المتابعون للمدونة

الأربعاء، 13 يناير 2016

النماس


اثنان في واحد (ليس برت بلاس)
(8)


فجأة سمعت ضجة في الخارج تجلجل في الممر:

-      ما هذا.. شياطين.. شياطين.

هززت رأسي في صمت، بينما قال أحمد عزيز ضاحكا:

-      بانج نانج تشونج.. إنه النماس.. أراهن أنه سيجن.

هرعنا إلى الخارج، حيث كان النماس يلتصق بالحائط في رعب، وهو يتهاوى جالسا ويلطم خديه:

-      إنني أهلوس.. إنني أرى محمد ولي اثنين!.. لقد جننت!

ضحك أحمد في قوة (بانج نانج تشونج كما تألفون)، على حين قال محمد ولي الذي لكمتُه في فكه:

-      نماس.. توقف عن مسرحياتك الهزلية هذه.

نظر له الفتى الفرفور بصمت مفاجئ، ارتفع على إثره زئير مرعب، فهتف في ذعر:

-      وأسود أيضا.. ما هذا الجنون؟

أسرعت أجذب يده لينهض قائلا:

-      لا عليك.. إنه مجرد تشبيه بليغ.

عدل منظاره، ورفرف بأذنيه قائلا:

-      ملاحروتك.

-      ماذا؟

-      ملاحراوتك.. رستبتراك.

أسرع أحمد يقول:

-      إنه يتساءل ماذا الذي حدث ويراه أمامه، وكيف يوجد اثنان من محمد ولي؟

تنهدت قائلا:

-  والله يا نماس، هذا أمر احتارت فيه عقول الناس، وقَضّت له مضاجعهم بأشواك هِراس، وعقول تحت الفكر تداس.

انتفض محمد ولي الذي صفعته ناني منشدا بحماس:

-      والدنيا غدارة.. الدنيا غدارة.

وسارع محمد ولي الذي لكمته في فكه يشاركه الغناء والرقص في مرح، فصرخ فيهما النماس:

-      كفى أهصب مزن.

توقفا محبطين، وهمهم محمد ولي الذي صفعته ناني:

-      نعم.. نحن صبيان مزعجان.

التفت لي النماس مواصلا بغضب:

-      وت كتفا.. متنسك يف.

أسرع محمد ولي الذي لكمته في فكه يهتف بهستريا:

-      فهمتها.. فهمتها.. والله العظيم فهمتها.

حاولنا تهدئته وهو لا يتوقف عن الصراخ بهذه الكلمة، حتى رفعت كفي أهم بصفعه، فأمسك محمد ولي الذي صفعته ناني يدي محذرا:

-      إياك.. لن تستطيع التفريق بيننا بعد أن يصير كل منا مصفوعا على خده!

فكرت لحظة فاقتنعت بمنطقية كلامه.. صحيح أن التفريق بينهما ما زال ممكنا، ولكني سأحتاج إلى أن أوضح أن هذا هو محمد ولي الذي صفعته ناني على خده، وذاك محمد ولي الذي لكمته في فكه لأنه صفعني وصفعته على خده لأخرجه من حالة الهستريا.. الأفضل ألا نعقد الأمور أكثر مما هي.

تدخل أحمد عزيز ليسأل محمد ولي الذي لكمتُه في فكه وكنت على وشك صفعه على خده لولا أن منعني محمد ولي الذي صفعته ناني على خده (يا إلهي.. لقد تعقدت الأمور بالفعل وخرجت عن السيطرة!!):

-      ما الذي فهمته يا ....

ونظر لي أحمد مستنجدا، فأكملت له:

-  يا محمد ولي (الذي لكمته في فكه وكنت على وشك صفعه على خده لولا أن منعني محمد ولي الذي صفعته ناني على خده).

أسرع محمد ولي (الذي لكمته في فكه وكنت على وشك صفعه على خده لولا أن منعني محمد ولي الذي صفعته ناني على خده) يجيب:

-      لقد قال النماس بالنص: وأنت كفاك تفيهقا.. مللت من أسلوبك السخيف هذا.

وزفر في ارتياح وهو يمسح عن جبينه عرقا وهميا، فقلت في دهشة مغتاظة:

-      وكيف تفهمون هذا، وقد اختصره بأخذ حرف من كل كلمتين؟

-  بانج نانج تشونج.. إنها الخبرة يا فتى.. لع.. تفرق كثيرا.. ثم إنه النماس كما تعرف.. أبلغ بلغاء المدينة الجامعية.

-      وما جدوى البلاغة بلا فصاحة؟

قال النماس بغضب:

-      وتشكك في نصاحتي أيضا.. ثكأميغنم.

ثم تذكر ما نحن فيه، فأغمض عينيك بقوة، ثم فتحمها وقال بدهشة:

-      ولكنه حلم.

قلت مهددا:

-      هل تريد صفعة على خدك توقظك من هذا الحلم؟

حاول محمد ولي الذي صفعته ناني أن يحذرني من مغبة ذلك، فأسرعت أصيح فيه:

-  حذار.. ستضطرني أن أكتب بعد هذا: محمد النماس (الذي كدت أصفعه على خده ليفيق من حلمه لولا أن منعني محمد ولي الذي صفعته ناني على خده).

أطبق شفتيه وهو يشير بيده موافقا، فتنهدت بارتياح، ونظرت لمحمد النماس (الذي لم أصفعه على خده ليفيق من حلمه، بعد أن منعت محمد ولي الذي صفعته ناني على خده من تحذيري أن أفعل ذلك)، وقلت له بجدية:

-  ماذا أقول لك.. هذا ليس حلما، ولا أحد فينا يملك تفسيرا لوجود اثنين من محمد ولي.

قال عزيز:

-      مستأهل لي أن نؤلف كتابا نسميه: السيرة الذاتية لعودة النذل.

أسرع النماس يكمل له:

-      اثنان في واحد ليس برت بلاس.. أنت تكرر هذه اللازمة كبطمة.

أجهدت ذهني لفك شفرة "كبطمة هذه" حتى استطعت أن أفهم أنها اختزال للتعبير "كثيرا بطريقة مملة".. وكدت أصاب بنفس الحالة الهستيرية التي أصابت محمد ولي الذي لكمته في فكه، لولا أن منعت نفسي بصعوبة!

قال محمد ولي الذي لكمته في فكه:

-  لا بأس.. سنذهب الآن لنواصل لعبنا في هدوء بالأسفل.. حاولوا أنتم أن تتوصلوا إلى الحل.

برقت النجوم في عيني محمد النماس، وهو ينقض عليهما ممسكا بهما من تلابيبهما وهو يهتف:

-      تلعبان؟.. لم يعد هناك وقت للعب.. هذا هو وقت العمل.

بدأ الفأر يلعب في عبي، لكنه سقط في المصيدة التي كنت قد وضعتها له على مدخل العب، فقلت لأحمد عزيز مفسرا:

-      لا ريب أن فكرة دمياطية جنهمية تختمر الآن في رأسه.

قال عزيز وهو يتأمل النماس بطوله الفارع وهو يحمل كل محمد ولي من ياقته في يد، وينصرف بهما:

-      دعه يعمل دعه يمر.

وهي لازمة أخرى شهيرة من لوازمه، تماما مثل فيلسوف المريخ وعودة النذل.

لم يكد النماس يبتعد بصيده الثمين، حتى انفصل باب إحدى الحجرات، متقدما نحونا وهو يقول بصوت جهوري:

-      السلام عليكم.. سمعت ضجة ما هنا وزئير أسد وما شابه.. هل هناك مشكلة؟

أسرع أحمد يقول:

-  لع.. إطلاقا.. كل ما هناك هو اختلاف حول عنوان السيرة الذاتية لعودة النذل.. ما رأيت في اثنين في واحد برت بلاس؟

-      ماذا؟

قالها غطاطي ثم هتف وهو ينظر لأحمد عزيز في دهشة:

-      ما الذي فعل هذا بوجهك؟

قال أحمد وهو يحدجني بنظرة غاضبة:

-      تشبيه بليغ من الأستاذ!

ازدادت حيرة غطاطي، فأوضح عزيز:

-      زنجي حقير غافلني.

وقص عليه القصة كاملة، فزمجر هاتفا:

-      دلني على هذا الكوخ، وسأذهب إليه حالا.

هتفت في جزع:

-      كلا أرجوك.. لا نريد المزيد من المشاكل.

ولكن سبق السيف العزل.. لقد احتجر غطاطي إلى الصمت، وهو لا يدري بحدوث اختلاف جوهري في التشبيه، فقلت بجزع:

-      يا إلهي.. لقد ذهب إلى عرين الصمت.

دوى صوت زئير مرعب في المكان، فوقفنا ملجمين، وأحمد عزيز يجاهد لإزالة اللجام عن فمه بلا جدوى، وهو ينظر لي في غضب ويهمهم بما معناه:

-      كف عن تشبيهاتك اللعينة هذه.

ولكننا فوئجنا بغطاطي يحمل أسدا صريعا، وهو يقول في حدة:

-  لماذا لم تخبروني أني سأذهب إلى عرين الصمت وليس كوخه؟.. لقد جنيتم على هذا الأسد المسكين.

وألقى جثة الأسد جانبا ونحن ننظر له بذهول.

***

حينما كنتُ صغيرا

كان ليثٌ يرعبُني

كان جسمُه المخطَّطُ ينشرُ الرعبَ ببدني

ثم حين قد كبرتُ بعض شيءٍ

قيلَ لي يومًا بحزمٍ:

يا عزيزي.. كيفَ لا زلتَ تخافُ من قطّة؟

***

رأيتُ كابوسا شيطانيا، لصاحب شركة منتحر يرتدي حلة بخاركو على رأسه وسط نيران جهنم، وهو يصرخ بضحكات شيطانية:

-      حلة بخاركو.. خير رفيق لكم في جهنم.. نياهاهاها

***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر