المتابعون للمدونة

الجمعة، 25 فبراير 2022

فخ أوكرانيا

 وسقط الدب الروسي في فخ أوكرانيا!!


من وجهة نظري، لم تتخلّ أمريكا وأوروبا عن أوكرانيا، لأنهم كانوا يستخدمونها من البداية كطعم لإسقاط روسيا في فخ لا يمكن تفاديه:

-      فإما أن تسكت روسيا وتترك أوكرانيا تنضم لحلف الناتو لتصير صواريخ الناتو على حدود روسيا.

-      وإما أن تجد روسيا نفسها مجبرة على احتلال أوكرانيا، حيث يصورها الإعلام العالمي كله وهي تعتدي وترتكب جرائم حرب وتُسقط حكومة منتخبة ديمقراطيا، مع أن روسيا لن ترتكب في أوكرانيا 1 في الألف من المجازر التي ارتكبتها في سوريا والتي أغمض الإعلام العالمي عينيه عنها!

وتتضح الأهداف النهائية للفخ من تصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض الذي سمعته يقول إن العقوبات على روسيا وإخراجها من النظام المصرفي العالمي ومنع تصدير التقنيات المتقدمة إليها ستزيد من التضخم وتقلل من النمو الاقتصادي وتدفع الشعب الروسي للسخط على بوتين ونظامه.. هذا نوع من الحصار الاقتصادي مثل الذي فرض على العراق وانتهى باحتلاله وتدميره!

وأنا لا أنفي هنا أن أمريكا صارت أضعف، فهزيمة أمريكا في العراق وأفغانستان كانت سبب انهيارها اقتصاديا في الأزمة المالية العالمية عام 2008.. وقد أعلن ترامب أن خسائر أمريكيا تجاوزت 8 ترليون دولار بسبب حروبها في العراق وأفغانستان، وهو ما يزيد عن 125 ألف مليار جنيه مصري، وهو ما مبلغ خزعبلي يكفي لهدم مصر وإعادة بنائها كلها بالكامل ولو وزع على سكان مصر لأخذ كل فرد فينا 1.25 مليون جنيه!!

وقد أدت هذه الخسائر الفادحة إلى انهيار المصارف العالمية في 2008 فأدى هذا إلى كل ما حدث من تداعيات من حينها إلى اليوم، وعلى رأسها انهيار الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بسبب الثورات والحروب الأهلية واستعادة روسيا لعافيتها وتعملق الصين اقتصاديا وعسكريا.

والآن بعد فشل أمريكا عسكريا وتأثير ذلك المدمر على اقتصادها، لم يعد من الممكن أن تعيد التوازن باستخدام القوة العسكرية وهذا واضح في انسحابها من أفغانستان وسحب معظم قواتها من الشرق الأوسط.. ولم يعد بإمكانها الآن إلا أن تلعب بآخر ورقة في يدها وأعني هنا سيطرتها على النظام المالي العالمي من خلال الدولار والمصارف العالمية والبنك الدولي وتبعية أوروبا لها مع كثير من دول العالم المستضعفة.

والآن ها هم نجحوا في شيطنة روسيا (أو بمعنى أدق نزعوا عن الشيطان الروسي جناحي الملاك)، والعالم الغربي الآن يتقرب إلى الإنسانية بفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، وستجد الدول العربية والإسلامية نفسها مجبرة على اختيار أحد المعسكرين، حيث ستطلب أمريكا وأوروبا من كل الدول الالتزام بتلك العقوبات، والتوقف عن الاستيراد من روسيا (سيؤذينا هذا في القمح والزيوت وسيرفع أسعار الغاز والبترول)، والتوقف عن الاتفاق مع روسيا على إقامة مشاريع في أراضيها (مثل المفاعلات النووية وغيرها).. وأتوقع أن تواجه الجزائر مشكلة كبيرة بسبب هذا، وأن يزيد الخناق على بشار، وأن يجبر حفتر على طرد جنود شركة فاجنر الروسية وكذلك مالي التي تحاول الآن طرد الجيش الفرنسي واستخدام فاجنر بدلا منه.. ومثل هذا كثير من دول أفريقيا، التي ستشهد المزيد من الانقلابات والثورات والحروب الأهلية المدمرة لإعادة بسط الهيمنة الأمريكية وتقليص النفوذ الروسي.. والهدف من كل هذا هو إيقاف نمو الاقتصاد الروسي، وبالتالي تظل لأمريكا اليد العليا رغم ما لحق باقتصادها وهيبتها العسكرية في السنوات العشرين الماضية.

لكن.. كل هذا ليس الهدف النهائي، وإنما الهدف الأكبر هو تنفيذ نفس المخطط مع الصين.. وكل المطلوب هو أن يجتاح الجيش الصيني تايوان، والصين تتمنى هذا وتستعد له، ولكن إن تأخرت في فعله فستجبرها أمريكا على التعجيل به.. واللعبة سهلة: زيادة تسليح تايوان.. منحها صواريخ تهدد العمق الصيني.. التلويح بإنشاء قواعد عسكرية أمريكية في تايوان.. إلى آخر مثل هذه الاستفزازات التي لا يمكن أن تقبلها أي دولة على حدودها.

فإن ابتلعت الصين الطعم واحتلت تايوان، فسيجبر هذا كل دولنا على إيقاف تصدير النفط والغاز للصين، وإيقاف استيراد البضائع منها... والمحصلة النهائية لكل هذا هو أن اقتصاد أوروبا وأمريكا سينتعش على حساب مص دمائنا، لأن المنتجات الغربية ستكون أغلى بكثير من مثيلتها الصينية (ولكنها أكثر جودة طبعا).. وفوق كل هذا ستشفط أمريكا ثروات استراليا ودول شرق آسيا ودول شرق أوروبا في سباق التسلح الذي دفعتهم إليه بسبب رعبهم من اجتياح الصين وروسيا لأراضيهم!

لكن ربما تخرج تركيا مستفيدة، لأنها قد تكون بديلا أرخص للمنتجات الصينية بالنسبة لدول الشرق الأوسط وأوروبا، كما أن احتياج أوروبا للغاز في ظل التوقف عن استيراد الغاز الروسي، سيجبرها على حل مشاكل غاز شرق المتوسط، وربما يفسر هذا لغز المصالحات المفاجئة التي تحدث مع تركيا مؤخرا، والزيارات المتبادلة بين بعض دول الخليج وتركيا بعد عداء معلن، وتوقف الصراخ المتبادل بين تركيا واليونان منذ عدة شهور بعد أن صدعونا به لسنوات!

ولا يعني هذا بالضرورة أن الغرب سيغض الطرف عن أرودغان.. هو يعني فقط أنهم يحتاجون لتركيا خاصة أنها تمسك رقبة روسيا في مضيف البوسفور ولأهمية حل نزاع غاز المتوسط الآن، لكن بالنسبة لهم تركيا بدون أردوغان أفضل من تركيا في وجود أردوغان، لهذا أتوقع محاولات جادة للتخلص منه في الانتخابات القادمة.

لكن هذه ليست ورطة أردوغان وحده.. هذه ورطة لكل نظم المنطقة التي سيفرض عليها اختيار أحد المعسكرين (أمريكا وأوروبا / الصين وروسيا) وإعادة تخطيط اقتصادها بناء على هذا، وتحمل تبعات الغلاء والسخط الشعبي، ناهيكم عن أن الاستقطاب بين المعسكرين قد يترجم على الأرض في النهاية إلى ثورات وانقلابات ومزيد من الحروب الأهلية كما حدث في حقبة الحرب الباردة.

لكني أتمنى أن تتمتع نظم المنطقة بالذكاء وتطلب من أوروبا وأمريكا توطين الصناعات في أراضيها لتكون المنطقة العربية بديلا للصين في التصدير لأوروبا، لنحل مشاكل البطالة وتستقر النظم السياسية وتجد أوروبا كل ما تحتاجه بأسعار أقل لأن تكاليف الشحن إلى أوروبا من شمال أفريقيا أرخص بكثير من الشحن من الصين، والعمالة هنا متوفرة وليست غالية كأوروبا.

أما تسليم أنفسنا لأحد المعسكرين مجانا في ظل كل ما نعانيه من أزمات واضطرابات، فسيكون انتحارا نهائيا لا شك فيه، يقضي على ما بقي من الأخضر واليابس في بلادنا.

وربنا يستر.

محمد حمدي غانم

25/2/2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر