المتابعون للمدونة

الأربعاء، 22 أبريل 2020

تقليل التكدس في الفصول إلى الثمن

 

أغلقت المدارس في العالم كله بسبب فيروس كورونا خوفا من تفشي الوباء.. هذا يبرز الحاجة للتوسع في استخدام وسائل التواصل العصرية في التعليم، وتقليل أوقات حضور الطلبة والمدرسين إلى المدرسة لتقليل التكدس في الفصول والمواصلات.. هذه الأفكار هامة حتى بدون وباء كورونا، لأنها ستريح الطالب والمدرس وتوفر ميزانيات كبيرة للدولة.

وقبل أن أطرح أفكاري في هذا الأمر، أحب أن أرد على الاعتراض التقليدي المتوقع: أن الدولة والمدرسين والطلبة وأولياء الأمور غير مجهزين لتنفيذ هذه الأفكار الجديدة.. الأمر بسيط: فليتم تطبيقه على التلاميذ الجدد الداخلين للمدرسة في الصف الأول الابتدائي، ليختفي النظام القديم تدريجيا في 12 سنة.. إن لم يكن في كل المدارس فعلى الأقل في المدارس التجريبية ثم توسعوا في باقي المدارس بالتدريج.. خذوا أي خطوة ولو صغيرة، وستصلون في النهاية.. هذا أمر حتمي في دولة مثل مصر وصلت كثافة الفصول في بعض مدارسها إلى 120 تلميذ في ظاهرة مفزعة، وفي المتوسط يحتوي الفصل على 80 تلميذ، والأسوأ أن الزيادة السكانية في مصر حوالي 2% أي حوالي 2 مليون مواطن سنويا، وهذا يعني 2 مليون تلميذ إضافي سنويا، يحتاجون إلى إنشاء حوالي 25 ألف فصل جديد سنويا بافتراض أن الفصل يستوعب 80 تلميذ، وهو ما يعني إنشاء حوالي 500 مدرسة جديدة كبيرة سنويا بسعة 50 فصلا، لمجرد الإبقاء على الوضع الكارثي الراهن وهو ما لا يحدث طبعا!
لاحظوا أيضا أن هذا التدريج لن يحل مشكلة كورونا إن ظلت مزمنة أو تكررت موسميا كل عام، أو ظهرت سلالات مختلفة منه بعد عدة أعوام.. هذا حافز إجباري لتسريع فرض المنظومة الجديدة.
في كل الأحوال نحن في وضع يحتاج للتحرك السريع.
هذه هي الخطوط العريضة للفكرة، أما تفاصيل توزيع السنوات الدراسية والمناهج والمدرسين والدرجات والامتحانات، فتحتاج إلى تخطيط مفصل من المختصين في كل مادة دراسية متى توفرت إرادة التطبيق:
 
* كل فصل دراسي 4 شهور، ويقسم الطلبة مجموعتين، وكل وحدة دراسية تتكون من عامين يحتويان على 3 فصول دراسية، وهذا يتيح تقسيم الطلبة إلى مجموعتين:
 
مجموعة أ:
في العام الأول: الذهاب إلى المدرسة في فصلين: (يناير-أبريل) و (سبتمبر-ديسمبر)
وفي العام الثاني: الذهاب إلى المدرسة في فصل واحد (مايو-أغسطس)، إضافة إلى فصليين دراسيين مصغرين عبر الإنترنت، الأول (فبراير ومارس)، والثاني (أكتوبر ونوفمبر).
مجموعة ب:
في العام الأول: الذهاب إلى المدرسة في فصل واحد: (مايو-أغسطس) إضافة إلى فصليين دراسيين مصغرين عبر الإنترنت، الأول (فبراير ومارس)، والثاني (أكتوبر ونوفمبر).
وفي العام الثاني: الذهاب إلى المدرسة في فصلين دراسيين: (يناير-أبريل) (سبتمبر-ديسمبر)


* يقسم الطلبة في كل فصل دراسي إلى مجموعتين، كل منها تحضر إلى المدرسة ثلاثة أيام في الأسبوع تبادليا:
مجموعة أ: (السبت والاثنين والأربعاء)
مجموعة ب: (الأحد والثلاثاء والخميس)
* يقسم اليوم الدراسي إلى فترتين:
من 8 صباحا إلى 12 ظهرا
 ومن 12 ظهرا إلى 4 عصرا
 ويتم تبديل الطلبة بين الفترتين من فصل دراسي إلى آخر، ليكون الأمر عادلا بينهم.
 
إذن:
الفصل الدراسي المدرسي يحضره نصف الطلبة فقط.
اليوم الدراسي المدرسي يحضره نصف طلبة الفصل الدراسي
الفترة اليومية المدرسية يحضرها نصف طلبة اليوم الدراسي
المحصلة: الفصل يحتوي فقط على ثُمن عدد الطلاب.. يعني الفصل الذي كان فيه 80 طالبا صار فيه 10 طلبة فقط!
متوسط عدد ساعات الحضور إلى المدرسة لكل طالب في العام:
4 ساعات × 3 أيام أسبوعيا × 16 أسبوعا في الفصل الدراسي * متوسط 1.5 فصل سنويا = 216 ساعة دراسية في العام.
لكن هذا ليس فقط وقت التعلم للطالب، فهناك ساعات مماثلة للتعلم عبر الانترنت (سأوضح لاحقا)، إضافة إلى الفصليين الدراسيين المصغرين عبر الإنترنت.
بالنسبة للمدرسين:
سيعملون طوال شهور العام (3 فصول دراسية)، لكن سيتم تقسيمهم إلى مجموعتين:
مجموعة أ: تذهب إلى المدرسة (السبت والاثنين والأربعاء)
مجموعة ب: تذهب إلى المدرسة (الأحد والثلاثاء والخميس).
ويعمل كل مدرس 6 ساعات يوميا عبر الفترتين، وهذا يسمح بتقسيمهم إلى ثلاث مجموعات:
- ثلث المدرسين يعمل من 8 صباحا إلى 2 ظهرا.
- والثلث الثاني يعمل من 9 صباحا إلى 3 عصرا
- والثلث الأخير يعمل من 10 إلى 4 عصرا.
ويتم تبديلهم من فصل دراسي إلى آخر لضمان العدالة.
 
التعليم عن بعد:
الأيام التي لا يأتي فيها المدرس إلى المدرسة ليست إجازة ما عدا الجمعة، لأنه سيكلف بالتدريس للطلبة تفاعليا عبر الإنترنت، وتجهيز فديوهات ووسائل شرح، يتم تقييمه عليها.
ويتم تكليف الطالب في اليوم الذي لا يذهب فيه إلى المدرسة (ما عدا الجمعة) بإجراء بحوث، وحضور محاضرات عبر الإنترنت، ومشاهدة شروح لأجزاء من المنهج عبر يوتيوب.. ويكون المدرس مكلفا بمتابعة الطلبة في يوم الدراسة المنزلية، وإجابة أسئلتهم عبر وسائل التواصل وتطبيقات مدرسية مخصصة لذلك وخاضعة لمتابعة إدارة المدرسة والتوجيه وأولياء الأمور لتقييم أداء المدرسين والطلبة.
مع ملاحظة أن التعليم عن بعد ليس مسئولية المدرسين فقط، بل يشترك معهم فيه وزارات الإعلام والثقافة والأوقاف، التي يجب أن توفر الكتب الالكترونية، والأفلام الوثائقية وفديوهات تبسيط العلوم والبرامج الثقافية والعلمية والأدبية، وتقدم الأفلام والمسلسلات التاريخية والدينية والخيال العلمي، وأن تضخ معظم ميزانيات هذه الوزارات لدعم هذا المحتوى الهادف بدلا من المحتوى التافه المدمر السائد حاليا.
أيضا هذا يحتاج لدعم وزارة الاتصالات، بتوفير الإنترنت بسعات عالية بأسعار عادلة كما في باقي العالم.. على الأقل يجب أن يكون الاتصال بكل المنصات التعليمية مجانا تماما ومتاحا بدون حتى تجديد اشتراك الإنترنت.. ويتم تصنيف بعض قنوات يوتيوب المفيدة على أنها محتوى تعليمي ويسمح بعرضها مجانا، مع توفير منصة عربية بديلة ليوتيوب تكون مخصصة للمحتوى التعليمي والتثقيفي فقط.
 
هذه المنظومة تحقق فوائد كثيرة، أهمها:
1- استخدام الوسائل العصرية الحديثة في العملية التعليمية ما سيرفع جودتها، ويعمل على تراكم الخبرات والشروح والمحتوى التعليمي عبر الأجيال، ما يتيح لكل طالب اختيار أفضل وسيلة لتلقي المعلومة.
2- هذا لا يلغي المدرسة نهائيا في المراحل الأولية، ويعطي الفرصة للطلبة الذين يحتاجون للشرح وجها لوجه، كما يسمح بإجراء التجارب المعملية.
3- تقليل التكدس في الفصول إلى الثُمن بدون أي تكلفة إضافية.. أي أن الفصل الذي كان فيه 48 طالبا سيكون فيه 6 طلبة فقط، والفصل الذي فيه 80 طالب سيكون فيه 10 طلاب فقط، وهذا سيرفع جودة التعليم بشكل غير مسبوق، ويقلل الحاجة إلى إنشاء مدارس جديدة إلى أن يصل تعداد الطلبة إلى 20 طالب في كل فصل وهو أمر يحتاج عشرين عاما أو أكثر، لو نجح فيها تطبيق هذه المنظومة، فسيتم بالتدريج تقليل عدد أيام الحضور إلى المدرسة والاعتماد بشكل أكبر على الخبرات التي تراكمت على الإنترنت، بحيث يحضر الطالب إلى المدرسة يوما واحد فقط كل أسبوع لإجراء التجارب المعملية، ولا حاجة للفصول ولا الشرح وجها لوجه، وهذا سيلقي عن كاهل الدولة جزءا كبيرا من ميزانية إنشاء المدارس، يمكن توجيهه لدعم المعامل والمدرسين والبحث العلمي وصناع المحتوى الإبداعي عبر الإنترنت، الذي سيحلون تدريجيا محل المدرسين بعد أن تتراكم شروح ملايين المدرسين في الوطن العربي ويصير من غير اللازم إعادة شرحها من جديد، فتكون الأولوية عندئذ لصناع المحتوى الإبداعي الذين يقدمون أشكالا أكثر جاذبية من تبسيط العلوم والرسوم المتحركة التعليمية والتثقيفية والآداب والفنون وغيرها.
4- تقليل التكدس المروري وتوفير البنزين وتقليل التلوث، بسبب تقليل حركة الطلبة والمدرسين إلى المدرسة.
ملحوظة: الفكرة ستقلل الزحام المروري في الشوارع، لكن كورونا يحتاج إلى احتياطات أكبر في المواصلات العامة، مثل إجبار المرور لسائقي سيارات الأجرة والحافلات على تحميل نصف عدد الركاب فقط حتى يتم توزيعهم في السيارة بحيث يوجد فراغ بين كل راكب ومن يجاوره، ولا يجلس أحد أمام أحد في صفين متتاليين.
5- سهولة الفصل بين الجنسين في المدارس المختلطة، بتخصيص أيام للإناث وأيام للذكور.
6- إمكان عمل بعض المدرسات من المنزل (خاصة الأمهات منهن)، بطلب تحويل كل عملهن إلى التعليم عن بعد، ويمكن ان يعملن كل الأيام بأجر كامل، أو نصف الأيام بنصف أجر، أو نصف الساعات كل يوم بنصف أجر.. ويتم تخصيصهن لمتابعة الفصلين الدراسيين المصغرين (مجموعهما 4 شهور كل عام) وفي الشهور الثمانية الأخرى يشاركن في تعليم الطالبات في الفصول الدراسية العادية عن بعد، لتخفيف عبء المتابعة عبر الإنترنت عن باقي المدرسين.
ملحوظة:
يمكن تطبيق أفكار شبيهة على باقي موظفي الحكومة، الذين يعملون في وظائف مكتبية وحسابية وخدمة الجمهور، حيث يكون العمل من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة السادسة مساء، مع تقسيم الموظفين إلى 5 مجموعات متقاطعة كل منها تعمل 7 ساعات يوميا والإجازة يوم الجمعة فقط:
- 8 ص إلى 3 م
- 9 ص إلى 4 م
- 10 ص إلى 5 م
- 11 ص إلى 6 م
- 12 م إلى 7 م
ويتم تصميم التقاطع بحيث يضمن وجود جميع تخصصات الموظفين في كل أوقات العمل، حتى لا يتوقف العمل بسبب عدم وجود أحدهم.. فمثلا لو كان للخزنة موظفان فقط، فيجب أن يعمل أحدهما من 8 ص إلى 3 م ويعمل الثاني من 12 م إلى 7 م، ليغطيا كل ساعات العمل.
لاحظ أن هذا النظام سيخفف المواصلات، ليس فقط بسبب توزيع وقت حضور الموظفين على خمس ساعات مختلفة في اليوم (وكذلك انصرافهم)، ولكن أيضا لأن تقديم الخدمة للجمهور طوال 11 ساعة يوميا يقلل من زحام المواطنين ويوزع حركتهم في المواصلات على ساعات أطول.. ومع تطبيق هذا النظام في معظم الوظائف، سينظم هذا حركة الخدمات، فكل موظف في وزارة هو في نفس الوقت مواطن يحتاج إلى إجراء معاملات مع وزارات أخرى، وسيذهب لفعل هذا في غير أوقات عمله، وهذا يوزع الناس على الخدمات على حسب أوقات فراغهم المختلفة.
وطبعا يجب أن يتزامن كل هذا مع استخدام مواقع الإنترنت لإجراء كل الخدمات التي لا تحتاج لحضور المواطن جسديا، ولو تم هذا بنسبة ملموسة فيمكن ان يعمل المومف يوما في مقر العمل ويوما من البيت.
هذا التوزيع البسيط لفترات العمل واستخدام الإنترنت كلما أمكن، سيقلل الزحام في الشوارع بشكل كبير.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر