الحكم فوق صفيح ساخن!!
أعترف أنني لا أستطيع أن أفهم، كيف يفكر الحكام العرب في توريث الحكم لأبنائهم، في مثل هذه الفترة الحرجة من تاريخ المنطقة، التي يجد فيها الحاكم نفسه بين مطرقة الغرب وسندان الشعب، فإن أغضب الأول أعدمته أمريكا كصدّام العراق، وإن أغضب الأخير أطاح به شعبه كابن علي تونس، وإن أفلت من هذا وذاك أدانوه في المحكمة الدولية بتهمة جرائم الحرب وفتتوا دولته إلى فتاتات كبشير السودان!
فإن نجا من كل هذا، ظل في صداع مستمر بسبب الفضائيات والمدونات والمظاهرات والإضرابات والاحتجاجات، خاصة مع الأزمة المالية التي تورط فيها العالم بسبب حماقات بوش العسكرية!
كما قد انتهى عصر فخامته وجلالته وعظمته ونيافته، وصار أي حاكم يُنتقد على الهواء مباشرة، ويُجلد على صفحات الجرائد، ويسب ويلعن على مواقع الإنترنت والمدونات، ويُسخر منه عبر رسائل المحمول، ولا يغمض له جفن ليلا وهو كل يوم يتلقى نبأ رأس زعيم يطير، وعرش حاكم يتزلزل، وأرض دولة تتفتت، فإن أخذ منوما ليهرب من كل هذا، ظهر له وجه كونداليزا رايس القبيح في كوابيسه، وهي تضحك ضحكة شيطانية وتقول في غل:
- الفوضى الخلاقة.. الفوضى الخلاقة.. الشرق الأوسط الجديد.. نيا هاهاهاهاه.
فيهب مفزوعا من نومه يتصبب عرقا، ويُهرَع إلى حاسوبه النقال (إن كان يستطيع استعماله أصلا) ليراجع حساباته في البنوك العالمية، فيكاد قلبه يتوقف هلعا، وهو يقرأ الرسائل المتلاحقة التي تؤكد أن البنوك تفلس تباعا والدول الغربية تقول لله يا محسنين، فيسقط على عرشه محبطا، غير مطمئن على مستقبله بعد أن يطرده شعبه من هذا الجحيم المستعر الذي يسمى الحكم، ويظل ساهدا إلى الصباح ليبدأ يومه الجديد، فيطمئن أن حماس وحزب الله وإيران وإسرائيل لا تهدد عرشه، والتيارات الإسلامية في المعتقلات أو في المنفى، وأحزاب المعارضة تلتهم الفتات وتقبّل يديه دون أن تطمع في المزيد، وكلابه من العلمانيين يشيعون الفاحشة في الأدب والفن وإعلام الدولة، ليخدروا الناس عن حيتانه الذين يسهّل لهم نهب المال العام وأراضي الدولة واحتكار تجارتها وتوكيلات سلعها المستوردة لكي يساندوا حكمه، والأهم من كل هذا أن يتأكد أن السفير الأمريكي لا يوبخه اليوم لشيء فعله!!
فإن نجح في كل هذه المهام المعقدة، يتنفس الصعداء، ويدرك أنه أفلت بعنقه ليوم آخر!
من وجهة نظري:
الحكم في هذا الزمن ابتلاء لا يقدر عليه إلا شخص نذر نفسه لخدمة شعبه لا مصالحه وأطماعه.. شخص يقرأ الشهادتين قبل أن يقدم على هذه المحنة، ويعتبر نفسه مجاهدا في سبيل الله والوطن، متخليا عن كل ما كان فيه من نعيم وراحة بال، ليتحمل الأمانة، ويؤدي الرسالة، ولا يبتغي شيئا إلا وجه الله سبحانه.
فهل أبناؤكم ـ الذين ولدوا وفي أفواههم الملاعق الذهبية ـ من هذه النوعية؟.. وهل تظنون حقا أنهم قادرون على قيادة بلادنا المتهالكة عبر كل هذه العواصف والزلازل، وأنتم أنفسكم بكل ما لكم من تاريخ عسكري وخبرات سياسية وسنوات طويلة في الحكم، لم تستطيعوا حفظ رؤوسكم وعروشكم وأراضي أوطانكم؟
بالله عليكم: أتكرهون أبناءكم وتكرهوننا إلى هذا الحد؟
أم أن لديكم مشكلة في فهم الواقع وقراءة المستقبل؟
محمد حمدي غانم
16/1/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.