موسيقى الشعرِ
العربي.. دروس مبسطة للهواة
بقلم: م.
محمد حمدي غانم
17- الكامل وشعر التفعيلة
سنقوم الآن
بتقطيع قصيدة "نعلاك أطهر من فرنسا كلها" للشاعر العراقي أحمد مطر، وهي قصيدة
من شعر التفعيلة، مكتوبة على وزن البحر الكامل، حيث تسير كلها بانتظام على
التفعيلة "متفاعلن"، مع إمكانية تحولها إلى "مستفعلن" في أي
موضع.. وتستخدم القصيدة بعض العلل في نهاية السطور، بزيادة حرف ساكن لينتهي السطر
بالتفعيلة متفاعلانْ أو مستفعلانْ كما في السطر:
قمرٌ
تَوشَّحَ بالسَّحابْ
قمرُنْ تَوَشْ (متفاعلن) ـ شَحَ بِسْ سَحَابْ (متفاعلانْ)
أو بزيادة كتحرك
وساكن، لينتهي السطر بالتفعيلة متفاعلاتنْ أو مستفعلاتنْ كما في السطر:
منْ
أيِّ باِرقةٍ نبيلةْ
منْ أيْيِ بَا (مستفعلن) ـ رِقَتِنْ نبيلهْ
(متفاعلاتن)
وفي هذه القصيدة
يجري أحمد مطر حوارا مع المرأة المسلمة المحجبة
التي تعيش في فرنسا، بعد قرار منع الحجاب في المدارس والمصالح الحكومية (ثم تلاه
منع النقاب في الشوارع).. وتمتاز القصيدة بانسيابيتها، وقدرة الشاعر على ملامسة
جوانب القضية دون التخلي عن شاعريته، أو تحويل القصيدة إلى خطبة وعظية.
فهو يشيد بقيمة العفاف والاحتشام،
ويربطها بمظاهر الجمال في الكون، ويظهر على النقيض منها تحلل المجتمع الغربي
وفساده، مشيرا حتى إلى الإيدز (السيدا) في قوله:
هي
ما لَها من مالِها شيءٌ سِوى (سِيدا) بَنيها!
وهي إشارة إلى أن أول ظهور للإيدز كان في
فرنسا في نهاية السبعينيات وإن تم التعتيم عليه إلى أن اكتشف في أمريكا.
كما سخر من مبادئ الثورة الفرنسية التي
تتشدق بالحرية وعدم التمييز على أساس ديني وهي مجرد شعارات فارغة:
نعْلاكِ
أجْملُ من مبادئِ ثورةٍ ذُكِرَتْ لِتُنْسى
ومن أجمل إشاراته قوله:
قَرِّي
بممْلكةِ الوقارِ وسَفِّهي المَلِكَ السّفيها
وهي إشارة إلى قصة الملك الذي خدعه
الخياط وأوهمه أنه صنع له ثوبا شفافا لا يراه أحد، فخرج على الناس عاريا، فجاراه
الناس نفاقا وخوفا وأظهروا انبهارهم به، ما عدا طفل صغير صاح فيهم إنه يرى الملك
عاريا!.. فهو يربط هنا بين سفه الحضارة الغربية التي تجعل من العري والفساد
الأخلاقي قيما تفتخر بها، كذلك الملك العاري الذي يفتخر بثوبه الوهمي الفخم الذي
لم يلبسه من قبله أحد!!
ثم يشير أحمد مطر إلى تاريخ فرنسا
الاستعماري، ونهبها لثروات البلاد العربية، ويأخذ ذلك منطلقا ليؤكد أن كل ما في
فرنسا هو ميراث أجداد هذه المسلمة المحتشمة، لهذا يطالبها بألا ترحل عن فرنسا، بل
تبقى فيها وتفرض قيمها الأصيلة.. ويمتاز هذا المقطع بالطلاقة والسلاسة، حيث جعل
الشاعر يجرد لنا ميراثنا الذي سرقته فرنسا:
هي
كلُّها مِيراثُكِ المسْروقُ:
أسْفلتُ
الدروبِ، حجارةُ الشرفاتِ، أوعيةُ المعاصِرْ
النفْطُ،
زيتُ العِطْرِ، مسْحوقُ الغسيلِ، صفائحُ العَرباتِ،
أصْباغُ
الأظافرْ
خَشَبُ
الأسِرّةِ، زِئْبقُ المِرْآةِ، أقْمشةُ الستائِرْ
غازُ
المدافئِ، مَعْدِنُ الشَفَراتِ، أضْواءُ المتاجرْ
وسِواهُ
مِن خيرٍ يَسيلُ بغيرِ آخِرْ
هي
كلُّها أمْلاكُ جَدّكِ في مُرَاكشَ أو دِمشْقَ أو الجزائِرْ!
والآن فلنرَ القصيدة وتقطيعها.. ويمكنك أيضا سماع قراءتي
للقصيدة مقطعة عروضيا هنا:
نعلاكِ أطهرُ من
فرنسا كلِّهــا
للشاعر: أحمد مطر
قمرٌ تَوشَّحَ بالسَّحابْ
قمرُنْ تَوَشْ ـ شَحَ بِسْ سَحَابْ
غَبَشٌ تَوغّلَ، حالماً، بفِجاجِ غابْ
غَبَشُنْ تَوغْ ـ غلَ حَالِمَنْ ـ بفِجَاجِ غَابْ
فَجْرٌ تَحمّمَ بالنّدى وأطلَّ من خلْفِ
الهضابْ
فَجْرُنْ تَحَمْ ـ مَمَ بِنْ نَدا ـ وَأَطَلْلَ مِنْ ـ خَلْفِلْ هضَابْ
الورْدُ في أكْمامِهِ
أَلْورْدُ في ـ أكْمَامِهي
أَلَقُ اللآلئِ في الصَّدَفْ
أَلَقُلْ لآ ـ لِئِ فِصْ صَدَفْ
سُرُجٌ تُرفْرِفُ في السَّدَفْ
سُرُجُنْ تُرَفْ ـ رِفُ فِسْ سَدَفْ