أبدع حاسب وأبدع نظام تشغيل
14- نحن نأكل البشر
هناك تأمل آخر في هذا السياق، حول دورة المادة والطاقة في الكون.
هل فكّرت مرّة من قبل، في أنّ الطعام الذي تأكله قد أكله من قبلك آلاف البشر؟.. هذا إن لم يكن ما تأكله هو هؤلاء البشر أنفسهم!!
حسنا.. دعنا نوضّح الأمر:
أنت تعرف أنّ المعدة تقوم بهضم الغذاء، الذي يتوّجه بعد ذلك إلى الأمعاء الدقيقة.. هناك يتمّ امتصاص الغذاء ليحمله الدم إلى خلايا الجسم، وما يتبقى من فضلات صُلبة يتجه إلى المستقيم، ليتمّ التخلّص منه خارج الجسم.
لكن ماذا يحدث لباقي الغذاء بعد أن يحمله الدم؟
يُسلّم الدم الغذاء للخلايا، ومعه الأكسجين الذي أخذه من الرئتين.. وتقوم الخلايا ببعض التفاعلات الكيميائيّة لحرق الغذاء عن طريق الأكسجين.. وينتج من هذه العملية الطاقة اللازمة لتحريك عضلات الجسم وأداء وظائفه المختلفة.. لاحظ أن هذه الحرارة هي التي تجعل درجة حرارة جسم الإنسان في الأحوال العادية 37 درجة مئوية.
وينتج عن حرق الغذاء أيضا ثاني أكسيد الكربون، الذي يحمله الدم في عودته مرّة أخرى إلى الرئتين ليخرج عبر عملية الزفير.
والمواد الضارّة الأخرى الناتجة عن عمليات الخلايا، ترشّحها الكليتان من الدم وتخرج مع البول.. وتخرج بعض المواد الأخرى كالأملاح مع العرق.
وطبعا لا تحرق الخلايا كلّ الغذاء، فهي تستخدم البروتينات والأحماض الأمينية المختلفة لبناء خلايا الجسم، وما زاد عن حاجة الجسم يتم تخزينه في صورة دهون.
والآن، دعنا نلخص الأمر.. هذا ما يحدث لمكونات الطعام الذي أكلناه:
- تخرج الفضلات في صورة براز وبول وعرق وزفير.
- تنتقل حرارة الجسم إلى الهواء المحيط، ويُسهم العرق في تسريع هذه العملية.. وقد تساهم هذه الحرارة الناتجة من جسمك ـ مع مصادر حرارية أخرى ـ في تبخير المياه وتشكيل الرياح وهطول المطر، وربما تكون قطرات عرقك التي بخّرتها حرارة جسمك بعض قطرات هذا المطر!.. وتمتص التربة هذا المطر، لتذوب فيه أملاحها.
- تدخل المواد الباقية من الطعام في بناء الجسم البشري.. وهي تعود إلى التربة مرّة أخرى مع موت الإنسان وتَحلّله.
إذن، فكلّ الطعام الذي أكلناه، سيعود إلى الطبيعة مرّة أخرى، طال الأمد أم قصر.
وهكذا تستردّ الطبيعة طعامها مرّة أخرى، حيث تقوم الكائنات الدقيقة بتحليل الفضلات وأجساد الموتى، لتعود إلى التربة من جديد في صورة أملاح وعناصر أولية، حيث يقوم النبات بامتصاصها من جديد، ويمتص ثاني أكسيد الكربون من الهواء ـ ربما تكون أنت قد زفرته للتوّ ـ ليدخل كلّ هذا مع ضوء الشمس واليخضور (الكلوروفيل) في بناء الكربوهيدرات، التي ستدخل في تكوين ساق النبات وأوراقه وثماره، التي سيأكلها حيوان أو إنسان.. ولو أكلها حيوان فقد يأكله إنسان، أو حيوان آخر، حيث سيموتون جميعا في النهاية وتستمرّ الدورة!
نعم.. أجسادنا التي يبنيها طعامنا، هي خليط من كلّ الفضلات وجثث الحيوانات والبشر، تمّ إعادة تدويرها في نظام بديع، لتستمرّ دورة الطاقة والمادة في الحياة.
تفهم الآن معنى قانون بقاء المادّة، فهي لا تفنى ولا تستحدث من عدم، ولكنّها تتحوّل من صورة إلى أخرى.
وهذا ينطبق أيضا على الطاقة، فهي لا تفنى ولا تستحدث من عدم، ولكنّها تتحوّل من صورة إلى أخرى، كتحوّل الحرارة إلى حركة عندما تبخّر الماء نتيجة تسارع حركة جزيئاته، وتحوّل الحركة إلى كهرباء حينما يدير البخار الدينامو، وتحوّل الكهرباء إلى ضوء وحرارة في المصباح الكهربي وهكذا....
ويمكن للمادّة أن تتحوّل إلى طاقة، عند حرق الخشب والفحم مثلا.. وتصل هذه الطاقة إلى ذروتها في التفاعلات النووية، حيث إنّ الطاقة الحرارية الناتجة عن تحول جرام واحد من المادة المشعة تعادل الطاقة الحرارية الناتجة عن احتراق 20 مليون طن من الفحم!
وأيضا يمكن أن تتحوّل الطاقة إلى مادّة.. وتتكلّم نظرية الكمّ عن تحوّل فوتونات الضوء إلى جسيمات ذرية، لكنّها سرعان ما تتصادم وتتحوّل إلى ضوء مجددا.. دعنا لا ندخل في هذا التعقيد هنا، ودعنا نعتبر ما يحدث في أوراق النبات مثالا بسيطا مقبولا، ففيها تتحوّل طاقة الشمس إلى روابط كيميائيّة مختزنة في المواد الغذائية التي يصنعها النبات، ولهذا فإنّ النبات هو مصدر كلّ الخشب والفحم والبترول على الأرض، ومصدر الطاقة التي تعمل بها خلايا الحيوان والإنسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.