المتابعون للمدونة

الثلاثاء، 18 أبريل 2017

نهج البردة 2


نهج البردة (2/10)

هذا هو المقطع الثاني من قصيدة نهج البردة لأمير الشعراء أحمد شوقي.. للاستماع له بصوتي:




وهذا هو شرح معاني الكلمات: 

يا نَفسُ: دُنياكِ تُخفي كُلَّ مُبكِيَةٍ = وَإِن بَدا لَكِ مِنها حُسنُ مُبتَسَمِ
المُبكِيَة: المصيبة التي تسبب البكاء.
المُبتَسَم: الابتسام (مصدر ميمي)، أو الابتسامة (اسم مفعول)، أو الفم الذي هو موضع الابتسام (اسم مكان). 

فُضّي بِتَقواكِ فاها كُلَّما ضَحِكَتْ = كَما يُفَضُّ أَذى الرَّقْشاءِ بِالثَّرَمِ
فضَّ فاه: أفرغه من كل الأسنان.. ولا فُضَّ فوك: دعاء يقال لمن يحسن القول ألا يسقط الله أسنانه، فسقوط الأسنان يضيع كثيرا من مخارج الحروف فيفقد الإنسان فصاحته.. وفو من الأسماء الخمسة وهو يعني الفم، ويأتي مضافا إلى ضمير، فتقول فوه وفاه وفيه في الرفع والنصب والجر على الترتيب.
فُضّي بتقواك فاها: أي فضّي فمها بتقواك.. والضمائر عائدة على البيت السابق، فالخطاب موجه للنفس، وفاها عائدة على الدنيا، والمقصود: لا تسمعي يا نفس لما تغريك به الدنيا كلما ضحكت، وأسكتيها بالتقوى.
الرقشاء: الحَيَّة المنقّطة بالأبيض والأسود، وأذاها هو سُمّها. الثَّرَم: انتزاع السِّن من جِذرها.. والمعنى: أن نزع أنياب الأفعى هو خير وسيلة لفض أذاها ومنعه، فكأنه شبه إغراءات الدنيا بسم الأفعى، التي يكون نزع أسنانها بالتقوى. 

مَخطوبَةٌ مُنذُ كانَ الناسُ، خاطِبَةٌ = مِن أَوَّلِ الدَهرِ، لَم تُرمِلْ وَلَم تَئِمِ
منذ كان الناس: كان هنا تامة أي أنها فعل ماضي لها فاعل فقط، ومعناها: منذ وُجِدَ الناس.
لم تُرمل: من أرملت المرأة: أي مات زوجها.
لم تئم: من الفعل آمَتْ تَئيم، أي كانت بلا زوج.. والأَيِّمُ هو المرأة التي لم تتزوج أو التي تزوجت وفقدت زوجها.. وتطلق كذلك على الرجل الذي بلا زوجة.
والشاعر ما زال يتكلم عن الدنيا، ويصفها بأنا مطلب الناس منذ وجدوا، كأنها عروس يطلبون خطبتها، وأنها كذلك تغويهم كأنها هي التي تخطبهم، وهي دائما لا تعدم من يسقط في غوايتها، فهي كالمرأة التي لا ترمل ولا تئيم. 

يَفنى الزَمانُ وَيَبقى مِن إِساءَتِها = جُرحٌ بِآدَمَ يَبكى مِنهُ، في الأَدَمِ
الأدم: الجلد.. وأصل الجملة: جرح في الأدم بآدم.
وهو يعني أن الدنيا أغوت آدم وأخرجته من الجنة، وهذا كالجرح في الجلد يترك أثرا لا يمحى إلى أخر الزمان.

لا تَحفَلي بِجَناها أَو جِنايَتِها = المَوتُ بِالزَهرِ مِثلُ المَوتِ بِالفَحَمِ
لا تحفلي: لا تهتمي (الخطاب للنفس)
جناها: الجَنَى هو ما يُجنى من الزروع والثمار (الضمير عائد على الدنيا).
جنايتها: الجناية هي الجُرم.
الفَحَم: نطق آخر لكلمة الفَحْم، مثل نَهْر ونَهَر.
ينصح الشاعر نفسه بألا تنشغل بنعيم الدنيا ولا مصائبها، فهي زائلة في كلتا الحالتين، ولا فارق بين من يموت باستنشاق عطر الزهر ومن يموت باستنشاق دخان الفحم.. لاحظ التناسب بين كلمتي الزهر وجناها، وبين كلمتي الفَحَم وجنايتها. 

كَم نائِمٍ لا يَراها وَهْىَ ساهِرَةٌ = لَولا الأَمانِيَ وَالأَحلامُ لَم يَنَمِ
يَنَمْ: صيغة الجزم من الفعل ينام، وتم تحريك الميم الساكنة بالكسر لمراعاة القافية، وهو جائز عند التقاء ساكنين، أو في القافية.
ما زال يتكلم عن الدنيا، ويشبه المغتر بها الغافل عن مكرها المطئمن بأحوالها، بالنائم المتمادي في أمانيه وأحلامه، بينما الدنيا لا تنام، مستمرة في تقلبها. 

طَورًا تَمُدُّكَ في نُعْمَى وَعافِيَةٍ = وَتارَةً في قَرارِ البُؤسِ وَالوَصَمِ
طورا: حينا أو مَرّة.. الأطوار الحالات والأحوال.
النُّعْمَى: النعيم.
تُمِدُّك في نُعمَى: أي تطيل لك في نعيمها (يعني الدنيا)
تارة: حينا أو مَرّة، وأصلها من مادة "تور"، والجمع تاراتٌ وتِيَرٌ.
القرار: المستقَرّ والقاع.
الوَصَم: الألم والتعب.. ومادة وصم بشكل عام تدور حول العيب والعار والنقص في الحسب (كقولك وصمة عار) والتلعثم في الكلام، والتعب والضعف وحدوث صدع في العمود. 

كَم ضَلَّلَتكَ، وَمَن تَحجُبْ بَصيرَتَهُ = إِن يَلْقَ صابًا يَرِدْ، أَو عَلقَمًا يَسُمِ
يَلْقَ: صيغة الجزم من الفعل يلقى.
الصاب: جمع صابة، وهي شجرة مرة.. والصَّابُ عُصارة شجر مُرٍّ، وهذا هو ما يقصده الشاعر لتناسبه مع كلمة يَرِد.
يرد: وَرَدَ الماء يَرِدُه: إذا ذهب إليه للسقاية.
العلقم: الحنظل.
يَسُمْ: صيغة الجزم من الفعل يسوم.. سام الإبل يسومها أي ساقها إلى المرعى.
والشاعر يعني أن من تضلله الدنيا يجري وراء شهواتها بلا بصيرة فيشرب المر ويأكل الحنظل دون تمييز! 

يا وَيلَتاهُ لِنَفسي: راعَها وَ دَها = مُسْوَدَّةُ الصُحْـفِ في مُبْيَضَّةِ اللِّمَمِ
يا ويلتاه: يا ويلتي.. والويل هو العذاب، وهو أسلوب تحسر.
راعها: أفزعها وأثار رَوْعَها.
دها: أصاب (ومضارعه يدهو) ومنه كلمة الداهية.. وأصل الجملة: أصابها ودهاها، وحذف المفعول.
اللِّمَمِ: جمع لِمَّة، وهو الشعر المنسدل على جانبي الرأس، والمقصود بمبيضة اللمم: بياض الشعر في المشيب.
والمعنى: أنه يتحسر بعد شيبته وبياض شعره على صحائف أعماله التي اسودت من كثرة ما دونه الملكان فيها من الذنوب. 

رَكَضْـتُها في مَريعِ المَعصِياتِ، وَما = أَخَذتُ مِن حِميَةِ الطاعاتِ لِلتُّخَمِ
رَكَضْـتها: ركض أي جرى، واصله من تحريك الرجلين.. وركضَ الخيل: نكزها برجليه ليستحثها على الركض.
المَريع: الوادي الخصيب، والمَرْع: العشب.
الحِمية: الإقلال من الطعام.
التُخَم: جمع تُخَمَة (وشاع تسكين الخاء عند العوام)، وهي فساد الطعام في المعدة، أو ثقل الطعام على المعدة بعد امتلائها به.. وهذه الكلمة من مادة وخم، والوَخِيمُ هو الرجل الثقيلُ.
ومعنى البيت أنه لم يلجم نفسه عن المعاصي، مثل الذي يركض فرسه في المريع، أو الذي يأكل بشراهة دون أن يلتزم بالحمية توقيا للتخمة.

هامَت عَلى أَثَرِ اللَذّاتِ تَطلُبُها = وَالنَفسُ إِن يَدْعُها داعي الصِّبا تَهِمِ
يدعوها: صيغة الجزم من الفعل يدعوها.
تَهِمِ: صيغة الجزم من الفعل تهيم.

صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ = فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ 

وَالنَفسُ مِن خَيرِها في خَيرِ عافِيَةٍ = وَالنَفسُ مِن شَرِّها في مَرتَعٍ وَخِمِ
والنفس من خيرها ... وشرها: "ها" تعود على الأخلاق في البيت السابق.. أي أن خير الأخلاق يجعل النفس في خير عافية، وشر الأخلاق يؤذيها مثل الدواب التي ترعى في أرض وخيمة العشب.
المرتع: المرعى.. والأرض الوَخِمَة هي الأرض ذات العشب الضار.

تَطغَى إِذا مُكِّـنَتْ مِن لَذَّةٍ وَهَوًى = طَغْىَ الجِيادِ إِذا عَضَّت عَلى الشُكُمِ
تطغى: تتجاوز حدها (الضمير يعود على النفس).. والطغي مصدر الفعل طغى.. طَغَى طَغْيا وطغيانا.
الشُّكُم: جمع شكيمة، وهي الحديدة التي تكون في فم الفرس.. ويعض الفرس على الشكيمة بعنف إذا كان في شدة ثورته وهياجه، ويعني هنا أنها تجري بأقصى سرعتها، فمثلها النفس التي تندفع في المعاصي وراء شهواتها وملذاتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر