المتابعون للمدونة

الأربعاء، 5 أبريل 2017

لا لن يموت أبي


لا لن يموت أبي 



ما كنتُ أَحسَبُ يومًا أن يموتَ أبي
وهمٌ بعيدُ المَدَى، ما كنتُ أَعتبِرُ

مَقدورُ ربّي وليسَ القلبُ معترضًا
للهِ نَمضي كما يَقضي لنا القدرُ

لكنَّهُ عالَمي مُذْ أنْ رأى بصري
هل جا ببالِكَ يَفنَى الشمسُ والقمرُ؟

كمْ قالَ لي: "سأموتُ، العمرُ يَسرقُنا
فاعملْ لنفسِكَ ما تَرضَى وأفتخرُ"

لكنّني لم أكُنْ بالقولِ مُكترثًا
لا لن يموتَ أبي مهما مَضَى العُمُرُ

حتّى وأنفاسُهُ تُفضِي لبارئها
ما كنتُ ودّعتُهُ والدمعُ يَنحدِرُ

كانوا جميعا يَرونَ الموتَ يَخطَفُهُ
وكنتُ أَنهَرُهمْ: لا ليسَ يُحتَضَرُ

والعقلُ يُدركُ ما بالقلبِ أَجحدُهُ
لا لنْ يَموتَ أبي والنهرُ والمَطَرُ

حتى مَضَى في هدوءِ الليلِ مُرتحلاً
مُستكشفًا دربَ مَن مِن قبلِهِ عبروا

والنورُ في وجهِهِ كالبدرِ مُكتملاً
لِسِدرةِ المنتهَى قدْ شارفَ النَّظَرُ

فخِلتُهُ نائمًا كالطفلِ في حُلُمٍ
حتما سيصحو، دُعوني الآنَ أنتظرُ

قد غابَ عن ناظري والقلبُ مَسكَنُهُ
هل يَحسبون فَنَى في كِلْمةٍ سَطَروا؟

لا لن يَموتَ أبي في مُهجتي أبدًا
ذِكراهُ في خاطري كالعطرِ تَنتـشرُ

والجِذرُ يَحيا ولو بالأرضِ غَيْـبَتُهُ
ما زالَ يُخبرُ عنهُ الزَّهرُ والثمرُ

يا ربِّ فاغفرْ لهُ، واجعلْ له نُزُلاً
مُكَرَّمًا، مُتَّكاهُ الرَّفْرَفُ الخُضُرُ 

محمد حمدي غانم
2/4/2017 

* متكأه الرفرف الخضر: إشارة إلى قوله تعالى في صفة أهل الجنة: "متكئينَ على رفرفٍ خضرٍ وعبقريٍّ حِسان".. الرفرف جمع رفرفة وهي البساط أو الوسادة، وعبقري جمع عبقرية وهي الثياب المزخرفة المنقوشة. 

في ليلة 26 رجب، تحل الذكرى الثانية لوفاة أبي الحبيب أ. حمدي كامل غانم، رحمه الله وغفر له وجعل مثواه الجنة.

في الصورة يحملني أبي على ساعده بينما يتعلق أخي حمدي برقبته ويقبله.. ويظهر رأس أخي محسن أسفل يسار الصورة، وأظن أنه كان من المفروض أن يظهر معنا لكنه تحرك، فقد كان صغيرا مشاكسا.

الصورة مليئة بالتفاصيل والذكريات.. اللعبتان على الثلاجة مثلا لعصفور في قفص عند تشغيله يصدر صوتا مسجلا لزقزقة عصفور.. كانت اختراعا حينها.. طبعا هاتان اللعبتان تخصان حمدي ومحسن فقد كنت أسرع من يكسر لعبته لأرى ما بداخلها (بوادر هندسة مبكرة).. المروحة الصغيرة (أبو رياح) خلف رأسي تكفلت بها أيصا لكن بعد ذلك بسنوات حينما أخذتها معي إلى المدينة الجامعية.

كان أبي يشترى لنا اللعب الجميلة دائما وما زلت أذكر منها سيارة نقل بصندوق قلاب عند تشغيلها كانت تسير ثم تتوقف وتقلب الصندوق.

على الجدار صورة زفاف أبي وأمي وموضوع داخلها القروش العشرة الورقية التي أهدى ابي نصفها لامي في فترة الخطبة واحتفظ بالنصف الاخر وألصقهما معا بعد الزواج.. نشرت لكم صورتها سابقا وحكيت قصتها.

الغرفة نفسها في شقتنا التي كنا نستأجرها في العمارة.. ورغم ضيقها كانت أمي تحافظ على نظافتها وتنسيقها وجمالها.. قضيت في هذه الشقة نصف عمري في الحارة التي جمعتني بأصدقاء الطفولة والصبا وأجمل جيرة وأحسن عشرة.. سامي وشريف ومحمد وأيمن.

رحم الله أبي ورحم الأيام الجميلة ورحم الأعزاء الراحلين من جيراننا الطيبين.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر