نقد الليبرالية
كتاب نقد الليبرالية للكاتب المغربي الطيب بوعزة.. من أفضل الكتب التي تتكلم عن الليبرالية:
والنتيجة التي يسعى الكتاب إلى التأسيس لها، هي أنه من صميم نزوعنا نحو مثال الحرية، أن نقول اليوم: لا بد من تحرير الإنسان من الليبرالية!
وإليكم هذا التلخيص الجيد لهذا الكتاب الصعب على غير المتخصصين، والذي قام بعمله أحد الإخوة الأفاضل مشكورا.. يقول:
هذا كتاب مهم جداً أحببتُ أن أعرض أفكاره الرئيسية على جمهرة القراء إغراء لهم بقراءته، والكتاب من منشورات المنتدى الإسلامي بلندن عام 1430 هـ ويقع في مئة وتسعين صفحة، كتبه الدكتور المغربي: الطيب بو عزة.
العرض:
(1) غرض الكتاب:
يتمثل دافع المؤلف لتأليف كتابه هذا في السعي إلى نقد سياسة دعاة الليبرالية في تقديم الليبرالية للناس على أنها الأنموذج الوحيد لتسيير الشأن السياسي والمجتمعي، وأنها هي التحقق الخارجي الكامل لمثال الحرية، وأنها هي النموذج الذي انتهى عنده تاريخ الأيدولوجية، وهو نقد يلخصه المؤلف كرافض لدعوى إمكان تحقق المثل في مذهب بشري في قوله: لابد من تحرير الإنسان من الليبرالية.
دراسة الليبرالية كمفهوم وكظاهرة اجتماعية وكتاريخ وتطور وصيرورة في مستوياتها السياسية والاجتماعية والأخلاقية وتحققها في العالم العربي، هي منهج ومحاور هذا الكتاب، الموصلة لجواب السؤال المهم: هل هناك بديل لليبرالية أم أنها نهاية التاريخ؟
(3) دلالة مفهوم الليبرالية:
الليبرالية هي فلسفة/فلسفات اقتصادية وسياسية، ترتكز على أولوية الفرد بوصفه كائناً حراً في ممارساته السياسية والاعتقادية والاقتصادية (وفق قانون السوق)، تلك هي المقاربة الدلالية اللغوية الممكنة للفظ الليبرالية، إلا أن الاقتصار عليها يوقعنا في بئر الاختزالية والتعميم غير المنضبط؛ فالمقاربة المعجمية لا تغني شيئاً في نظر المؤلف؛ إذ الليبرالية لا تعيش بين صفحات القاموس، بل هي نظرية فلسفية تخطت أرض الورق إلى أرض الواقع، فاستوت تاريخاً ونمطاً مجتمعياً، لا بد من مقاربة دلالته من خلال بحث نشأته وصيرورته، بما يكشف لنا وجوب الفصل بين المثال (الحرية) وبين ادعاء الليبرالية لهذا المثال، ومحاولتها جذبه لها، وشرط نشأة الليبرالية كمواكبة لمحاولة تحرير الأقنان للانتقال من الزراعة للصناعة تؤكد أنها ليست الحرية المثال، وإنما هي فقط بحث طرائق جديدة للاستغلال القنائي المناسب للثورة الصناعية، بما ينزع عنها وهم التقريظ الذي يخلعه عليها المولعون بالشعاراتية في تعريف الليبرالية.
(4) النظرية السياسية الليبرالية:
يثير المؤلف دهشة قارئه حين ينظّر لكون ميكيافيللي هو المؤسس لأولى معالم النظرية السياسية الليبرالية، بما يبدو متعارضاً مع الشائع من تقرير هذا الفيلسوف للاستبداد السياسي، ويستند المؤلف إلى حقيقة نزع الأخلاق عن السياسة البادية في فلسفة ميكيافيلي، ثم يناقش المؤلف فكرة الاستبداد السياسي، وأن الجمع بينها وبين نصوص أخرى تدل على تقرير ميكيافيلي لمبدأ الحرية السياسية لا يكون إلا بفرض نظرية المرحلية، بحيث يكون الاستبداد مرحلة لتوحيد الإمارات الإيطالية، ثم تكون الحرية، وبهذا يظهر – في نظر المؤلف- الموقع الفريد لميكيافيلي في النظرية السياسية الليبرالية.
ثم يعرض المؤلف لأثر جون لوك من خلال كتابه (مقالتان في المجتمع المدني)، فبعد إطلالة سريعة على تناقض سلوكه كتاجر للرقيق مع ليبراليته، يعرض المؤلف بعدها لمعالم نظريته السياسية وتجلي النظرية الليبرالية فيها ومبدأ إرادة الأكثر، والنظرة الذرية المجتمعية بإعلاء قيمة الفرد، وأثر كل ذلك على البيئة السياسية الأمريكية والفرنسية.
ثم يعرض لمنتسكيو ونظريته الفلسفية السياسية في كتابه: (روح القوانين)، وبالتحديد مبدأ فصل السلطات؛ لينتهي لضبط أهم معالم النظرية السياسية الليبرالية وهي (الفصل بين السياسي والأخلاقي-الرؤية الذرية للوجود الاجتماعي- النزوع نحو تحرير الفرد المالك بالمدلول الاقتصادي).
(5) النظرية الاقتصادية الليبرالية:
في سبيل التدليل على الأساس الفلسفي للنظرية الاقتصادية الليبرالية والمتمثل في رؤيتها المادية للكائن الإنساني الساعية إلى تشييئه وتسليعه (أي التعامل معه كشيء وسلعة)، مختزلة الإنسان وجاعلة منه مجرد حيوان اقتصادي، يبدأ المؤلف باستعراض هذا التعريف الليبرالي المختزل للإنسان في صيغه القديمة، مشيراً للمقارنة بين النظرة الغربية للإنسان المادي في رواية (روبنسون كروزو) لدانييل ديفو، وبين الرؤية الشرقية للإنسان الباحث عن المتعالي في (حي بن يقظان)، ثم يستعرض الشرط الاقتصادي المجتمعي لنشأة النظرية الليبرالية الاقتصادية، مستعرضاً الرؤية الفيزيو قراطية المشدودة إلى الإنتاج الزراعي، ثم نقدها ونقد المركا نتيلية الصناعية التجارية على يد آدم سميث المحارب لأي تقييد لحرية الفرد الاقتصادية، ثم النظرية الاقتصادية لريكاردو، ثم الختام بقمة التشييء للإنسان على يد مالتوس، الداعي في بعض محاور نظريته إلى وقف الإعانة في فترات المجاعات؛ مساهمة في تقليل عدد السكان، ليتحول الإنسان على يد النظرية الاقتصادية الليبرالية في تبدياتها المختلفة إلى مجرد آلة حاسبة لا تشعر بشيء سوى بجيبها وحافظة نقودها.
(6) الليبرالية الجديدة:
غالباً ما تكون المراجعات النقدية للنظم السياسية والاقتصادية في أعقاب أزمات ظهرت من خلال التطبيق، وفقاً لهذا المبدأ يؤرخ المؤلف لنشأة النيو ليبرالزم عقب الأزمة الاقتصادية في بداية السبعينات، في محاولة لاستعادة الليبرالية بصورة معدلة من خلال بيان أوجه القصور في نظرية جون كينز، التي ضيقت آفاق الليبرالية عقب الأزمة الاقتصادية والكساد في بداية الثلاثينيات، وخلال عشرين عاماً عملت الرؤية النيوليبرالية على التغلغل في المنظمات الاقتصادية الدولية حتى أتى سقوط الاتحاد السوفيتي، فتم الحديث عن إطار علائقي جديد يسود الواقع الدولي، يتسم بانفتاح الأسواق وزوال الحواجز الجمركية أمام تناقل السلع، فيما اصطلح على تسميته بالعولمة، والدفع بالنيو ليبرالية لتكون هي المرجعية النظرية والفلسفية للعولمة، مرتكزة على أصول ثلاث مدارس اقتصادية في أواخر القرن التاسع عشر، تعلي شأن المنفعة في تحديد القيمة، منتهجة الأسلوب الحدي في التحليل الاقتصادي، في نزوع إلى التجريد والصياغة الرياضية، في مقاربات شديدة الصلة بمصلحة رأس المال، وتحريره من كل قيد بما في ذلك قيود الدولة وقيود القيم، ثم إشارة من المؤلف إلى التناقض الفاضح بين الدعوة إلى حرية تناقل السلع ورفض حرية تناقل الأيدي العاملة.
وخلاصة ذلك: أنه لا جديد في هذه الليبرالية الجديدة سوى مزيد من إطلاق الأسس التي قامت عليها الليبرالية الكلاسيكية، مع مزيد من توحش العبارات الطاحنة للمادة والإنسان على حد سواء من أجل نفخ حافظة النقود في عولمة ذات اتجاه واحد، يسعى لتشميل النموذج الليبرالي الغربي في كوجيتو جديد: أنا أستهلك إذاً أنا موجود.
(7) الليبرالية والحرية:
عرض المؤلف لنشأة مفهوم الحرية في مدلولها القديم المعبر عن حرية البلدان والمجتمعات من الاحتلال، ثم الحرية العقلية والسياسية، وصولاً إلى ليبرالية القرن التاسع عشر، حيث يتغير مفهوم الحرية، فأصبحت لا تعني سوى حرية الفرد المالك، ويستمر هذا المفهوم حتى نراه ينعكس على مفهوم الديمقراطية عند النيوليبرالي روبير نوزيك، حيث ينتهي إلى أن النظام الديمقراطي يضطر: (كل فرد بالغ إلى أن يبيع نفسه ويصبح مساهماً)، ومن ثم تصبح الديمقراطية حسب تعريفه: (امتلاك الشعب بالشعب من أجل الشعب) في اختزال واضح لحرية الإنسان، بوصفه كائناً مالكاً اقتصادياً، حتى ينتهي الأمر إلى النظر للفرد ليس بوصفه مالكاً بل بوصفه شيئاً مباعاً وقطعة يلوكها الترس الاقتصادي، في ابتذال واضح لمفهوم الحرية، واختزال له إلى مجرد دال على حرية القوة الاقتصادية ليس غير، مما يسقط تماماً حق الليبرالية في ادعاء حملها لمسؤولية الدفاع عن هذا المفهوم المثال للحرية.
(8) الليبرالية والسؤال الأخلاقي:
الهامشية الواضحة للأخلاق في النسق الليبرالي لا يمكن إنكارها إلا بنوع من المكابرة، وحين يلذ لمنظر ليبرالي كموريس فلامان أن يدافع عن مذهبه بوجود أخلاق ليبرالية، فإنه يجعلها أخلاقاً عملية تتمثل في التأكيد على فعل الادخار واحترام العقود وتحمل المسؤولية بدفع ثمن الإخفاقات ولو كانت بسيطة.. وهذه الأخلاق التي عرضتها في هذه المساحة الوجيزة، تؤكد من حيث الشكل هامشية الأخلاق في النسق الليبرالي.. ثم إن هذه الأخلاق تفتقد للمبدأية الأخلاقية، بل هي أشبه بالعرف التجاري التعاقدي الذي يكفيك في الدلالة عليه ابتذال قيمة المسئولية في دفع الثمن.
ويكاد يكفينا تأمل (بنتام) وما وصل إليه نسقه الأخلاقي الليبرالي من نزع المتعالي عن القيم الأخلاقية، ليظل المبدأ الأخلاقي الوحيد هو مبدأ المنفعة بمدلوله الخاص الفردي، جاعلاً اللذة والآلام معياراً لقياس السلوك الأخلاقي والعملي، قياساً كمياً يعتمد في الحكم على الفعل على مقدار ما فيه من لذة ومدتها وامتدادها وصفائها وقربها، في غرائزية واضحة لا أمل في إشباعها.
(9) الخطاب الليبرالي العربي الكلاسيكي:
عادة ما يجري إرجاع الليبرالية العربية إلى رواد الفكر النهضوي العربي (الطهطاوي، خير الدين التونسي، الأفغاني، محمد عبده، الكواكبي، أديب إسحاق، فرانسيس المراش) والحق أن هذا الجمع يرى المؤلف أنه لا يستقيم عند التحقيق؛ فليس كل من نادى بالحرية وحارب الاستبداد يعد ليبرالياً، والصواب أن كثيراً من المفاهيم الليبرالية تم استحضارها من قبل هؤلاء الرواد ودخلت نسقهم الفكري ليس بوصفها مذهباً أو نسقاً جاهزاً.
والاستثناء إنما يتمثل في أديب إسحاق (1885مـ) وفرانسيس المراش (1874مـ) اللذين يمكن عدهما ليبراليين خالصين.
والمرجعية الإسلامية والحاسة النقدية تجاه الأخلاق الليبرالية هما أكبر دليل على نفي التمذهب بالليبرالية كنسق جاهز عن أولئك الرواد، فهؤلاء الرواد في الحقيقة إنما استثمروا بعض المفاهيم الليبرالية لصالح أهدافهم التي يستندون فيها إلى نفس موروثهم الإسلامي، ولم يستنسخوا بنية الليبرالية في كليتها، ولا يمكننا الحديث عن تمذهب ليبرالي بالمعنى الدقيق قبل أحمد لطفي السيد وطه حسين، فتلك هي لحظة التبدي الحقيقي لليبرالية العربية الكلاسيكية.
(10) الخطاب النيو ليبرالي العربي:
سقوط الاشتراكية العربية في هزيمة 1967مـ، وعدم استطاعة الإسلاميين استثمار صحوتهم على مستوى إقامة دولة أو على المستوى الحركي، وصيرورة أمريكا لتكون القطب الأوحد، جعل الليبرالية –في نظر دعاتها- نسقاً ثقافياً ملزماً يجب أن يعولم ويسود كل المجتمعات بصرف النظر عن خصوصياتها الثقافية، لتبرز أسماء لنخب فكرية وسياسية كأحمد البغدادي وشاكر النابلسي وسيار الجميل وكمال غبريال لتبشر بهذا العهد الجديد، تبشيراً لا يعوزه الضجيج ولكن يعوزه بلا شك الثقل المعرفي والإحاطة الحقة بفلسفتهم التي يبشرون بها.
(11) نقد الخطاب الليبرالي العربي:
لا يتعامل الليبراليون العرب مع الليبرالية على أنها مذهب له نشأة وصيرورة وأزمنة شيوع وأزمنة انزواء، بل يتعاملون معها على أنها كلي متعالي يحمل تجربة القرون السابقة، في ثقة ترى معارض الليبرالية لا يعارضها إلا بغضاً في أمريكا.. أما اللغة الصحافية الخفيفة معرفياً المتهافتة منهجياً فهي سمت ظاهر جداً في الخطاب الليبرالي العربي، تلمسها بوضوح في الخطب الدعائية عن كون الليبرالية هي الداعي للمساواة، وأنها هي وحدها الديمقراطية، وأنها وحدها التي تحرر من الاستبداد، حتى يذهب أحدهم إلى أن الليبرالية وحدها هي سبب استمرار البشرية في العيش إلى اليوم.
(12) هل حقاً لا بديل عن الليبرالية:
الذين يرون في الليبرالية تجسيداً للحلم البشري، وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان، ويعلنون نهاية التاريخ وموت الإيدلوجيات بحضور الليبرالية، أولئك يعبرون ضمنياً –فيما يرى المؤلف- عن استقالة الوعي ونهاية التفكير، فالليبرالية فوق أنها إيدولوجية وليست متعالية، فهي مجرد موضة ذوقية في الفكر والسلوك، يساعدها نفوذ دولي سياسي وعسكري واقتصادي يعمل على تشميلها، وككل موضة يصعب أن تقنع المنتشي بها بإمكانية نقدها فضلاً عن أن تقنعه بفسادها، لكن كل هذا لا يعني أنه لا بديل عنها، ويكفي في بيان هذا: الإشارة للأمثلة السابقة للموضات الفكرية كالاشتراكية مثلاً، والتي يكفي في بيان سطوتها: أنه قد كتب بعض الإسلاميين محاولاً تقريبها للإسلام أو تقريب الإسلام لها (كما يُفعل الآن مع الليبرالية)، واليوم نرى الأصوات التي كانت عالية في الدعوة الاشتراكية وهي أشبه بالتحف التاريخية.
فما يجب أن نعيه: هو أن زمن ذيوع وانتشار موضة فكرية هو بالضبط زمن قلة أو غياب التفكير النقدي لها، والذي يحدث اليوم من دعاة الليبرالية هو ركوب لموجة الدعاية الفجة لا غير، سقوطاً في فعل أمر سياسي (خذوا الليبرالية ولا داعي للتفكير)، وكل ذلك وهم مجرد، فليس ثمة مذهب أو نسق ثقافي بشري يصلح لأن يكون متعالياً تستمد منه القيم والمثل، بل ستظل المذاهب البشرية محاولات استنساخية للمثال تشوهه بأكثر مما تتمثله.
إن قوة الإنسان تكمن في وعيه بنقصه وإدراكه لمحدوديته، فالليبرالية حين تتوهم أنها تحرر الوعي من المقدس هي في حقيقة الأمر تستبدل مقدسات بأخرى، وعلى قدر ما قطعت طريقاً نحو المثل نقدره لها، على قدر ما شوهتها ودهست في طريقها مثلاً أجل وأعظم، وحين حررت الإنسان من سلطة السياسة أسقطته تحت سلطة الاقتصاد، فالليبرالية ليست تحريراً للفرد بل هي طلب للتحرير أخطأ طريق إنجاز مطلوبه، في الوقت الذي يشهد تاريخ التجربة الإسلامية بقدرتها على حل تلك المشكلات التي تعاني الليبرالية حلها.
وإن حل مشكلات واقعنا المجتمعي لا يكون باستنساخ النموذج الليبرالي ولا غيره، وإنما وعينا بطبيعة مجتمعنا وخصائصه لابد أن يدلنا على الطريق الصحيح لحل تلك المشكلات من غير استيراد مثقل بالأدران.
التقييم:
(1) في الكتاب نفس نقدي ظاهر، واستعداد جيد لتجاوز التقريرات المسبقة، وجرأة على طلب آفاق جديدة في البحث والنظر.. ومن أمثلة ذلك: بحث المؤلف لعلاقة ميكيافيلي بالتأسيس للنظريات الليبرالية، ومعارضة المؤلف الواعية لجعل الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده وجيل الرواد من الليبراليين بالمعنى المذهبي، وإشارته المهمة جداً لأثر ما أسماه إخفاق الجهاد الأفغاني في تأسيس الدولة الإسلامية، وإخفاق بعض التجارب الحركية الإسلامية كجبهة الإنقاذ، وعجز الفكر الحركي الإسلامي المعاصر عن إنتاج رؤية مجتمعية واعية بلحظتها ومجتمعها.
(2) ثراء مادة المؤلف من الكتابات الغربية الليبرالية، واطلاعه على هذه المؤلفات غير المترجمة، يعد من جهات التميز الظاهرة التي تجعل من الكتاب حلقة مهمة في الدراسات العربية عن الليبرالية، تميزها وسط دراسات أخرى تعتمد على المراجع الوسيطة والنقل عن الموسوعات العربية والمترجمة.
(3) فجوات كثيرة تظهر في عرض المؤلف لليبرالية كنشأة وتاريخ وصيرورة، وهي جهة المقاربة التي رأى المؤلف أنها الأولى بالتناول، ومع ذلك فلم يوفها حقها.. ومن أمثلة هذه الفجوات:
- علاقة الثورات الإنجليزية والفرنسية والأمريكية بالليبرالية
- أثر فلسفة هوبز على الليبرالية
- الفروق بين التناول الليبرالي لمفاهيم الحرية والفردية بين الليبرالية الإنجليزية والفرنسية
- العرض المبتسر جداً لحقبة الليبرالية الاجتماعية الكنزية التي سبقت النيو ليبرالية، وهو عرض مبتسر إلى حد أنه يكاد يكون ضمنياً وليس مقصوداً، بالإضافة لعدم عرض المؤلف لليبرالية الاجتماعية التي يمثلها تيار الطريق الثالث.
(4) تقصير ظاهر من المؤلف في عرض الأسس والمرتكزات الفكرية لليبرالية كالفردية، والمساواة، والعقلانية، واقتصاره على بحث المفهوم الأساس (الحرية)، ومع ذلك فقد قصر في تناول جميع أبعاد مشكلة الحرية عند التيارات الليبرالية، والفروق بين الحرية السلبية (عدم القسر) والحرية الإيجابية.
(5) ضعف مستوى التناول في فصل الخطاب الليبرالي العربي مقارنة بالفصول السابقة، ونقص ظاهر في استقراء وعرض معالم هذا الخطاب.
(6) لم يعقد المؤلف فصلاً لنشأة الليبرالية العربية، ولا أستطيع إلزامه بهذا، إلا أن إلمامة سريعة كانت مهمة كمقدمة لفصل (الخطاب الليبرالي العربي).
(7) رفض المؤلف القول بأن طبقة الرواد كالطهطاوي والتونسي والأفغاني كانوا ليبراليين بالمعنى المذهبي، ولكنه لم يحلل هذا القول تحليلاً وافياً، خاصة وأن حجته لهذا القول والتي ركزت على البناء الإسلامي للمفاهيم الليبرالية التي عرضها أولئك، يمكن حملها على إرادة التوفيق بين المذهب والإسلام.
(8) لم يُشر المؤلف إشارة وافية لما يعتقد أنه هو البداية الحقيقية لليبرالية بالمعنى المذهبي عند العرب.
(9) إجابة سؤال البحث لم تكن وافية، وعرض المؤلف للإسلام كبديل أو كأصل لا يحتاج لاستبدال جاء على استحياء شديد، حتى خشيتُ أنا أن أكون قد قولته ما لم يقل في فهمي لذكره للتجربة الإسلامية التاريخية، ولا شك أن هذا الاختصار المخل في جواب سؤال البحث يضعف البحث.
(10) وختاماً: فالكتاب من الحلقات المهمة جداً في الدراسات الليبرالية ولا يزال له موقعه المهم، وله نقاط تميزه الفريدة، رغم صدور دراسات أوسع وأشمل، ولكن أرجو لقارئه أن يقدم له ببعض القراءات الممهدة؛ لأن الكتاب يخاطب من لديه قاعدة معرفية بالليبرالية ولا يخاطب القارئ العادي، الذي لن ينتفع بالكتاب انتفاعاً تاماً إلا إن مهد له بقراءة كتاب يعرض لليبرالية بصورة وصفية أسهل لغة وأشمل عرضاً.
كتاب نقد الليبرالية للكاتب المغربي الطيب بوعزة.. من أفضل الكتب التي تتكلم عن الليبرالية:
ردحذفhttp://kabah.info/uploaders/norh/lbr2.pdf
والنتيجة التي يسعى الكتاب إلى التأسيس لها، هي أنه من صميم نزوعنا نحو مثال الحرية، أن نقول اليوم: لا بد من تحرير الإنسان من الليبرالية!
وإليكم هذا التلخيص الجيد لهذا الكتاب الصعب على غير المتخصصين، والذي قام بعمله أحد الإخوة الأفاضل مشكورا