وقعت
عيني على الرواية رقم 17 من سلسلة الأعداد الخاصة لنبيل فاروق.
بدا اسمها غريبا: "كائنات"، وشعرت
أنني لم أقرأها من قبل رغم صدورها منذ أكثر من 15 سنة، فقررت أن ألقي نظرة عليها،
وقد بدت أحداثها مدهشة بالنسبة لي ما ينفي أي احتمال أن أكون قرأتها من قبل ونسيتها
كما نسيت كل تفاصيل الروايات الأخرى مع بعد الزمن.. فلا بد من وجود حدث أو فكرة في
أي رواية تذكرني أنني قرأتها من قبل أو تستدعي تأملا فكريا أو نقديا وردني وأنا
أقرؤها، وهذا ما لم أجده في هذه الرواية.. هذا جميل، إذن فلأتسَلَّ بقراءة أجزاء
منها قبل الإفطار يوميا، فهذا يعيد لي طعم رمضان حينما كنت أقرأ هذه الروايات قبل
الإفطار في مراهقتي.
طبعا
وجدتُ الكثير من الأخطاء العلمية في الرواية وهي شائعة عند كتاب الخيال العلمي كلهم
وليست قاصرة على نبيل فاروق فقط.. على سبيل المثال لا الحصر:
اخترقت
نشوى (ابنة نور الدين محمود) الحاسوب المركزي لتوجيه كل طاقة المولدات الكهربية في
القاهرة الكبرى (وربما الجمهورية كلها) إلى جهاز التصغير لعكس عمله وإعادة تكبير
أبيها وأمها مرة أخرى.. هذه فكرة سخيفة منتشرة في أعمال الخيال العلمي يقوم بها
البطل أو الشرير لسحب الطاقة كلها واستخدامها لغرض ما.. وسأتجاهل هنا ما سبق أن
قلته من أنه لا توجد دولة عاقلة تضع كل مولداتها معا في شبكة واحدة بهذا الغباء، وسأركز
على نقطة أخرى: فحتى لو افترضنا أن هناك جهازا قادر على استيعاب كهرباء مصر كلها
دون أن يتبخر، فيؤسفني أن أخبركم أن المهندسين يصممون أجزاء الشبكة الكهربية على
أقصى حمل متوقع مع هامش أمان، ويختارون الكابلات والمحولات والقواطع على هذه
الحسابات.. وبالتالي، فإن كل الكابلات في مسار تحويل الطاقة إلى البطل أو الشرير
ستنصهر في الحال بمجرد مرور كل هذه الطاقة فيها، وستحترق المحولات وتنهار محطات
الطاقة وتخرج عن الخدمة، ولن يصله أي شيء من الكهرباء التي يريدها :).
وأنا
نيابة عن كل مهندسي الكهرباء، أعتذر لكتاب الخيال العلمي عن هذا الخطأ الفادح في
التصميم، فالحكومة لن تسمح بتصميم أبراج الضغط العالي بحجم الجبال لتحمل كابلات
سمك كل منها كيلو مترا على الأقل (بعرض قرية صغيرة) حتى تحتمل نقل الطاقة الكافية
لتحقيق أغراض البطل أو الشرير!
وعلى
كل كاتب خيال علمي أن يتعب قليلا في ابتكار حلول عملية لحبكته الدرامية، كتخليق
نقطة تفرد singularity تسحب الطاقة من كون مواز لإمداد الجهاز باحتياجاته، أو تقوم نشوى مثلا
باستخدام الجهاز لتصغير الشمس ثم تستخدمها كمصدر للطاقة لعكس عمله :D :D :D وحينها سيرفع لهم المهندسون القبعة ما داموا بعيدين عن تصاميمهم
العملية :)
طبعا
هناك عشرات التفاصيل الصغيرة غير المنطقية في الرواية، منها مثلا ترك جهاز التصغير
ومخترعه بلا رقابة بعد التجربة الأولى التي أدت إلى تصغيره هو نفسه واختفائه، ومثل
عدم محاكمة نشوى وسجنها بعد اختراقها شبكة الكهرباء وسرقة الكهرباء وقطعها عن
الدولة كلها لعدة دقائق، ومثل خروج فريق أمني للبحث عن البكتريا الضخمة ومعهم فقط
مسدسات الليزر بعد أن ثبت من أول مواجهة عدم جدواها!!
ولكن
ماذا تتوقع وأنت تقرأ رواية أحد أبطالها (أكرم) الذي يصفه الكاتب في كل صفحة من كل
رواية منذ أن انضم إلى السلسلة بالهجمية والجهل العلمي وكراهية التقنيات الحديثة
رغم أنه مهندس بترول أصلا!!، بينما نور الدين مقدم المخابرات هو العبقري الذي يحل
كل الألغاز العلمية الغامضة التي يعجز عن حلها العلماء المختصون!!
ما
علينا.. نصل الآن إلى السطر الذي وضعت خطا تحته في الصورة المأخوذة من الرواية:
"قبل
أن يتغير منهجنا، ونتخلص من سياسة حكم الفرد الواحد، وننضم إلى سباق العلم
والتطور"
وهو
كلام لم يكن فريدا من نوعه في كتابات نبيل فاروق، الذي طالما مجد صنم العجوة
الديمقراطي وانتقد مبارك تلميحا أو تصريحا وتنبأ في ندواته بالثورة عليه قبل
حدوثها بست سنوات على الأقل، ففوجئنا بأنه كان من أوائل من التهموا صنم العجوة بقضمة
واحدة بعد أن جاءتهم الثورة بمن لا تهوى أنفسهم!
وبالمناسبة
لم يختلف أحمد خالد توفيق عنه في هذا، إلا أن أحمد خالد ندم وحاول في كل مقالاته
أن يعلن رفضه لما آلت إليه الأمور.
وأؤكد
بعد كل هذا النقد أنني أنا لا أنكر دور روايات ملف المستقبل و ع×2 وكوكتيل 2000
وباقي كتابات نبيل فاروق في تشكيل عقليتي العلمية والنقدية وحبي للعلم والهندسة
والقراءة والثقافة، ولكن مستوى سلسلة ملف المستقبل هبط بشكل مريع بعد العدد 100
وصارت تجارية بحتة مليئة بالتطويل والعنف والأفكار الساذجة والمغالطات العلمية،
وهي من سمات الشيخوخة التي تصيب أي كاتب مع تقدمه في العمر واضطراره للاستمرار في
الكتابة بنفس الغزارة لإشباع السوق!
وقد
صاحب هذا التدهور تنازل نبيل فاروق عن كثير من مبادئه التي كان يرسخها في أعماله
الأولى، ربما لمغازلة السينما والتلفاز واتحاد الكتاب، وربما كان هذا نفس ما فعله
أيضا في النصف الأول من رحلته، حيث كان يكتب ما يريده الناشر حمدي مصطفى رحمه
الله، فلعلها كانت قيم هذا الرجل المحترم، تقمصها نبيل فاروق ببراعة في مرحلة من
حياته، قبل أن يغير لونه تبعا للمصلحة، وهو ما تؤكده مواقفه السياسية المخزية
الحالية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.