اثنان في واحد، ليس برت بلاس
(10)
قال لنا محمد ولي الذي رَهَـكْتُ فكّه:
- لقد كان موعد معمل الحاسبات اليوم في الحصة الثالثة، ولكنّ ذهني كان متخما
كزوجة مصرية انتهت لتوها من التهام آخر إصبع محشي، وفضّلت أن أجلس مع (محمد فايز)
ليُسمعني بعض أغانيه الجديدة، فهي تساعد
ذهني على سرعة الهضم.. وفي النهاية، حضرت إلى المدينة الجامعية، وتناولت غدائي
بنفس الكيفية التي أسهبتَ أنت في شرحها في الفصل الثاني يا غانم: (تبدأ الأحداث في
ذلك اليوم الجميل.. كنت قادما من مطعم المدينة الجامعية بعد وجبة الغداء، أمسك
ملعقتي في يدي بفخر، وأرفعها كل حين لتحيي صديقاتها المستكينات في يد قوافل
المدينجية الزاحفين على المطعم أو العائدين منه، في طقس يومي معتاد).
قاطعته في ملل:
- لا داعي للتكرار.. كلنا يفهم ما تعنيه.
صحح لي أحمد عزيز:
- بل نعيشه.. لع.. تفرق (تذكروا أنه ينطق القاف جيما).
واصل محمد ولي الذي نسفتُ فكّه:
- ما علينا.. بعد أن بدأت الأحداث في ذلك اليوم الجميل، وبعد أن قدمت من مطعم
المدينة الجامعية بعد وجبة الغداء، ممسكا ملعقتي في يدي بفخر، لأحيي بها صديقاتها
المستكينات في يد قوافل المدينجية الزاحفين على المطعم أو العائدين منه، في طقس
يومي معتاد.. وصلت أخيرا حجرتي، فوجدتك نائما يا غانم وآثار زيت الكافور تبدو على
غيبوبتك، فأخذت المنشفة وذهبت إلى الحمام، وشعرت بنفس الاستمتاع المريض وأنا ألصق
ملعقتي بالفرومايكا أثناء سيري، لتحدث صوتا عاليا تقشعر له أبدان التعساء المقيمين
في غرفة المفتّقة وتصيبهم بحالات هستيرية.. ثم تذكرت نصيحتك، فاحترمت الورقة التي
ألصقوها على الفرومايكا يبوسون فيها ملاعق المارين ويناشدونهم بالتوقف عن هذه
الهواية الممتعة، وقررت أن أسرّي عنهم بالغناء بأعلى صوتي النشاز وأنا عائد من
الحمام واستمتعت بالصدى وهو يصنع في الممر مع صوتي النشاز سيمفونية عذبة و...
قاطعته وأنا أنظر حولي متوجسا:
- اختصر يا فتى.. فالقارئ المفقوع يقتحم الحوار في مثل هذه المقاطع.
نظروا لي في بلاهة، فقلت بضجر:
- لا عليكم.. إنها قصة طويلة، يمكنكم مراجعتها في الفصول السابقة.. المهم..
هات الخلاصة.
- الخلاصة أنت تعرفها.. عدت إلى الغرفة، وفتحت الباب لأفاجأ بنسخة أخرى منّي،
وكان ما كان!
قال أحمد عزيز ساخرا:
- أفادكم الله.
قال محمد ولي الذي برّأنا ناني من تهمة صفعه على خده:
- بغض النظر وأكل الجزر.. أظن أن روايته تؤكد شيئا هاما هنا.. أن المشكلة
حدثت معي أنا لا هو.
صاح محمد ولي الذي دككتُ فكه:
- نعم نعم.. هذا صحيح.. أنا محمد ولي الأصلي.. هو محمد ولي المزيف.
وانقض على شبيهه فجأة صائحا بهستريا:
- اقبضوا عليه في الحال.
حاولت الفصل بينهما، بينما راح أحمد عزيز يضحك باستمتاع
قائلا:
- بانج تشانج خرونج.. محمد ولي الأصلي ومحمد ولي التايواني.. لع حلوة.
وددت أن أصفعه في غيظ، لكني كنت أجاهد لأتحاشى اللكمات
والركلات المتطايرة بين المحمدين، فاكتفيت بأن أقول له بغضب:
- افعل شيئا إيجابيا، وتعال ساعدني لإيقاف صراع الديوك هذا.
- لع.. أنا مثقف يا فتى.. المثقفون لا يفعلون شيئا.. يستمتعون بالمشاهدة
والتعليق وَقَط.
انحنيت انحناءة بارعة لأتفادى لكمة من محمد ولي الأصلي،
فاستقبلتني ركلة في معدتي من محمد ولي التايواني، فقلت لأحمد عزيز متأوها:
- هذا يعني أن وجودك في الحياة كعدمه.
التهم نفسا عميقا من ماسورة عادم الانتحار البطيء، وقال
بتلذذ:
- رائع.. إذا كان الوجود كالعدم، إذن فالعدم موجود، والوجود معدوم.. اثنان في
واحد، برت بلاس، عودة النذل.
- هراء.
- تأكد ألا تخطئ مطبعيا في هذه الكلمة.
- امم.. سأكتب ملاحظة للناشر.
- أرأيت.. أحيانا أكون مفيدا.
تلقيت صفعة من أحد المحمدين في هذه اللحظة، فقلت بغضب:
- ليس بدرجة كافية.
- هكذا؟.. أتقلل من قوة الكلمة؟
- يا عزيزي، أنا أيضا أتلاعب بالكلمات.
- كلمات ليست كالكلمات.
- نعم.. لكنها لا تمنع اللكمات.
- من قال هذا؟
قلت بدهشة:
- أنا.. هل علامات الحوار مربكة؟.. هل يجب أن أكتب اسم القائل قبل كل جملة؟
- بانج نانج جرانج.. هذا سؤال استنكاري.. كأني أسأل: من الأحمق الذي قال هذا؟
- القائل واحد في كلتا الحالتين!
- إذن فلا فائدة من وضع اسم القائل.. يمكنك أن تكتفي بالأحمق.
العبقري: - هل هذا أفضل؟
المتفيهق: - ربما لو تجاهلنا نرجسيتك.
النرجسي: - إنني أحاول أن أتجاهل اللكمات هنا، وأنت ما
زلت تتشدق بالكلمات.
المتشدق: - ويحك يا فتى الهندسة، أما زلت تقلل من قوة
الكلمات، أمام قوة اللكمات.
فتى الهندسة: - نعم يا فيلسوف الصعيد.
فليلسوف الصعيد: - فليكن.
وصرخ بأعلى صوته بكلمة واحدة، فتجمد كل من المحمدين في
مكانه في رعب، وكدت أنا أسقط مغشيا عليّ.
وكانت هذه الكلمة بالتأكيد:
- غطاااااااااااطي
***
الأصلي والتايواني