المتابعون للمدونة

الاثنين، 4 مايو 2020

ملف المستقبل والخيال غير العلمي


سلسلة ملف المستقبل تحولت إلى خيال غير علمي!
 

أنهيت قراءة رواية "كائنات" العدد 17 من سلسلة الأعداد الخاصة لنبيل فاروق، وللأسف بعد كل ما ذكرته في منشور سابق تعثرت بمزيد من المغالطات العلمية الفجة، وشعرت بالدهشة وأنا أراجع في ذهني البدايات العبقرية لسلة ملف المستقبل، وما انتهت إليه من تفاهة وسخف وإفلاس!

سأخبركم ببعض الأخطاء الحيوية القاتلة، التي لا عذر لنبيل فاروق فيها لكونه طبيبا والأحياء جزء من تخصصه:

- قام الجهاز بتكبير البكتريا إلى حجم فيل ونظرا لأن عمل الجهاز الأصلي كان تقليل المسافات الجزئية بين الذرات، فعكس هذه الفكرة يعني التكبير بزيادة تباعد الذرات.. في الحقيقة هذا يقلل كثافة الكائن ويجعله عرضة لضغط جوي أكبر لا يمكنه احتماله، ويجعله هشا للغاية كفقاعة منتفخة، ويجعل فكرة البكتريا الوحش مجرد هراء، لأن النفخ فيها سيقتلها، كما أنها ستظل بنفس وزنها الأصلي وتطير في الهواء كأي بكتريا مجهرية!.. ولن أتكلم هنا عن أن تباعد الذرات سيفسد عمل المركبات الحيوية ويغير آليات تفاعلها مع أي غذاء تلتهمه كالبشر، وكما قلت، أي إنسان يستطيع نفخها كريشة فيقضي عليها، ولو أنها ابتلعت إنسانا كاملا، فيستحيل أن تهضمه لأن كثافته ما زالت أضعاف كثافتها بلاميين المرات.. ما زلنا نتكلم هنا عن خلية واحدة انتفخت إلى حجم فيل، تحاول هضم 100 ترليون خلية في جسم الإنسان وهذا مستحيل!

- استغل نبيل فاروق فكرة الانقسام الثنائي للبكتريا ليضاعف أعدادها داخل معمل الأبحاث.. ولو تجاهلت الفرض الأول، وسايرت افتراضه الخاطئ عن أن البكتريا تضخمت بزيادة كتلتها، فإن انقسام البكتريا يحتاج للغذاء لإنتاج نسخة جديدة مماثلة، لأن الكتلة لا تنشأ من العدم، وكل ما التهمته هذه البكتريا المحبوسة داخل مركز الأبحاث هو 4 أشخاص فقط، ويستحيل أن تنتج مئات البكتريا الجديدة بنفس الحجم العملاق، إلا إذا افترض أن كل انقسام ينتج عنه اثنتان من البكتريا بنصف الحجم، وهذا سيجعل البكتريا تكثر وتتقزم باستمرار ولا تشكل خطرا كما يريد ليصنع الدراما!

- الأسخف من كل هذا هو أنه جعل البكتريا تواصل وتستدعي بعضها وتتصرف كمخلوق عاقل، مع أنها خلية واحدة فقط بلا مخ ولا أعصاب ولا آذان ولا عيون ولا أنوف .. مجرد كتلة من البروتوبلازم لها أهداب تمنحها بعض الحركة العمياء في الوسط الذي تعيش فيه فتلتهم ما يسمح غشاؤها بعبوره للداخل من مواد كيمائية وحيوية.. مجرد عامل قمامة نشط ينظف الأنظمة البيئية من المخلفات المجهرية، ويؤذي الإنسان إذا أهمل نظافته.. وأي افتراض غير هذا يدمر الدراما، فالبكتريا لا تحدد أعداءها ولا تحاصرهم ولا تضع خططا.

- الأسوأ من هذا كله أنه لجأ إلى فكرة سخيفة، تكون مقبولة أحيانا عند الحديث عن مخلوق فضائي غامض قادم من كوكب مجهول له خصائص لا نفهمها، فبعض كتاب الخيال العلمي يجعلونه يكتسب خبرات المبشر الذين يلتهمهم.. لجأ نبيل فاروق إلى هذا مع البكتريا وحيدة الخلية التي لا تملك مخا ولا أعصابا ولا أي شيء على الإطلاق، فجعلها تكتسب خبرات رجال الأمن لتقوم بقطع الكهرباء وإغراق الممرات بالمياه إلى آخر الخزعبلات التي كتبها!

وأخيرا، أنهى نبيل فاروق كل المأزق بمنتهى التهريج، حينما جعل نشوى خبيرة الكمبيوتر، تعدل عمل جهاز التصغير والتكبير، ليؤثر فقط على المخلوقات وحيدة الخلية ويعيد تصغيرها.. كيف يمكن لخبيرة كمبيوتر أن تفعل هذا؟.. ما أدراها هي بالأحياء وكيف تجعل الجهاز يميز؟.. لم يخبرنا!!

والأغبى من هذا أنها قالت إنها أوصلت الجهاز بنظام الإنارة ليطلق الأشعة من كل مصابيح المركز!.. ما نعلمه عن المصابيح أنها أجهزة منفصلة العامل المشترك بينها هو أسلاك الكهرباء، فكيف أوصلت أشعة الجهاز إلى المصابيح عبر أسلاك الكهرباء؟!.. وهل المصابيح في أي تصور علمي أو غير علمي، التي تطلق الضوء في نطاق تردد الطيف المرئي، يمكنها أن تطلق أشعة جهاز فريد من نوعه يقوم بتكبير وتصغير الأشياء؟.. ولماذا لا تصغر الأشعة المصابيح نفسها، وأي أشعة هذه التي تختار الأحياء دون الجمادات وتنتقي منهم فقط المخلوقات الأولية؟

يمكنني أن أرشح هذه الرواية كأسوأ رواية خيال علمي قرأتها في حياتي بعد رواية 300 دقيقة لتامر إبراهيم التي كتبها وعمره 18 سنة.. نبيل فاروق بعد خبرة 30 سنة من كتابة الخيال العلمي انحط إلى مستوى أحد تلاميذه حينما كان يجرب نفسه ككاتب في مراهقته!

فهل شاخ نبيل فاروق مبكرا ورد إلى أرذل العمر الإبداعي (لكي لا يعلم من بعد علم شيئا)؟.. أم أنه الاستعجال والاستسهال والكتابة التجارية.. الرواية بدأت بفكرة مدهشة، وكان يمكن أن تنتهي كرواية عبقرية لو أنه ختمها بعد أول ثلاثة فصول، لكنه قرر المط والتطويل بسخافة ليخرج عددا خاصة بدلا من قصة طويلة أو رواية قصيرة!.. والأسوأ أن نبيل فاروق كما يقول عن نفسه، لا يراجع أي عمل كتبه، ويلقيه مباشرة للمطابع بدون أي احترام لعقول قرائه، لمجرد أن يوفر وقتا يكتب فيه المزيد ويكسب أكثر!

كان أحمد خالد توفيق على حق حينما أنهى سلسلة ما وراء الطبيعة في ذروة نجاحها، مكررا التعبير الشهير: أن يقول القراء لماذا توقف، خير من أن يقولوا ليته توقف!

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر