ستعْرفُ أنّني حبُّك

ستعْرفُ أنّني حبُّك

 

وعُدْتَ تُمَزِّقُ الأوتارَ تُلْقي عُودَنا ضَجِرَا
أرى حُلْمَ احْتواءِ سَمَايَ في عينيكَ مُنْتَحِرَا
كأنَّ ملامحي قبْرٌ تَشَقّـقَ لمْ تَعُدْ قَمَرَا
كأنّي قصَّةٌ مَمْجُوجَةٌ وزمانُها غَبَرَا
أرى زَفَراتِكَ السّوداءَ حَوْلي تَخْنُقُ العُمُرَا
تَدورُ، وتَصْدِمُ الجُدْرانَ، تَعْوي، تَنْتوي خَطَرَا
تَكَلَّمْ .. قُلْ .. تَفَجَّرْ .. عِثْ خَرابًا .. ذُمَّ مُقْتَدِرَا
دَعِ الكَلِماتِ تَقْفِزُ مِن ثَناياكَ، ارْمِها حَجَرَا
أَتَرْفُقُ بي ؟ .. ومُنْذُ متى ؟ .. أَليسَ تَمَزُّقي قَدَرَا؟
تَكَلَّمْ.. قُلْ.. كلامُكَ لنْ يُضيرَ فَصمْتُكَ انْفَجَرَا
لماذا تُحْجِمُ؟ اطْعنّي.. أنا هَدْأى، وأنْتَ تَرَى

*****

وتَصْمتُ لحْظةً، وأراكَ كلُّ عذابِكَ احْتَشَدَا
تُخِيرُ ضميرَكَ الحَـيْرانَ، ثُمَّ تَهُبُّ مُنْتَقِدَا
"أنا أنْـ... أنْضوي في... في قواقعِ بَرْدِكِ المُتَدَا..."
"... تَدَاعي فوقَ جُذْوَةِ فوْرَتي، واغْتالَها أَمَدَا"
"قُتِلْتُ.. مَلَلْتُ نبضَ هَوَاكِ.. أَمْقُتُ حُبَّنا رَكَدَا"
"سَئِمْتُكِ تُهْرِقينَ جِرَارَكِ المَلْأَى صَفًا بَدَدَا"
"تُسَمِّينَ الهَوَى ذِكْرَى رمادٍ والشَّقا رَغَدَا"
"أُريدُ عواصفَ الإحْساسِ تَمْنَحُ مُهْجَتي مَدَدَا"
"أُريدُ عَصِيَّةً، في صَمْتِها تغْريبتي ومَدَى"
"تُجَنِّنُني، فَأَرْشُقُ مُهْجَتي في سَهْمِها أَبَدَا"

*****

"فَفي غَفْوي بِبِرْكَتِنا تَهَرَّأَ قارِبي الوَرَقي"
"أُريدُ تلاطُمَ الأمْواجِ في العيْنينِ والأُفُقِ"
"مُغامِرَةً تُجازِفُ بي، ولو حتّى إلى غَرَقي"
"مَلَلْتُ رَتابَةَ الأيّامِ، دُنْيا العَقْلِ والقَلَقِ"
"حَديثَ الأُرْزِ والتّدْبيرِ والفُسْتانِ والعَبَقِ"
"سَئِمْتُ وَداعةَ الأحْلامِ، فُكِّي الرُّوحَ أَنْطَلِقِ"
"أنا جِنِّيُّ قُمْقُمِ حُبِّكِ الوَهمِيِّ، فاحْتَرِقي"

*****

"دَعيني، أُخْرجِ الأنْفاسَ مِنْ صدْري إلى النُّورِ"
"كَرِهْتُ ذُبولَ نَبْـتَةِ مُهْجتي في أَرْضِكِ البُورِ"
"غَباءٌ أمدحُ الأنْوارَ حينَ يَجورُ دَيْجوري"
"فُؤادي شاخِصُ النّبَضاتِ خَلْفَ قَتامَةِ السُّورِ"
"أنا هَيْمانُ، في دُنْيا غِناءِ مواكبِ الحُورِ"
"حَزَمْتُ حقائبي، إنّي سأرْحلُ، فاهْدِري فُوري"
"أَريقي دَمْعَكِ المِدْرارَ، ضِجِّي واعْصِفي، مُوري"
"سَيَقْصِفُني تَماسُكُ وَجْهِكِ المَشْروخِ، عِي، ثُوري"
"كَرِهْتُ بعينِكِ الإشْفاقَ يَكْسِرُ نَبْضَ بِلُّوري"
"وَدَاعًا، فَالْعَني قلبي، سأرْحلُ قاصدًا نُوري"

***** ***** *****

وتَصْمُتُ هانئًا، وأنا أَسَىً مَصْلوبةٌ ودَمَا
وتَشْمَخُ ـ واللّهيبُ يَعيثُ في عينيكَ ـ مُبْتَسمَا
وتَمْلأُ صدْرَكَ النّشْوانَ بالأنْفاسِ مُعْتَزِما
تَسيرُ، وتَرْكلُ الأحْلامَ، تَتْركُ حبّنَا عَدَمَا
أُتابعُ ظلَّكَ المَغْرورَ، أُعْطي نَزْفَنا رَقَمَا

*****

فَأَخْبرني إذا لاقَيْتَ في آهاتِنا وَطَنَا
وذُقْتَ مباهجَ التّرحالِ، واسْتمْرَأْتَ لَوْعَتَنَا
تُراكَ وصَلْتَ أرضَ الغِيدِ في بَيْداءِ فُرْقَتِنا؟
تُراكَ وَجَدْتَ مَنْ تُعْطيكَ مِثْلَ قَطوفِ بَهْجَتِنا؟

*****

سَتَنْبُشُ عينُكَ الطُّرُقاتِ والأحْلامَ والنّجْوى
شَريدًا في ضَجيجِ الوهْمِ، مُشْتاقًا لِما تَهْوَى
تَؤُمُّ فنادقَ الآهاتِ، تُضْني البحْثَ عنْ سَلْوى
فأنْتَ كَميِّتٍ مِنْ جوعِه وبِكفِّهِ الحَلْوَى!

*****

فَسِرْ ما شِئْتَ فوقَ الشّوكِ والأيّامِ مُرْتاحا
وأقْنِعْ عقْلَكَ الحَيْرانَ أنَّ الوَهْمَ قدْ لاحا
تَذَوَّقْ حَنْظلَ البُلْدانِ أَهْرِقْ راحَ ما راحَا
تَطَوَّحْ في قُلوبِ الغِيدِ، وَاقْفُ الحُسْنَ ما فاحا

*****

فَسوف تَجيئُني يَوْمًا، ويبْدو الهَمُّ في حالِكْ
عليكَ ملامِحُ الإعْياءِ مِنْ وَعْـثاءِ تِرْحالِكْ
فَتُغْشي مُهْجَتي عَيْنيكَ بينَ ظلامِكَ الحالِكْ
وتَرْحَمُ بَسْمَتي نَجْواكَ مِنْ أَثْقالِ أَوْحالِكْ
ويَهْمِسُ حُبُّنا الحَيْرانُ: ما بالبُعْدِ أوْحى لكْ؟
أكانِ هُناكَ ما أقْصاكَ عَنْ حَلْواكَ أو حَالَكْ؟

*****

تَقولُ: "نَدِمْتُ يا عُمْري وجِئْتُ إليكِ لَهْفانا"
"مَلَلْتُ مَتَاعِبَ التِّرْحالِ ـ إلا بينَ نَجْوانا"
"سَأَعْشَقُ غَفْوَ بِرْكَتِنا، فَتُبْحِرُ فيه دُنيانا"
"وأرْسِمُ مِنْ وَداعةِ حُسْنِكِ المُنْداحِ بُسْتانا"
"هُراءٌ كلُّ ما قُلْتُ، اصْفحي عنّي اصْفحي الآنا"
"أَعيديني لعيْنيكِ، اعْزِفي للرُّوحِ أَلْحانا"

*****

وأصْفحُ عنْكَ يا عُمْري ... وسوفَ تَعودُ لِلْبُعْدِ
فَتَرْحلُ مَرَّةً أُخْرى، لتَأتِىَ باكيًا عِنْدي
تَتوهُ وتُنْكِرُ الذّكْرَى، وتَخْتِمُ قِصَّتي وَحْدي
وتَعْرفُ أنّني الدّنيا وأنَّ الرُّوحَ في وَجْدي
وأنَّكَ في الهَوَى طفْلٌ يَرومَ الأَمْنَ في خُلْدي

محمد حمدي غانم ـ 1997