ثورة الياسمين
ما يحدث الآن في تونس هو مفاجأة بكل المقاييس، ومنعطف حقيقي في تاريخ المنطقة العربية، فهذه أول ثورة شعبية عربية حقيقية منذ رحيل الاستعمار، فكل ما أسموه بالثورات الشعبية، كان في حقيقته مجرد انقلابات قامت بها جيوش مشكوك في ولائها وانتمائها، تم إنشاؤها وتدريبها على يد المحتل (انظر ما يحدث حاليا في العراق، لتفهم ماذا حدث في بلادنا في الماضي).. وقد فرضت علينا هذه الانقلابات نخبا عسكرية وثقافية علمانية، تخدم المشروع الاستعماري في بلادنا، وتحارب الأخلاق والدين والحرية والعلم والتعليم والبحث العلمي والصناعة والتقنية والاستقلال السياسي، وتنهب أموال الشعوب، وتفقرها عمدا لتبقيها تحت السيطرة، وتستخدم أشد ألوان التعذيب والبطش ضد كل من يطالب بالحق، وتجفف منابع الإسلام في أرضنا بحجه تجفيف منابع الأصولية والإرهاب، وتستبعد كل شريف من مناصب الحكم وإن صغرت، وتولي السفهاء والجهلة والمجرمين واللصوص، مما جعل بلادنا تتراجع وتتدهور باستمرار، بينما غيرنا من الأمم من عبدة البقر والحجر يحققون طفرات اقتصادية وعلمية، ويصنعون الصواريخ والقنابل النووية والطائرات والغواصات ويغزون الفضاء ويتحولون إلى أمم متقدمة!
وفي ظل هذا الوضع الكابوسي ظننا جميعا أن شعوبنا ماتت، وعقمت أن تنجب الأبطال والأحرار، وظن الطغاة أنهم آمنون من عقاب الله وبطش شعوبهم، خاصة بعد أن استأصلوا كل الزعامات الوطنية التي يمكن أن تجمع الناس حولها.
لكن الله سبحانه لا يرد دعوة مظلوم، ولا ينصر الظالمين مهما تجبروا وظنوا أنهم قادرون عليها، بل يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.. وقد جاءت المفاجأة من حيث لم يحتسب أحد، وعلى يد شاب عادي لا يملك أي قدرات خارقة.. شاب هو محمد بو عزيزي، الذي لم يجد للحياة معنى بعد أن صفعته شرطية حقيرة فأهانت كرامته ورجولته لمجرد أنه يبيع الخضار في ميدان عام، وهو الخريج الجامعي الذي لم تكرمه الدولة بتوفير العمل الذي يناسب مؤهله، وأصرت على إهانته على يد مجرميها.
ولم يحتمل بوعزيزي الحياة مع الذل، فأشعل النار في نفسه، دون أن يدري أنه سيشعل تونس كلها بل والوطن العربي كله، فالشرارة انتقلت بعدها إلى الجزائر ثم إلى الأردن اليوم، والله وحده يعلم ماذا يحدث غدا.
واليوم هرب سوء الفاجرين بن علي (ولا يستحق أن يلقب بزين العابدين، إلا إن كان المقصود أنه من عبده الشيطان!!)، وقد ضاقت عليه الأرض بما وسعت، ويبحث عن بقعة في الأرض تؤويه وتعصمه من عقاب شعبه.. ورغم أن هذا أكبر مما كنا نتوقع من أن تحققه ثورة الشعب التونسي الأبي، إلا أن علينا أن ننبهم إلى أنهم إن لم ينظفوا بلادهم من العلمانيين أعداء الله وعملاء الغرب، فلن يتغير في بلادهم إلا اسم الشخص الحاكم فحسب.. وأنا أحسبهم بإذن الله على درجة من الوعي تتيح لهم منع أي التفاف على ثورتهم المشرفة، وأنهم بإذن الله لا يضيعون دماء شهدائهم هدرا، ولن يتوقفوا عن ثورتهم قبل معاقبة كل مجرم عذب الأبرياء، وكل لص سرق قوت الفقراء، وكل خائن دمر مستقبل النجباء، وكل عاهر نشر الفحش وحارب الشرفاء.
وأدعو الله رب العالمين أن يكون محمد بوعزيزي قد وجد الفرصة للتوبة والاستغفار في الأيام التي سبقت وفاته حتى لا يكون قد مات منتحرا، فرغم جسامة الجرم الذي فعله في حق نفسه، فهو لا يذكر بجوار جرم من دفعوه ودفعوا غيره إليه، كما أنه بإشعال النار في جسده، قد أشعل لنا مشعل الأمل في جوف النفق المظلم بعد طول يأس.
ولعلي هنا أوجه رسالة إلى وزراء الداخلية العرب:
لقد كنتم في تونس منذ أسابيع، تتعلمون هناك أحدث أساليب التعذيب والبطش.. فهلا تعلمتم الدرس رجاء واتعظتم من خاتمة من علمكم؟
وأوجه رسالة إلى باقي الحكام العرب: لقد أمنتم مكر الله وبطشة شعوبكم، وكل منكم يخطط لتوريث الحكم.. راجعوا حساباتكم رجاء، فالشعب التونسي أثبت أن شعوبنا تنام لكن لا تموت.. وأظن أن النوم سيجافي عيونكم طويلا بعد أن رأيتم ما حدث!
كل التحية للشعب التونسي البطل، ولثورة الشباب التي ستكتب بإذن الله بداية عصر عربي جديد لا تحكمه الديناصورات!
وأخيرا أوجه التحية إلى روح الشاعر التونسي الراحل أبي القاسم الشابي، الذي ما زالت كلماته تقض مضاجع الطغاة وتزلزل عروشهم حتى اليوم، ويتغنى بها التونسيون ونتغنى بها معهم:
إذا الشعبُ يوما أراد الحياةَ فلا بدَّ أن يستجيبَ القدرْ
ولا بدَّ لليلِ أن ينجلي ولا بدَّ للقيدِ أن ينكسرْ
والله أكبر ولله الحمد من قبل ومن بعد.
وبعد أن إحترق محمد وبعد أن إنتصر الشعب ركبت المعارضة على أكتافه لتقول أنها موجودة برغم عدم وجودها فى هذه الإنتفاضة فلآن لبد أن تقسم الكعكة إلا على صانعوها فكل الأحزاب والحركات الإسلامية تقول أين نحن وأن من سيتولى سيفشل لأنها ثورة مستثنية لأنها لم تأخذهم فى الإعتبار برغم أنهم جميعا لم يكونوا متواجدين قبل ذلك فعجبى
ردحذفهاسندا
هاسندا:
ردحذفلا يمكنك استبعاد كل المعتقلين في تونس والمنفيين خارجها من هذه الثورة، فاحتجاجات التونسيين والتيارات الإسلامية على رأسهم استمرت لعقود طويلة، ومظاهرات الاحتجاج في أوروبا ضد هذا النظام لم تنقطع يوما، وكل المقالات والكتابات التي تعري النظام وتفضح ممارساته هي التي شكلت البخار الذي تزايد ضغطه في النفوس حتى جاءت الشرارة فانفجر.. لهذا فإن اختزال كفاح الشعب التونسي في الشهر الأخير فقط هو ظلم وتجني وإهدار لدماء وعذابات كل من بطش بهم هذا النظام في العقدين الماضيين في نضالهم للحرية.
تحياتي
لا أنفى أى عمل يقوم به أى شخص من أجل وطنه ولكن البخار الذى تزايد ضغطه على الشعب هو تزايد همومه المعيشية وإهدار كرامته فى وطنه والمتكلمون كثيرون فلا يوجد إلتفات كامل حول أى شخص مهما كان فلكل حاكم معارضين مما كان لهم آمالا فى السلطة ولكن الشىء الوحيد الذى تلتف عليه (وليس حوله) هو الظلم وكما عندهم عندنا فالعقبى لنا
ردحذفهاسندا