ملاحظات على الحادث الإرهابي المجرم
"مينا عادل.. مينا عادل"
كنت أجرى بعينيّ بين قائمة الأسماء وأنا أشعر بالقلق..
لكن الحمد لله.. اسمه ليس بين ضحايا الانفجار الإجرامي الآثم الذي استهدف كنيسة القديسين بالإسكندرية في مطلع العام الجديد، والذي بكيت ألما وأنا أتابع أخباره في الفضائيات، حزنا على الضحايا الأبرياء، وحزنا على مصر وما يراد بها.
مينا صديق سكندري عزيز، قضيت معه عاما في الجيش، وهو شخص ودود مرح منفتح على الآخرين، لا تملك إلا أن تحبه.. وكنت أقضي معه الكثير من الوقت، هو وأصدقائي المسيحيين الآخرين مثل ريجان وهاني شنودة.
وكعادة الأصدقاء، كنت نتشارك الأسرار، بل إنه استشارني ذات مرة في مشكلة عاطفية تخص علاقته بخطيبته.
كما كان إخوتنا المسيحيون بمنتهى الأريحية، يتولون نوبة الخدمة (الحراسة) الثانية يوم الجمعة، ليتيحوا لنا أداة الصلاة في جماعة.
ومع اختلاف التفاصيل، هذا هو نفس الحال في علاقتي بأصدقاء الجامعة من المسيحيين، وأعزهم الصديق السويسي روماني محفوظ.
ربما لا يكون لي أصدقاء مسيحيون من دمياط، لأن عددهم قليل بها، لكني أينما قابلتهم وجدت في معظمهم ذوقا وأخلاقا ومرحا وحسن صحبة، تجعلني أصادقهم ببساطة.
وأذكر أنني كنت في رأس البر في إحدى ليالي رمضان الماضي، وكان معظم من فيها من إخواننا المسيحيين، ونظرا لأنني كنت وحيدا، فقد جلست أتأملهم وهم يمرحون مع أطفالهم، ويلعبون نفس ألعاب طفولتنا، ويقولون نفس أمثالنا بنفس لهجتنا.. فلو لم أر الصليب على صدورهم، لما فرقت بينهم وبين أي مصري مسلم، فكلنا نملك نفس الثقافة، ونعيش في نفس المجتمع، ونعاني من نفس المشاكل، وتواجهنا نفس التحديات.
كل هذه بديهيات، والمفروض ألا أقولها، لكنّ تعالي بعض الأصوات المريضة بعد التفجيرات الأخيرة، والتي تحاول أن تلصق هذه الجريمة بالإسلام والمسلمين، يجبرني على قولها.. فالإسلام يجرم قتل النفس التي حرم الله، إلا قصاصا أو في قتال، وبغض النظر عن الدين والانتماء.. والحكمة في هذا واضحة جدا: فقد كفل الله لكل إنسان حرية الاعتقاد والاختيار، ومن الممكن أن يغير أي شخص دينه في أي لحظة، فيموت المسلم كافرا، أو يسلم من لم يكن مسلما.. لهذا ليس من حق أحد أن يحرم الآخرين من فرصتهم في الحياة، وحقهم في أخذ وقت الاختبار كاملا، وإلا كان الأمر أشبه بمراقب يسحب ورقة الإجابة من طالب قبل انتهاء وقت الامتحان، لمجرد ظنه أنه لن ينجح!
أيضا: مسارعة المرضى والمجرمين لادعاء أن شخصا فجر نفسه وأنه من القاعدة وأن للقاعدة عملاء في الداخل.. إلخ، قبل حتى أن تظهر نتائج التحقيقات، يدل بوضوح أنهم مشعلو فتن ومبتزون، يسعون لاستغلال الجريمة لأغراض أخرى، وهذا واضح من استغلال الحادث للحديث عن المواطنة ومناهج التعليم والفقهاء الإسلاميين إلخ..
فأبسط سؤال يجب أن نسأله لأنفسنا هو: لماذا يفجر شخص نفسه أمام كنيسة؟.. هل الحياة رخيصة إلى هذه الدرجة؟.. وما الهدف؟.. هذه ليست قاعدة عسكرية أمريكية ولا إسرائيلية، ولا توجد حرب في مصر، ولا يمكن أن تقنع القاعدة طفلا بأن هذا جهاد من أي نوع، لكي يقبل فكرة أن يقيم حفل شواء لنفسه!!.. فعلام ينتظر الانتحاري الجنة الموعودة إذن؟!
فإذا أصفنا إلى هذا معرفتنا بأن القنابل الحديثة يمكن أن تكون موقوتة، أو يمكن أن تفجر بجهاز تحكم عن بعد، أو بمجرد اتصال صغير بالمحمول على رقم شريحة متصلة بالمتفجرات، علمنا مدى دناءة وغباء من يروجون مثل هذه الشائعات والأكاذيب.
لكل هذا، ليس لدي أدنى شك في أن هذه عملية استخباراتية مدبرة من الخارج، ومنفذة بمهارة لإشعال الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في مصر، لإكمال مسلسل الفوضى الخلاقة الذي بشرتنا به كونداليزا رايس قبل أن تريحنا من وجهها القبيح.
لهذا أقول لإخواننا المسيحيين:
يا أهل الكتاب وأبناء وطني، وأصدقائي: لا أحد منا يريد إيذاءكم ولو بكلمة، فلا تمنحوا الخبثاء فرصة لتدمير ما بقي من مصر!
ملحوظة:
استخدمت هنا كلمة المسيحيين فحسب، لأن بعض المسيحيين يظنون أن كلمة "النصارى" شتيمة لا سمح الله.. النصراني هو الذي آمن بعيسى بن مريم ونصره (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ).. وعلى هذا تكون هذه الكلمة أجمل، لأن المسيحي هو من أتباع المسيح عليه السلام، ولا تحمل الكلمة دلالة نصرته.. كما أن القرآن مدح النصارى بقوله:
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {82})
فلعل إخوتنا "النصارى" يعلمون أننا نمدحهم بهذه الكلمة.
وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى هامة:
كلمة الكفر ليست شتيمة بدورها، فكل مؤمن هو بالضرورة كافر في نفس الوقت!.. فأنا مثلا مؤمن بوحدانية الله وكافر بالثالوث وهذه ليست شتيمة لي بل إقرار حقيقة.. والنصراني مؤمن بعيسى بن مريم وكافر بمحمد بن عبد الله، وهذه ليست شتيمة بل إقرار حقيقة.. أقول هذا لأن المغرضين يقتطعون بعض الكلام الديني من سياقاته للتدليل على ما يريدونه.. لهذا نرجو ألا يقحم أحد من الطرفين نفسه في عقيدة الطرف الآخر ما دام لا يدعو إلى العنف والقتل والفتنة، وأن نركز بدلا من هذا على أسلوب التعامل والتعايش بيننا، كما كنا نفعل طوال 14 قرنا مضت.
وفي الختام، تقبلوا تعازينا الصادقة، ودعاءنا بالصبر لأسر الضحايا، ونسأل الله أن يحمي مصر من كيد الكائدين.
محمد حمدي غانم
7/1/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.