البرادعي غطاء
الإرهاب
أرسلت
مقالي "سيد
قطب العلمانيين" إلى د. أحمد خالد توفيق، فرد عليّ قائلا:
"بصرف
النظر عن خلافنا الأيديولوجي الدائم حول عبد الناصر، فهذا الخطاب تحفة فنية.. ككل
خطاباتك في الواقع .. حذفت اسمك وعنوانك وأرسلته لدستة من رفاقي الأدباء باعتباره
خطابا وصلني من قارئ .. انبهار عام بقوة الأسلوب .. مذهل"
وقد
رددت عليه قائلا:
جزاك
الله خيرا د. أحمد..
شهادة
تقدير من أستاذ لتلميذه لا تقدر بمال..
وإن
كان عليّ أن أعترف أني ترددت في إرسال هذا المقال لك، ليس بسبب خلافاتنا، ولكن
لأني أصبت بإحباط شديد من آخر مقالين لك.
أولهما......
(هذا الجزء نشرته بالفعل في مقال قص
ولصق)
وعلى
فكرة: "سيد قطب العلمانيين" من وجهة نظري هو البرادعي عن جدارة، فهو
يعطي نفس الغطاء الفكري الذي يجعل المخربين يدمرون ويقتلون وهم مرتاحو الضمير، فهم
يحاربون من أجل المدنية والحرية ويخرقون القانون من أجل دولة القانون!
المقال
الثاني: هو الذي طالبتَ في نهايته بإعادة انتخابات الرئاسة، وهذا انقلاب على
الديمقراطية سيهدم ما بقي من الدولة في مصر، لأننا منذ الثورة ذهبنا إلى الصندوق
خمس مرات، ولا مرة فيها اعترف "المدنيون الديمقراطيون" بنتيجة الصندوق،
وهذا هو الطريق السريع إلى حل الخلافات الفكرية والسياسية بالسلاح.. ولو ذهبنا
الآن إلى الصندوق، فسنرسخ مبدأ: الرئيس الذي لا يعجبك أسقطه، وهو المبدأ الذي عبر
عنه أحد الشباب مبكرا قبل شهور من انتخابات الرئاسة، حينما رفع لافتة "يسقط
الرئيس القادم" بغض النظر عمن هو!
إضافة
إلى أن الصندوق قد يأتي لنا بالشاطر أو حازم أبو إسماعيل أو حتى أحمد شفيق، وهو ما
يجعلنا نتوقع رفض النتيجة والاستمرار في نفس الدائرة.
ولكن
ماذا لو أتى بحمدين أو البرادعي؟.. هل سيرضى الإسلاميون بالنتيجة؟
في
الحقيقة لا مشكلة، لأن الدستور الجديد نسف منصب الرئاسة، والصلاحيات فيه موزعة بين
الرئيس ورئيس الوزراء والمجالس النيابية، والإخوان تعمدوا هذا حتى لا يكون من
السهل على أي مستبد أن يعيد توجيه الدولة لقمع الآخرين. (بالمناسبة، لو شكل
الإخوان الحكومة القادمة، وجاء على رأسها الشاطر، فسيكون الرئيس الفعلي لمصر طبقا
للدستور الجديد، بينما مرسي سيتولى الشئون الخارجية، وبعض التوجيهات العامة
للحكومة)
ولكن
المشكلة ستبدأ حينما يحاول البرادعي أو حمدين إسقاط الدستور أو تفريغه من مضمونه
(وهي دعوة مرفوعة الآن فعلا، لأن هذا الدستور يقضى تماما على حلم عودة ريما
القديمة لنظام الحكم العسكري القمعي المتحصن بطبقة العلمانيين)، ومن ثم سيحاول
حمدين أو البرادعي إعادة بناء دولة الاستبداد، واستخدام عنف الجيش والشرطة وأمن
الدولة ضد المعارضين الإسلاميين.. والنتيجة التي أتوقعها هي نفس ما توقعه هيكل:
ثورة إسلامية شاملة، سينقسم فيها الجيش بنفس نسبة انقسام المجتمع، لأن أفراد الجيش
هم أبناء هذا المجتمع.
فلماذا
نُدخل أنفسنا في هذه المتاهة؟
إذا
أراد أحد التغيير، فلدينا في هذا العام وحده انتخابات مجلس النواب (الذي يتحكم في
تشكيل الحكومة المستقلة تقريبا عن الرئيس)، وانتخابات المحليات، وانتخابات مجلس
الشورى (الذي يضع رؤساء المجالس المتخصصة والرقابية).. كما سيتشكل المجلس
الاقتصادي والاجتماعي من أعضاء النقابات، وهو ما يجعل المنافسة في انتخابات
النقابات مهمة أيضا في التشريع.
ولا
تنس أن الدستور جعل مواعيد الانتخابات متفاوتة: التجديد النصفي لمجلس الشورى كل 3
سنوات، انتخابات الرئاسة كل 4 سنوات، انتخابات مجلس النواب كل 5 سنوات.. وهذا
التفاوت سيجعل الشعب يذهب للصناديق كل عام لانتخاب إحدى هذه المؤسسات.. أي أن معدل
تصحيح الديمقراطية لنفسها سريع جدا، ولن يستقر حزب في منصبه بدون إنجازات حقيقية..
فلماذا يتركون كل هذه الأبواب المفتوحة للتغيير السلمي والتنافس المشروع على خدمة
شعب مصر، ويصرون على فتح أبواب الجحيم علينا؟
والسؤال
الأهم هو: إذا عجزت كل الأحزاب العلمانية الموجودة على الساحة أن تنافس في كل هذه
الانتخابات، وفشلت في إقناع المواطن بالذهاب إلى الصندوق لوضع صوته لها، فكيف
ستقنعه بالنزول إلى الشوارع للموت من أجلها لإسقاط النظام والقضاء على ملايين
الإخوان والسلفيين؟
طبعا
الإجابة واضحة:
نستدرج
السلفيين والإخوان إلى عنف فوضوي في الشوارع، لنجعل الشعب المصري ينادي الجيش لحسم
الأمور!
فإن
لم ينجر الإسلاميون إلى هذا، نخرب البلد ونشعل الفتن ونهاجم الفنادق السياحية
ونخرب الاقتصاد ونحرج مصر أمام العالم بمهاجمة قصر الرئاسة، بحيث لا تجد الحكومة
فرصة للعمل على حل أي مشاكل، ويوما بعد يوم سنجد باقي المحافظات مثل بورسعيد تطالب
بإسقاط مرسي الذي لا علاقة له أصلا بمذبحة بورسعيد ولا بالحكم الذي أطلقه القاضي
فيها، ولا يمكن أن يسمح هو ولا أي رئيس وطني مكانه للناس باقتحام السجون وإطلاق
المجرمين ليعتدوا على أطفالنا ونسائنا.
بالمناسبة:
بيني وبين بورسعيد بحيرة المنزلة، ولم تسلم بلدتي الصغيرة من بلطجة المجرمين
الموجودين في أوكارهم حول بحيرة المنزلة، ولي صديق اختُطفت بنته الصغيرة ودفع
عشرات الآلاف لافتدائها.. لهذا ليست لدي ذرة تعاطف واحدة مع من قُتلوا أمام سجن
بورسعيد.. وإلى الآن أتمنى بدء التحقيق في جريمة فتح السجون أيام الثورة، لأن هذه
جريمة خيانة عظمى تستوجب قطع رأس كل من أمر بها أو شارك في تنفيذها، فلا يوجد
قانون في العالم يبرئ مجندا أو شرطيا يفتح السجون ليطلق المجرمين على شعبه، إلا لو
صدرت إليه أوامر رسمية مكتوبة بإطلاق سراحهم بطريقة قانونية، وهنا يتحمل صاحب هذه
الأوامر مسئوليتها، ولا أظن أن هذا حدث.
اعذرني
على هذا الإسهاب د. أحمد.. اعتبره عتاب محب، رأي في مقالاتك الأخيرة ما يخشى من
نتائجه على أولادك وأهلك.
تحياتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.