بلا خوتة!
أحد أسباب إصراري على كتابة الشعر العمودي إلى اليوم، رغم أن شعر التفعيلة أسهل وأسرع كثيرا، هو أن الشعر العمودي ـ بجوار موسيقاه المنضبطة الجميلة ـ هو بالنسبة لي رياضية لغوية عالية، فحيزه الضيق يجبرني على شحذ قريحتي ومراجعة حصيلتي اللغوية للإتيان باللفظ المناسب للوزن والقافية وعدد تفعيلات الشطرة، وهو ما يدفعني في كثير من الأحيان إلى مراجعة المعاجم للتأكد من اشتقاق كلمة أو تشكيل أخرى.. ولتسهيل هذا الأمر على نفسي، ألحقت ببرنامج الشاعر الذي كتبته أنا والصديق م. محمد جلال عام 1998 لوزن القصائد، معجما للقوافي، بنيته على أحد أجزاء ديوان الأدب للفارابي، وهو معجم يقسم الكلمات على حسب أوزانها الصرفية، فسهّل عليّ هذا إنشاء معجم للقوافي يتيح لي البحث عن كل الكلمات التي توافق وزنا معينا وتنتهي بقافية معينة.. كانت في هذا المعجم 2608 كلمة فقط (لأني جهزت هذه الكلمات حينها يدويا من معجم ورقي)، لكنها كانت مفيدة.
وحينما قررت هذا العام تحديث مشروع الشاعر باستخدام WPF ، أعدت إنشاء معجم الأوزان والقوافي، لكني هذه المرة بنيته على لسان العرب، واستخدمت برنامج تحليل صرفي كنت كتبته عام 2000 لتقطيع الكلمات وتحليل أوزانها الصرفية.. هذا المعجم الآن يحتوي على أكثر من 120 ألف كلمة، واضطررت إلى وضع اختيار لتقليل النتائج التي يعرضها لاستبعاد المواد المعجمية الأقل شيوعا، فأحيانا تظهر لي آلاف الكلمات على نفس الوزن والقافية اللذين أريدهما، والبحث في نتائج بهذا الحجم يحتاج عمرا!
وأحد مزايا البحث في المعاجم عن بعض الكلمات والقوافي، هو المرور على الكثير من المواد وقراءة الكثير من المعاني.. وفي أحيان كثيرة أكتشف أن بعض الكلمات التي نستخدمها في حياتنا اليومية ونظنها عامية، هي في الحقيقة كلمات معجمية فصيحة!
على سبيل المثال لا الحصر:
آخر كلمة مرت أمامي هي كلمة "الخوت".. والعوام يقولون "بلا خوتة" بمعنى لا تصدّعني أو لا تشتت انتباهي.. انظروا لمادة هذه الكلمة، وستكتشفون أننا نستخدمها بشكل صحيح، فمعظم معانيها تدور حول إصدار الصوت وصوت جناحي الطائر عند انقضاضه والاختطاف والطرد.. فكأنك حينما تقول لشخص: بلا خوتة تعني: لا تنقضّ علي بكلامك ولا تزعجني بصوتك.. أنقل لكم هذا من لسان العرب:
- خاتَه يَخُوتُه خَوْتاً: طَرَده
- والخَواتُ والخَواتةُ الصَّوْتُ.. وخص أَبو حنيفة به صَوْتَ الرعد والسيل.. وأَنشد لابن هَرْمَة:
ولا حِسَّ إِلاّ خَواتُ السُّيول
- وخَواتُ الطير صَوْتُها.. وقد خَوَّتَتْ.
- وقيل كلُّ ما صَوَّتَ فقد خَوَّت.
- قيل الخَواتُ لفظ مؤنث ومعناه مذكر دَويُّ جَناح العُقاب.
- وخاتَتِ العُقابُ والبازي تَخُوتُ خَواتاً وخَواتَةً وانْخاتَتْ واخْتاتَتْ إِذا انْقَضَّتْ على الصَّيْدِ لتَأْخُذَه فسمعتَ لجناحَيْها صَوْتاً.
وفي حديث أَبي الطُّفَيْل وبناءِ الكعبة قال فسمعنا خَواتاً من السماءِ أَي صوْتاً مثل حَفِيف جناح الطائر الضخم.
- وخاتَتْه العُقابُ تَخُوتُه وتَخَوَّتَتْه اخْتَطَفَتْه.
- والخَوَّاتُ بالتشديد الرجلُ الجَريءُ.. قال الشاعر:
- لا يَهْتَدي فيه إِلاَّ كلُّ مُنْصَلِتٍ من الرجال زَمِيعِ الرَّأْي خَوَّاتِ.
- وتَخَوَّتَ مالَه مثل تَخَوَّفه أَي تَنَقَّصَه..
- وقال الفراء ما زال الذِّئْبُ يَخْتاتُ الشاةَ بعد الشاة أَي يَخْتِلها فيَسْرِقُها.
- وفلان يَخْتاتُ حديثَ القوم ويَتَخَوَّتُ إِذا أَخَذَ منه وتَخَطَّفَه.
- وإِنهم يَخْتاتونَ الليلَ أَي يَسِيرون ويَقْطَعُون الطريقَ.
- قال ابن الأَعرابي خاتَ الرجلُ إِذا أَخْلَفَ وعْدَه
- وخاتَ الرجلُ إِذا أَسَنَّ
- أَخَتَّ الرجلُ فهو مُخِتٌّ إِذا انكسر واسْتَحْيا وقد تقدّم والمُخْتَتي نحو المُخِتّ وهو المُتَصاغِرُ المُنْكَسِرُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.