المدللـــــة
قصة
قصيرة تتخللها قصيدة
بقلم
محمد حمدي غانم
كانت غاضبة منه جدا.
لم يكن السبب يستحق، لكنه نهرها لخطإ فعلته وقد اعتادت
أن يدللها ويغفر لها، ثم الأنكى أنه تركها ساعتين دون أن يصالحها!
مرت أمام غرفة مكتبه عله يخرج ويصالحها، لكن بابها ظل
مغلقا في جفاء.
عادت إلى غرفتها
كسيفة البال، لكنها وجدت قصاصة ورق قرب مرآتها، ففتحتها لتقرأ فيها:
الزهرُ
يَذبلُ لو عيناكِ باكيةٌ = لا غَروَ، إنِك أنتِ الماءُ والشمسُ
عقدت حاجبيها وتركت القصاصة، ومدت يدها لتلتقط هاتفها
المحمول لترسل إليه رسالة غاضبة على الواتساب من قبيل:
-
تحتاج لما هو أكثر من بيت شعر
لأسامحك.
لكنها وجدت قصاصة أخرى تحت المحمول:
قد
كان لي خُمسٌ مِن بهجةِ الدنيا = لمّا تَلاقينا قد صارَ لي خَمسُ
ابتسمت رغما عنها وتمتمت:
-
أفضل قليلا.. فما هي الخمس؟
وجالت ببصرها في الغرفة تبحث عن قصاصة ثالثة فلم ترها،
فرفعت طرف الوسادة فوجدتها:
عيناكِ،
خداكِ، هذا الثُّغرُ يَفتـنُني = وكلُّ ما فيكِ حلوٌ تعشقُ النفسُ
بددت كلماته ما بقي من غضبها وأحاطت قلبها بالدفء،
وتلهفت نفسها للمزيد.
وهكذا لا شعوريا، وجدت نفسها تفتش في الأدراج بحثا عن
قصاصة جديدة، حتى وجدت مبتغاها:
ليلايَ
أنتِ وبدرُ الليلِ في سهري = وكلُّ ليلى لها في حبِّها قيسُ
ضحكت قائلة:
-
قل يا سي قيس.. كلي آذان مصغية.
وأخذت تفتش باقي الغرفة بلهفة، لكنها لم تعثر على قصاصات
أخرى.
فماذا تفعل وهي تريد باقي القصيدة؟
***
ترددت طويلا أمام غرفة مكتبه، قبل أن تمد يدها لفتح
الباب بحذر، لكنها فوجئت بالباب يُفتح فجأة، وشهقت حينما وجدته يخطفها بين ذراعيه
ويضمها لصدره بقوة.. تصنعت الغضب وقالت بدلال:
-
دعني.
-
لماذا تتسللينَ إلى حجرتي؟
-
كنت أبحثُ عن شيء.
-
ما هو؟
تلعثمت لحظة قبل أن تقول بغضب طفولي:
-
شيء.
سألها بمكر:
-
قصاصة ورق مثلا.
ضربت كتفه بدلال وقالت محتجة:
-
لا يحق لك أن تتلاعب بي.
-
من قال هذا؟.. ثم إنني كتبت قصيدة
فحسب.
-
إنها جميلة.. أريد أن اقرأ بيتا آخر.
-
مطلب مشروع.
-
فأين هو؟
-
أمامك مباشرة.
نظرت حولها من بين ذراعيه متسائلة:
-
أين؟.. لا أرى القصاصة.
-
ليس مكتوبا على ورقة.
-
فعلام إذن؟
-
انظري لشفتيّ.
-
لا أرى شيئا.
-
إنه مكتوب بالحبر السري.
-
فكيف أستجليه؟
-
لا يظهر إلا بقبلة منك!
-
يا لك من محتال؟.. تُغضبني وتريد أن
أصالحك؟!
-
لكلّ شيءٍ ثمن.
قالت بنبرة تمزج بين الغيظ والمرح والشغف:
-
نعم.. وبضاعتك تستحق!
ودفعت الثمن، فابتسم قائلا:
-
الشعرُ أثمرَ
كالأزهارِ في شفتي = حانَ القطافُ وطابَ اللثمُ والهمسُ
صاحت محتجة:
-
لقد خدعتني.. لم يُضِفْ لي هذا
البيت جديدا!
-
هناك بيت آخر.. لكنه بضعف الثمن!
ضحكت قائلة:
-
محتال وطمّاع أيضا.. لا بأس!
تقاضى منها الثمن المطلوب، ثم قال:
-
لا تغربي أبدا
عن سحرِ عالمِه = عيناكِ بهجتُه والدِّفءُ والأنسُ
نظرت في عينيه بحب، قبل أن تقول بدلال:
- لن أسامحك حتى
تعتذر.
قال بمكر:
- هذا واضح
بدليل أنك الآن في حضني.
انتبهت إلى أنها ما زالت بين ذراعيه، فقالت وهي تحاول
التملص منه:
- يا سلام.. أنت
الذي خطفتني قسرا.
أحكم أسرها بين يديه، وهو يقول:
- هذا ما فعلته
منذ أحببتُك، وسأظل أفعله طالما حييت!
- ما زلت لم
تعتذر.
- أولم أفعل؟
- لم تقلها.
- قلت ما هو
أجمل منها.
- أيها المراوغ.
- الرجال لا
يحبون الاعتذار المباشر.
- هكذا؟..
تعتبرون الاعتذار للأنثى إهانة؟.. إذن يجب أن تقولها صراحة.
- لا تكسري
كبرياء رجل أحبك.
نظرت له بشغف وأراحت خدها على صدره وقالت:
-
كيف أكسره وأنا كبرياؤه؟
-
بل أنت كلّ ما فيه.
-
لا تُغضبني مرة أخرى.
-
سأحاول، لكن لا أعدك.
-
هكذا إذن؟!
-
ليتني ملاك فلا أخطئ أبدا، أو ليتكِ
ملاك فتصفحين دوما.
-
بل في هذه أنا ملاكك.
- [بمرح]
أخطئ براحتي إذن.
-
لا تنسَ أنني سأخطئُ أيضا.
-
حبي لك كموج البحر يمحو من رمال
الأيام كل حزن وخصام.
-
هلا صغته شعرا.
-
صغته، لكن بالحبر السري!.. وبعشرةِ
أضعافِ السعر!
-
كفاك جشعا!
-
أبدا!
-
لن أدفع!
-
سأختطف الثمن منك عنوة!
ونفذ وعيده، ثم أوفى لها حقها وزيادة:
-
حبي اتساعُ
البحرِ الموجُ ذا يَمحو = من حزنِ شاطئِنا ما خطّه اليأسُ
تَخبو عواصفُنا
في صبحِ بسمتِنا = والحلمُ عالمُنا والشوقُ واللمسُ
تركت نفسها تذوب بين ذراعيه، متمتمة:
-
أحبّك.
فهمس في أذنها:
-
إني أريدُكِ يا
سحري وفاتنتي = غدي وإنكِ أنتِ اليومُ والأمسُ
***
محمد حمدي غانم
28/9/2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.