هل السلامندر أرقى من الإنسان؟
كنت أرد دائما على الداروينيين، بأن الترتيب الدارويني
للمخلوقات الحية في سلم التطور من الأبسط إلى الأعقد، هو ترتيب ساذج مبني على
الشكل الخارجي، ويتجاهل التعقيد الداخلي والسمات الفريدة لكل نوع من أنواع
المخلوقات.
فلنأخذ على سبيل المثال دودة القز، التي تخرج من البويضة
وتكبر وتغزل شرنقة من الحرير حول نفسها، وتتحول داخلها إلى فراشة، ثم تخرج لتتزاوج
وتبيض وتموت.. هذا المخلوق يمتلك الشفرة الوراثية لصنع مخلوقين مختلفين، (الدودة
والفراشة)، إضافة للشفرة الوراثية اللازمة للتحويل بينهما وبناء شرنقة لحماية
عملية التحول.. هذه تقنية معقدة جدا، ربما تكون أعقد حتى من الثدييات.
نفس الحال في البرمائيات، التي تخرج من البويضات فتعيش
في الماء وتبدو كالأسماك في شكلها وأعضاء السباحة والتنفس بالخياشيم، ثم تتحول إلى
مخلوق بري آخر يتنفس بالرئة ويعيش على البر.. ليس هذا فقط، بل إن هذا المخلوق من
ذوات الدم البارد، يلجأ إلى البيات الشتوي، بدفن نفسه تحت الطين في منطقة رطبة
وإيقاف عملياته الحيوية إلى ما يقارب الصفر.. وحين يخرج من بياته في الصيف، يتزواج
ويضع بويضاته في الماء وتكتمل الدورة.. هذا التعقيد في الوظيفة، يقابله بالضرورة
شفرة وراثية معقدة، تقوم بصنع مخلوق مائي ومخلوق بري، مع وجود الشفرة اللازمة
للتحويل بينهما، إضافة إلى الشفرة التي تمكّن المخلوق البري من البيات الشتوي.
نفس الحال في بعض الزواحف التي تنمو أطرافها بعد بترها،
مثل السلاماندر.. كل سلارمندر يولد وهو يعرف أنه يمتلك هذه الخاصية، لهذا إذا
أمسكه مفترس من ذيله أو قدمه، فإنه يقطعها في الحال ليهرب، وينتظر أن تنمو له
غيرها!
هذه التقنية المتطورة يعكف العلماء منذ سنين على البحث
عن وسيلة لهندستها وراثيا في الإنسان، لتساعد المعوقين ومصابي الحروب على إعادة نمو
أطرافهم!
ويمكنني أن أتكلم بنفس هذه الطريقة عن كل نوع من أنواع
المخلوقات الحية، الذي خلقه الله سبحانه وتعالى فريدا متميزا يمتلك قدرات تدهش
الإنسان وتبهره، لدرجة أن الله سبحانه حينما أراد أن يعطي للإنسان دليللا على
وجوده، طلب منه أن يتأمل في مخلوقاته.. فهل يظن عاقل أن تكون المخلوقات الأدنى
تطورا دليلا للمخلوق الأكثر تطورا على وجود خالق؟
بل الحقيقة أن كل مخلوق معجزة في نفسه، كالطيور مثلا،
فمعجزة طيرانها خلبت لب الإنسان وألهبت خياله، ودفعته لمحاكاتها فقي النهاية بصنع
الطائرات.. بل حتى البكتريا هي مثال على تقنية النانو، فهذا مخلوق يؤدي كل وظائفه
بخلية واحدة فقط، ونسله قادر على الاستمرار في الحياة لملايين السنين رغم كل
الظروف.. والأكثر إبداعا الفيروس، الذي لا يستطيع التكاثر بنفسه، فيتطفل على خلايا
المخلوقات الأخرى ليجبرها على نسخ مادته الوراثية.. هذا المخلوق هو أبسط صورة
للحياة، ويكون متحوصلا كالجماد خارج الخلايا الحية التي يتطفل عليها.. لكن لا أحد
يجرؤ على القول على أنه أول شكل يظهر من أشكال الحياة، لأنه بدون عائل حي آخر قادر
على التكاثر، سيكون عاجزا عن التكاثر بنفسه!
لكل هذا أنا ضد تسمية أي مخلوق بأنه مخلوق
"بدائي" أو أدنى تطورا أو أقل رقيّا.. كل خلق الله فيه إبداع مذهل، وهو
معجز بذاته.. لهذا سمى الله سبحانه وتعالى نفسه بديع السماوات والأرض.
والآن، لو أعدنا ترتيب سلم تطور المخلوقات الحية بناء
على تعقيد مادتها الوراثية، فسنحصل على نتائج مدهشة، توضح أن هناك مخلوقات أقدم من
حيث ظهورها على الأرض، تمتلك شفرة وراثية أعقد بكثير من مخلوقات تالية لها في
الترتيب الزمني، وهذا لا يمكن حدوثه إلا إذا كان كل نوع من المخلوقات الحية قد خلق
خلقا مستقلا بتصمم واع متعمد.
الفقرة التالية من كتاب: "العصر الجينومي، سلسلة
عالم المعرفة"، وكلمة موروثة فيها هي ترجمة كلمة جين: