كما ترون في الإحصائيات في الصورة، تجاوزت مشاهدات منشور
مترو الرياض على صفحتي على فيسبوك 200 ألف مشاهدة مع الكثير من الإعجابات
والمشاركات والتعليقات، بينما المنشورات السابقة والتالية له لم تحظ بتفاعل يذكر!!
وتبعا للإحصائيات، مشاهدات المنشور تنقسم إلى 1% من متابعي
الصفحة و 99% آخرين، ومعظمهم طبعا سعوديون كما هو واضح من التعليقات.
وقد قلت فيه:
مترو الرياض تكلف 25 مليار دولار، وهي تكفي
لإنشاء مدينة جديدة وتطويرها بالكامل، على مساحة تصل إلى حوالي 1278 كيلومتر مربع
لتوفير سكن لحوالي 3 ملايين نسمة.
كان من الممكن إنشاء مدينة الرياض الجديدة في
أي منطقة قريبة من الصحارى الشاسعة التي تمثل الجزء الأكبر من بلاد الحرمين،
لتوفير سكن رخيص للشباب وتكوين أسر جديدة وفتح فرص عمل، وتقليل الزحام في الرياض!
وعلى صعيد آخر، ميزانية جامعة القاهرة كلها
حوالي 112 مليون دولار سنويا، تنفق على جميع الكليات بما فيها كلية الهندسة.. تخيل
لو حصل عباقرة هندسة القاهرة على دعم مالي بمقدار 1 مليار دولار فقط سنويا لتوفير
أجهزة وبحث علمي، ماذا سيصير شكل مصر والعالم العربي بعد 20 عاما في جميع المجالات
التقنية!
ولا ننسى أن استضافة كاس العالم في قطر تكلف
220 مليار دولار، وهي تكفي لإنشاء دولة كاملة أكبر من قطر نفسها،. هذا المبلغ
يعادل ميزانية التعليم والبحث العلمي في مصر في 11 عاما!
لقد روج فيسبوك هذا المنشور بصورة غريبة وجعله ينتشر
كالنار في الهشيم، مع أني لم أضع فيه أي هاشتاج، ولم أشر لأي شخص ولم أنشره في أي
مكان آخر!.. وتحليلي لهذا الأمر أنه يعود لأحد الأسباب التالية:
1- الفيسبوك يروج المنشورات الخاصة بالسعودية إما
للابتزاز المالي، أو العكس، فربما يكون هناك تمويل للدعاية للسعودية وأخطأ الذكاء
الصناعي فلم يكتشف أن هذا المنشور فيه نوع من الانتقاد للمشروع.
2- الذباب الالكتروني السعودي روج للمنشور بغباء غير
غريب عليهم، فالهجوم المباغت على المنشور رفع رتبته لدى فيسبوك فزاد من انتشاره،
فزاد هجوم الذباب عليه فزادوا من انتشاره وهكذا.
3- ربما يكون هناك متربصون بالسعودية من الشعوب العربية
الذين تضرروا من سياساتها في المنطقة، وهؤلاء روجوا للمنشور في المجموعات والصفحات
والهاشتاجات.
عامة، التعليقات دفعتني للتعمق أكثر في الأمر، وكلما
نتقت نتقة فوجئت بكوارث.. مثلا:
* الميزانية العامة السعودية العام 2025 ذات سمة توسعية
من حيث أنها تحافظ على الانفاق الرأسمالي ضمن مستواه في العام 2024، وتسجيل عجزاً
115 مليار ريال وهو أعلى مما كان مقدراً (79 مليار ريال)
*
السعودية تتوقع استدانة 139 مليار ريال في 2025
*
وبلغت الديون المباشرة القائمة على الحكومة في نهاية سبتمبر 2021 948.3 مليار ريال
سعودي ( 252.9 مليار دولار أمريك ي) منها 560.6 مليار ريال سعودي ( 149.5 مليار
دولار أمريكي) ديون محلية و 387.8 مليار ريال سعودي ( 103.4 مليار دولار أمريكي)
ديون خارجية.
*
قدّر المحلل المالي محمد السويد حجم الودائع السعودية في بنوك الولايات المتحدة
الأمريكية بـ ٢.١٧ تريليون ريال
*
ابن سلمان منح ترامب ((استثمارات ب 450 مليار في الفترة الأولى)، ويعده ب 600
مليار دولار في الفترة الثانية، ويريد ترامب زيادتها إلى ترليون دولار.
وفي خضم كل هذا أضف السفه في الإنفاق على المشاريع التي
لها بدائل أفضل أو يمكن تنفيذها بتكلفة أقل بنفس الجودة.
وفي النهاية أجب نفسك: من سيدفع هذه التكاليف؟.. هذه المليارات
التي توزع في كل مكان يحولونها إلى عجز وهمي في الموازنة ويستدينون بفوائد ربوية
بدون حاجة، ويرفعون عليك أسعار الوقود والخدمات في النهاية!!
والمحصلة أن ديون السعودية تجاوزت ضعف ديون مصر الآن.. واستثماراتها
في الخارج بالترليونات لا تحقق عائدا يسدد الديون أو يسد عجز الموازنة.
ما هذا العبث؟
طبعا الردود المحفوظة أن الناتج القومي وفوائض السعودية
أكبر من الديون (إذن لماذا تستدين؟!!)، وأن الجزية التي تدفعها السعودية لأمريكا
هي استثمارات (وأين عائد هذه الاستثمارات)، وأن التعليم في السعودية أفضل من مصر
(لو كان كذلك لما حدث أي من هذا العبث، ولما رأيت كل هذا الكم من الجهل والغباء
وسوء الخلق في الردود).
أرجو فقط ملاحظة أن الاقتصاد النفطي هو أكثر الاقتصادات
هشاشة لأنه يحتاج لبيئة آمنة للاستخراج والتكرير والنقل، بينما المنطقة كلها
مشتعلة، والحوثي الحافي العاري هدد هذه البنية النفطية بالفعل وضربها بمسيراته
وصواريخه فرط الصوتية التي يصنعها في اليمن الفقيرة المحاصرة المدمرة، بينما كل
الترليونات التي أنفقت على شراء الأسلحة الأمريكية لم تنجح في حسم حرب اليمن أو
هزيمة الحوثي!
يعني باختصار: في أي مواجهة محتملة مع إيران والحوثي،
يمكن أن تفقد السعودية الآبار والمصافي والأنابيب والناقلات، ولا يتبقى لها فقط
سوى الديون، لأن استثماراتها في أوروبا وأمريكا في عداد المنعدمة!
وكل هذا سيأتي بنتائج مدمرة على جميع الشعوب العربية وليس
شعب الحرمين فقط، لو خسرت هذه الدول فرص العمل في السعودية.
أدرك طبعا أن معظم البشر لا يستطيعون رؤية أبعد من مواطئ
أقدامهم، ويريدون أن يعيشوا اليوم ويتركوا الغد للغد، وهو ما أدى إلى تدمير كل
بلادنا واحدة تلو الأخرى والبقية تترى.
لهذا حينما أنشر مثل هذه التحليلات الاقتصادية، لا
أوجهها لهم ولا أتوقع أن تنتشر، لأني لا أحب تضييع الوقت في مناقشة الدهماء ممن لن
يغيروا أي شيء في الواقع. (للأسف الموضوع الوحيد الذي أريده أن ينتشر هو قناة
يوتيوب التي أعلم فيها البرمجة للأطفال بلغة سمول فيجوال بيزيك التي أطورها بنفسي
كمشروع طموح لتطوير التعليم وتنمية العقلية المنطقية والرياضية لدى جيل جديد، ولكن
العلم لغة غير رائجة بين العرب كما تعلمون)!
كما أن دخول المتعصبين في أي موضوع يحوله إلى سباب
متبادل بين الشعوب، ولكني أبتر هذا من منبته بإخفاء الردود التي لا تحوي غير
النباح من كل الأطراف، وأترك فقط النقاش العقلاني الذي يفيد من يتابعه.. وبهذا
يؤدي النباح إلى مزيد من ترويج المنشور، لكنه لا يزعج غير صاحبه فلن يسمعه أحد!!
وبالمناسبة: ليس لي أي مكسب من الدعوة لاستثمار الخليج
في كلية هندسة القاهرة (مثلا)، لأني لا أعمل فيها ولا علاقة لي بها حاليا (سوى أني
كنت أدرس فيها منذ عقود مضت).. أنا لا أريد لنفسي أي شيء من السعودية، ورفضت عرضا
مغريا للعمل في مركز بحثي هناك في عام 2008. أنا شخص زاهد بطبعي، وأحب أن اكون حر
نفسي لأبدع في أي مجال يحلو لي ولو كان مجانا.. والحمد لله أنفقت السنوات الخمس
الماضية من عمري متطوعا لعمل فيديوهات شرح البرمجة للاطفال مجانا وتطوير لغة برمجة
مفتوحة المصدر مجانا، وكتابة المرجع الإنجليزي الكامل لها مجانا (860 صفحة)،
والشيء الوحيد الذي أنشره بمقابل هو سلسلة المبرمج الطفل بالإنجليزية وهي للأجانب
لا للعرب.. هذه أكبر مغامرة في حياتي والحمد لله مرت بدون أن أفلس (ولا أدري كيف)
وبدون أن أسعى لأي دعم من أي جهة، فالحمد لله الذي رزقني من حيث لم أحتسب ووفقني
لهذا العمل، الذي أدعو الله أن يفيد المصريين والعرب والمسلمين.
وأخيرا أشكر الشرفاء من شعب الحرمين على حوارهم العقلاني
المحترم، وتمنياتهم للخير لمصر ولكل العرب، فهذا هو الشعور الذي يجمعنا جميعا،
ودعواتي لبلاد الحرمين بكل الخير والنماء والازدهار.