الإعراب فرع المعنى
استكمالا
للفائدة النحوية السابقة: من النادر في النحو أـن يكون هناك تشكيل خاطئ، لكن
المعنى يتغير بتغير الإعراب.
ولو أخذنا البيت السابق كمثال:
(كنسيم أوهى من عطر، وأشد عنادا من إعصار)
حينما شكلها عقلي تلقائيا بالضم، صار المعنى:
أنتِ كنسيم أوهى من عطر
وأنت أشدُّ عنادا من إعصار
وهو إعراب صحيح والمعنى صحيح أيضا.
ولكنه لم يكن ما أقصده بالضبط، إذ أنني أراها أبلغ أن أصف
النسيم بهذا التناقض وأرسم الصورة الكلية حوله، فعلميا، نفس الهواء قد يكون نسيما
وقد يصير إعصارا (بسبب اختلاف الضغط الجوي والحرارة إلى آخر هذه التفاصيل)..
فالنسيم ليس وديعا دائما، ويمكن أن يتحول إلى إعصار بدون سابق إنذار.. وهذا هو
السبب في انتباهي لعدم اتساق التشكيل بالضم مع المعنى الذي أردت إيصاله.
لعل هذا يكشف لكم كيف تتكون الصور والخيالات في ذهني، فهناك
دائما خلفية علمية منطقية تتحكم في تشكيل اللغة الشعرية التي أستخدمها.. فمهما بدت
الصورة غريبة، فلها في ذهني تسلسل منطقي وتفسير علمي.. وهناك نوع من الترابط بين
بعض الصور المتتالية التي أستخدمها، حتى إن لم يكن ظاهرا، لأني أميل إلى رسم صورة
كلية متماسكة.
إذن، فكما أوضحت، كلا الإعرابين صحيح وله معنى، لكني قصدت
أحدهما تحديدا، وهذا يستدعي أن أضع التشكيل المناسب لألفت القارئ إلى هذا المعنى..
هذه هي وظيفة النحو، وواضح تماما أنها وظيفة هامة، وأن التشكيل ليس مجرد شكليات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.