى أبسط عامل نظافة!
ولو
كانت هناك حالة سخط حاليا بين الموظفين بسبب سوء أحوال المعيشة، فسيتم التركيز
(بدعم خليجي) على تحسين أوضاعهم وزيادة رواتبهم، حتى يتم إخراجهم من دائرة الثورة،
ويرجعوا إلى الاتكاء على الكنبة، وتحسس كروشهم مطالبين بالاستقرار للاستمتاع
بمكاسبهم الوقتية المزيفة، ومحرضين الجيش على قمع الثوار وفرض هيبة الدولة!
لهذا
عليكم التركيز في معركة الوعي مع هؤلاء، لأن نزعهم من يد العسكر أشد وطأة من نزع
سلاح العسكر!.. لو دان الموظفون للثورة، فسيدير الدولة حاكم مدني يتبعه كل جهاز
الدولة.. أما الحالمون الذين يتفاوضون مع العسكر لتسليمهم إدارة الدولة فواضح أنهم
لم يتعلموا من تجارب الربيع العربي شيئا، فحتى لو جاء رئيس مدني، فلن تكون له أي
سلطة ما دام الجيش يسيطر على القضاء والإعلام والبنك المركزي والمطارات والموانئ والسفارات
والعلاقات الخارجية..إلخ.. يسيطر عليها بسبب ولاء موظفيها للقوة القادرة على فرض
القانون داخليا، وتسيير العلاقات الخارجية.. ما لم يتحول هذا الولاء للثورة
وللحاكم المدني المنتخب أيا كان، واحترام الدستور والقانون كمبدأ وليس كقوة مهينمة
فقط، فلا قيمة للمظاهرات ولا حتى لتسلم الإدارة الشكلية، فالمظاهرات يقمعها السلاح
في الوقت المناسب، والإدارة تسترد بمجرد قرار عسكري ما لم تتمرد عليه مؤسسات
الدولة وتعلن جميعا ولاءها للشعب ومن انتخبه!
هذا
أهم دروس الربيع العربي فتعلموه مبكرا.
وبالمناسبة:
لا تثقوا بأي جهة تتحدث باسم الثورة، فقد تكون عميلة للعسكر ولكن تؤدي دورا مسرحيا
بارعا.. مثلا: المطالبة بمد الفترة الانتقالية إلى أربع سنوات ووضع دستور جديد
وكوتة 40% للمرأة هي مطالب مفخخة ستقسم القوى السياسية ما بين مؤيد ومعارض، وسيركب
العسكر الجميع بينما يقوم بتهدئة مطالب الموظفين تدريجيا لإخراجهم من المعادلة.. كوتة
المرأة طبقتها كل النظم العميلة في المنطقة العربية، فاذكروا لي اسم دولة عربية
واحدة محترمة ومستقرة ولا أقول متقدمة!.. هل نزل الشعب السوداني للشوارع لتطبيق
تغييرات اجتماعية، أم لإزاحة نظام مستبد ومعالجة مشاكل الاقتصاد؟.. الزج بمطالب
اجتماعية فخ مدمر، سيستقطب جزءا من النساء المتحررات، وسيثير غضب معظم الرجال
إضافة إلى النساء المحافظات، وحتى إن مر بهدوء، فإن تعيين 40% من النساء بلا خبرة
معناه مهازل وفضائح وقصور في الأداء سيستغله إعلام العسكر لتشويه المجلس النيابي
والأحزاب السياسية، إلى أن يخرج قرار حله من الدرج!!
كل
هذه المهازل حدثت من قبل فلا تقعوا فيها.. وأي شخص أو جهة تطرح مثل هذه الأفكار لا
تثقوا بها، فلا فارق في خدمة أهداف الثورة المضادة بين عميل أو غبي!
ركزوا
في معركة الوعي مع حزب الكنبة وموظفي الدولة، حتى تسقط سلطة العسكر عمليا على
الأرض، ويدين جهاز الدولة بالولاء للثورة والثوار ومن ينتخبونه حاكما، حتى لا تفشل
التجربة بسبب موظف يقطع الكهرباء أو يبيع البنزين في السوق السوداء أو عامل نظافة
يلقي القمامة في الشوارع بدلا من تنظيفها، لمجرد أنهم تلقوا أوامر من العسكر بخلق
أزمات في الوقود والكهرباء والنظافة لعرقلة عمل الرئيس المدني المنتخب!
وفقكم
الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.