المتابعون للمدونة

الخميس، 18 نوفمبر 2010

15- من نحن؟

أبدع حاسب وأبدع نظام تشغيل
15- من نحن؟

ما دمنا وصلنا بتأملاتنا إلى هذا المستوى، فعلينا أن نفكّر في سؤال لا بدّ أنّه جال بأذهان الكثيرين:
كيف سيحاسبنا الله سبحانه يوم القيامة، بعد أن تكون أجسادنا قد دخلت في تكوين أعداد لا حصر لها من النباتات والحيوانات والبشر والكائنات الدقيقة؟.. ومن نحن أساسا إذا كانت أجسامنا مكونة من بقايا أجسام مخلوقات أخرى؟
هنا دعنا ننظر للإنسان على نطاقين: نطاق الجسد، ونطاق الروح.
طبعا نحن لا نعلم كُنه الروح، ولكننا نعلم أنّها الشيء الوحيد الذي يفرّق بين جسد حيّ وميت.. هذه الروح متفرّدة ولا تُستخدم في هذه الحياة إلا مرّة واحدة من قبل مخلوق واحد، حيث لن تعود إليه مرّة أخرى إلا يوم البعث.. وهذا يجعلنا لا نقلق بخصوص أي التباس، فما يجعل كلا منا مميزا هو روحه.. لا جسده.
لكن.. هذه الإجابة لن ترضي الماديين، فهم أصلا لا يؤمنون بوجود الروح.. لهذا لن نخيّب رجاءهم، وسنخاطبهم بمفاهيمهم المادية.. لقد تكلّمنا عن الروح، وسنتكلّم الآن عن الجسد، الشيء الوحيد الذي يؤمنون به وهو فاني!
وعند حديثنا عن الجسد، يجب أن نميّز بين شيئين جوهريين: البنية المادّية للجسد، والبنية المعلوماتية له.
ولو نظرنا للبنية المادية، فسنجد هذه الحقيقة المدهشة: يقدر العلماء عدد الخلايا التي تموت في جسم الإنسان في كلّ ثانية بمليون خلية.. طبعا هذا عدد ضئيل بالنسبة لعدد خلايا جسم الإنسان، الذي يقع ما بين 60 تريليون إلى 100 تريليون خلية، علما بأنّ التريليون هو مليون مليون.. وهذا يعني أنّك تتبدّل كلّية تقريبا كلّ ثلاث سنوات.. ولا يبقى ثابتا فيك غير الخلايا العصبية، فهي لا تتبدّل، وما يموت منها لا يُعوّض (هناك بحوث حديثة تقول إن هناك آلية صيانة في المخّ، لكن يبدو أن موت وتجدد الخلايا العصبية وإعادة تلاحمها ليست بنفس سرعة موت وتجدد وتلاحم الخلايا العادية، لهذا تبدو بالنسبة للخلايا الأخرى كأنها لا تموت).
يذكرنا هذا بمقولة: "إنّك لا تنزل النهر نفسه مرتين".. ليس فقط لأنّ قطرات النهر تتبدّل وتتجدّد باستمرار مع جريان النهر الدائب من المنبع إلى المصبّ، ولكن أيضا لأنّ خلاياك أنت نفسك تموت وتُستبدّل في كلّ ثانية بالملايين!
إذن فأجسادنا أساسا غير ثابتة ونحن أحياء، ورغم هذا نظلّ نحتفظ بشخصياتنا وكينونتنا.. حاول أن تقارن صورك القديمة بملامحك الحالية.. ستكتشف أنك تبدلت عبر سنوات عمرك عشرات المرات!
وهذا يعيدنا إلى الحديث عن الخلايا العصبية التي لا تتبدّل (تقريبا)، مما يصلح مدخلا للحديث عن البنية المعلوماتية لأجسادنا.
إنّ مما يميزنا كبشر، ذاكرتنا التي تحوي أفعالنا وخبراتنا وسجلات مشاعرنا وأحلامنا.. ومن الثابت علميا أنّ كلّ شعور وفكرة وصورة وصوت ورائحة وطعم يدركها الإنسان، تختزن في ذاكرته حتى لو عجز عن تذكرها إراديا.. وكثيرا ما يحدث أن نتذكّر مواقفَ مضى عليها سنوات، بسبب رائحة شممناها أو صوت سمعناه أو شخص قابلناه.
لكنّ البنية المعلوماتية للإنسان، لا تتوقّف عند المعلومات التي تحويها ذاكرته.. فعقله وجسمه وكلّ التفاعلات التي تجري به، مكتوبة جميعا على الشفرة الوراثية للإنسان.. وتوجد من هذه الشفرة نسخة كاملة مكرّرة في كلّ خلية من خلايا جسم الإنسان.. وطبعا هذا التكرار الهائل يضمن أنّه مهما مات من خلاياه ـ بل ومهما بُتر من أعضائه ـ فإنّ جسده ما زال يحوي أرشيفا كاملا لتركيبه.. مكررا لملايين الملايين من المرات.
لهذا، فما الغريب في قدرة الله سبحانه على إعادة بناء أجسادنا من مواد الأرض، تبعا للشفرة الوراثية المميزة لكلّ منا، مع إعادة شحن ذاكرتنا بكلّ ما عشناه، وردّ أرواحنا إلينا لنعود إلى الحياة؟.. هل سنختلف في شيء حينها عما نحن الآن، حتى لو لم تكن الذرات التي تكوّن أجسادنا هي نفس الذرات التي تكونها الآن؟
بصيغة أخرى: هل ما يجعلنا نحن هو طين الأرض، أم الروح التي نفخت في هذا الطين، والشخصية المميزة التي تتحكم في هذا الطين؟
وهل الذي سيحاسب هو الطين، أم أنت؟
يقول سبحانه:
(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ {79}) سورة يس.
ويقول سبحانه:
(بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ {2} أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ {3} قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ {4}) سورة ق.

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم ووفقكم الله لما يحب ويرضى اخي الحبيب قولك
    وهذا يعني أنّك تتبدّل كلّية تقريبا كلّ ثلاث سنوات ...
    هو مصداق قول الحق سبحانه وتعالى : بل هم في لبس من خلق جديد
    الغالب على افهام الناس ان المعنى انهم قد التبس عليهم فهم الخلق الجديد بعد الموت ...ولكن قد يكون المعنى هو انهم انفسهم يعيشون ومتبلسون بعملية التخليق الجديد المستمرة ..

    ردحذف
  2. وعليكم السلام..
    شكرا لتقديرك..
    تأمل جميل.. والله تعالى يقول (في أي صورة ما شاء ركّبك)
    تحياتي

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

صفحة الشاعر